2016/07/30

الأديب مـحمد حسين طلبي...سفير الثقافة الـجزائرية بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقـــة



الأديب مـحمد حسين طلبي...سفير الثقافة الـجزائرية  
بقلم: الدكتور محمد سيف الإسلام بوفلاقـــة
-جامعة عنابة-
     الأستاذ الأديب والباحث محمد حسين طلبي واحد من المثقفين والإعلاميين الجزائريين الذين قدموا خدمات جليلة للثقافة الجزائرية في منطقة الخليج العربي، إنه واحد من ألمع الشخصيات الأدبية والثقافية الجزائرية في دولة الإمارات العربية المتحدة،يرى فيه الكثير من المثقفين والأدباء الجزائريين والعرب مثالاً رائعاً للتواصل الثقافي بين الجزائر ومنطقة الخليج العربي،يمثل جسراً من جسور التواصل بين المنطقتين،  هو ابن الجزائر البار المعروف بنشاطاته وجهوده العلمية والثقافية المتميزة، يلقبه الكثير من أدباء الجزائر بسفير الثقافة الجزائرية بالإمارات العربية المتحدة،ويسميه الكثير من الإعلاميين بأبي الجزائريين،إنه الرجل الذي استطاع أن يجسد بحق وصدق صورة الجزائر في تجلياتها الكبرى وثورتها العظيمة، وفي أدق جزئياتها المتعددة والمتنوعة في مختلف المحافل الثقافية في الخليج العربي.
      فالأستاذ محمد حسين طلبي«يهتم ومنذ سبعينيات القرن المنصرم بالهم الثقافي الجزائري ويحاول منذ تواجده في منطقة الخليج العربي الاعتماد عليه للتعريف أكثر بوطنه الجزائر،وهو يعتقد بأن التركيز أكثر على هذا الشأن يمكن أن يخلق حيوية خاصة تجعل النضال الجزائري المعروف متواجداً دائماً ،ومن ثم يجعل الجزائر حاضرة بكل زخمها الثوري والاجتماعي والثقافي والاقتصادي الغني،وقد عمل الأستاذ محمد حسين طلبي منذ عشرات السنين كما يعلم ذلك كل أفراد الجاليات الجزائرية والمتعاقبين على المنطقة العربية،ومن خلال تواجده الدائم والمكثف في شتى المنتديات على الوقوف دائماً إلى جانب وطنه وإلى جانب كل الجزائريين سواء المقيمين أو القادمين للزيارة وتقديم كل أنواع المساعدة لهم،وهو معروف بنشاطه الدائم في مختلف المنتديات الثقافية في الخليج العربي،كما أن الكثير من الباحثين والمثقفين العرب يشيدون بجهوده في تقديم عدد كبير من الشخصيات الفكرية والنضالية للإخوة العرب حتى أضحى مرجعاً للمؤسسات الثقافية العربية وللأفراد الذين يريدون التعرف أكثر على الجزائر في شتى المناسبات،وله في هذا المئات من المقالات في الإعلام المشرقي والخليجي،وكذلك عشرات اللقاءات التلفزيونية والإذاعية»)1(.
       وفي الكثير من الشهادات التي قدمها مجموعة من الأدباء والمثقفين الجزائريين الذين عرفوا الأستاذ محمد حسين طلبي تتضح أصداء جهوده ومنجزاته في المشهد الثقافي الجزائري والعربي.  
      يقول عنه الشاعر والكاتب المعروف الأستاذ عز الدين ميهوبي:« لا يختلف   اثنان في أنّ هذا الرجل(محمد حسين طلبي) لا يمكن له أن يتكرّر في أيّامنا هذه.. فهو الذي قضى حياته مهندسا في منشآت ومقاولات عديد الشركات في الخليج، لم يترك الجزائر وهو هناك، في الكويت أو دبي أو أبو ظبي. لا يتوقف عن الكتابة وعقد الندوات، والاحتفاء بالجزائريين الذين يقصدون تلك البلاد لأيّ حاجة كانت..
أنا أعرف هذا الرجل الجزائري الرائع. فإذا كان هناك اخترق المنابر الإعلامية، والصحف والمجلات، ولا تمرّ مناسبة من تاريخ الجزائر، إلا ويعيدها إلى الأذهان، محتفيا بأعياد الثورة والاستقلال، وناشرا لمؤلفات، يقرأ من خلالها واقع بلده بعيون في الغربة..
هو هكذا المهندس محمد حسين طلبي، الرجل المثقف، النشيط، الذي يطرق كلّ الأبواب ليساعد جزائريين في مواقف صعبة (..) ولا يتردد في القول إننا مقصّرون في حقّ تاريخنا وثورتنا، ونبقي دائما الفراغ حولنا عندما نكون في بلاد بعيدة.. إن ثورتنا أكبر من أن نتخيّلها عندما نقترب من الآخر، وثقافتنا أعمق مما لا ندري عندما نضعها أمام الآخر. لا ينقصنا شيء، سوى قليل من العمل الصادق لأجل الجزائر..
حسين، الذي يستحق أعلى الأوسمة، فهو سفير للجزائر بلا حدود، يقدّم أوراق اعتماده للبسطاء من الناس، لأنّه يثق بعبقرية الشعب الذي أنجب أمثاله.. وله في فادي ابنه الفنان المتألق صورة الأصيل بن الأصيل، سليل الأرض التي لا تنبت إلا الخير».
       ويصفه الأستاذ ابن تريعة بأنه «رجل يرفعه تواضعه إلى القمة الثقافية التي تجللها الأخلاق وتزينها اللغة العربية السليمة والجميلة والثقافة الواسعة، إضافة إلى الاعتزاز بجزائريته التي من خلالها أعطى الصورة النيرة عن الجزائر وأيضا عن الثقافة الجزائرية فهو السفير الثقافي الطوعي غير الرسمي الذي يحضر جميع المظاهر الثقافية المتنوعة هناك وينشط في النادي الثقافي العربي بالشارقة لوضع صورة عن الثقافة الجزائرية...».
        ويشير الدكتور السعيد بوطاجين في مقال عنونه ب«محمد حسين طلبي...آخر النبلاء»إلى أنه« جزائري من الطراز الرفيع، بلا صخب وبلا ادعاء، قامة كبيرة من الأخلاق والتواضع والحضور في الغياب، رغم المسافة التي تفصله عن هذه التربة التي أخلص لها بطريقته الملائكية المثيرة.
      السيد محمد حسين طلبي ليس قهوة بالحليب، وليس حطام دراجة هوائية قديمة، وليس من هؤلاء الذين يسعلون بكل اللهجات والمعارف بلا سبب واضح، إنه شخص نحيل ربّى حاسة السمع وأدّبها، يسمع جيدا ولا يقاطع أحدا...هذا المخلوق من أواخر الوطنيين النبلاء، وأشدد على الوطنيين النبلاء لأني نادرا ما صادفت في الوطن واحدا بخصاله وصفائه ونقاء سريرته وكرمه وحسن ضيافته، ولا أعتقد أن هناك جزائريا واحدا زار الإمارات دون أن يهتم به الأستاذ حسين، لا أحد يردّ له طلبا، ولو كان تعجيزيا،هناك كلمة تعجبني كثيرا عندما ترد في مكانها الصحيح، عندما تخرج من فم إنسان   : النخوة· أية كلمة رائعة هذه، وإذا كان هناك شخص تنطبق عليه تماما فهو محمد حسين طلبي  بلا منازع».
       وفي رصده لجهوده ومنجزاته يضيف الدكتور السعيد بوطاجين متحدثاً عن مدى حبه لوطنه وإخلاصه لأبناء الجزائر«...لقد عاش أكثر من أربعين سنة بعيدا عن الوطن، لكنه لم يبتعد عنه أبدا، ظل فيه كما الروح والدم، الجزائر بالنسبة إليه هي هذه الجغرافية التي تلازمه حيث حل وارتحل، ولا أدري تحديدا من أين استمد طاقة التواصل هذه،إنه مطّلع على كل شيء: السياسة والشعر والقصة والرواية والمسرح والتاريخ، والعناوين والأسماء كلها ترنّ في ذاكرته وعلى رفوف مكتبته المهاجرة، إضافة إلى ذلك فإنه يقتنيها ويوزعها على المثقفين والقراء في الإمارات للتعريف بالكتابات الجزائرية، دون أن ينتظر شيئا، لله في سبيل الله، كما يقولون...لا يمكن أن تمر على الشارقة دون أن يرتب لك لقاء أو ندوة، أو أن يجري معك حوارا ، هناك بيته، أغلب الجزائريين مرّوا من هناك، وأنا أيضا، أو رافقوه إلى المؤسسات الثقافية المحترمة وتعرفوا إلى المسؤولين والكتاب والأساتذة والمثقفين، أو تناولوا معه الغذاء أو العشاء على حسابه، كما يفعل دائما مع مواطنيه، ورغم انشغالاته الكثيرة كمهندس له التزاماته، إلا أنه يخصص كثيرا من الوقت للقادمين إلى دبي أو الشارقة أو أبو ظبي··· بلا مقابل، بل بخسارات فظيعة أحيانا،  وماذا نقدم نحن؟
      كل مقالات حسين عن الجزائر، العالم بالنسبة إليه اسمه الجمهورية الجزائرية التي لم يعش فيها سوى سنين قليلة، وقليلة جدا، مقارنة بالأربعين سنة التي عاشها مهاجرا رفقة زوجته وابنه الوحيد، بعيدا عن رائحة التراب والجغرافية».
      كما يؤكد الدكتور السعيد بوطاجين على أن الأستاذ محمد حسين طلبي عمل  خلال تواجده بالخليج (الكويت، الإمارات) على إعادة تشكيل وجه البلد وتقديمه في حلة أخرى، خاصة في تلك السنين التي عرفت انهيارا كبيرا وغدت مضربا للأمثال، خلال تلك الأعوام ظل ينشط، يكتب هنا وهناك ويستضيف هذا وذاك دون كلل »-انتهى كلام الدكتور السعيد بوطاجين-.
          وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الأستاذ محمد حسين طلبي هو الابن البكر للمجاهد الفذ والمربي المعروف محمد العربي طلبي ، وهو يعتبر من أقطاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين«ولد بتاملوكة(قالمة).تعلم في زاوية والده(زاوية ابن الهواري).وحفظ القرآن الكريم على مشائخها.انتقل إلى تبسة سنة:1945م(الحركة العلمية الأخضرية،وانضم إلى مدرسة التهذيب للبنين والبنات).انتقل إلى تونس سنة:1947م،وتابع دراسته في فروع جامعة الزيتونة ثم رجع إليها ثانية سنة:1951م ونال شهادة التحصيل سنة:1954م.وضع نفسه عند عودته إلى الجزائر تحت تصرف جمعية العلماء في مدرسة التربية والتعليم في عنابة،شارك في الثورة بجمع الأموال والأسلحة فانكشف أمره،وسُجن واعتُقل في معتقلات مختلفة بعنابة ووهران والمسيلة.عُيِّن بعد الاستقلال مديراً بمدرسة ابتدائية في عنابة ثم مستشاراً تربوياً ومديراً جهوياً بمركز محو الأمية بالشرق الجزائري(1975-1982م)ثم عين نائباً لمدير التربية للنشاطات الثقافية والرياضية والمدرسية بعنابة إلى أن أحيل على التقاعد،  من آثاره:المكتبة العالمية مسرحية ألفها أثناء تواجده في المعتقل(عن حياة الإمام ابن باديس)،دراسة حول المسرح تاريخ المسرح العربي بصفة عامة»( ينظر:موسوعة العلماء والأدباء الجزائريين،إعداد:رابح خدوسي،منشورات دار الحضارة،الجزائر،2002م،ص:211).
       ولد الأستاذ محمد حسين طلبي بقرية عين ملوك التابعة لولاية قالمة،تتلمذ في مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مدينة عنابة إلى غاية إغلاقها سنة:1956م من قبل سلطات الاستدمار الفرنسي،تتلمذ بعدها في مدرسة«المروانية» وثانوية القديس أوغستين ومبارك الميلي بمدينة عنابة بعد الاستقلال،تخرج مهندساً في الميكانيك سنة:1976م من جامعة حلب في سوريا،عمل بعدها بمصنع الحجار بمدينة عنابة إلى غاية سنة:1980م ثم سافر إلى الكويت إلى غاية سنة:1990م ،عمل بعد عودته إلى الوطن بوزارة التكوين المهني بالعاصمة حتى سنة:1993م،حيث غادر للعمل في دبي بالإمارات العربية المتحدة مديراً للخدمات الميكانيكية في إحدى شركات الأعمال الإنشائية المتميزة،وما يزال مقيماً بدولة الإمارات العربية المتحدة.
       كما أن الأستاذ محمد حسين طلبي عضو فاعل ومؤسس لعدد من الأندية الثقافية والهيئات العلمية،فهو واحد من الكتّاب المؤسسين لمجلة«دبي الثقافية»،وعضو مؤسس لجمعية الجزائريين في الإمارات العربية المتحدة سنة:1994م،وعضو جمعية الجزائريين في الكويت،وعضو الكشافة الجزائرية في الفترة ما بين(1963-1969)،وعضو الاتحاد الوطني للشبيبة الجزائرية في سوريا(1974-1976م)،و عضو اتحاد الطلبة الجزائريين بسوريا(1968-1976).
       من أهم مؤلفاته: «يسألني بوعلام عن حال البلد»،«هذيان الأحاجي في تخاريف الدراجي»،«عزف على نزف»،«شجن وتواصل»،«بنات فاطمة»،«غربة الكلام»،«يدور حول نفسه»،«قريباً من طقوسهم»،«غنيمة الحرب غنيمة الحب»،«خواطر حول الثقافة العلمية»،«الجاحظية بيتنا-الطاهر وطار نضال في كل الاتجاهات-»،«لاعبون بالريح»،«هبوب ثقافي ولكن»،«بلون الأوراس-محطات ثقافية من الجزائر»،«دنيا بنت عرب»،وغيرها.
           وإلى جانب هذه المؤلفات الفكرية والأدبية،فقد ألف الأستاذ محمد حسين طلبي عدداً غير قليل من الكتب العلمية التي تندرج في إطار اختصاصه العلمي،ومن هذه الكتب نذكر«معجم مصطلحات التكوين المهني بالعربية والانجليزية والفرنسية»،«كتاب التصنيع الميكانيكي(الحرفي)»،  «كتاب الرسم الهندسي(الحرفي)».
    في مقدمة كتاب«هذيان الأحاجي في تخاريف الدراجي»للأستاذ محمد حسين طلبي،يُسجل الكاتب والمؤرخ محمد عباس جملة من الملاحظات المهمة التي تتصل بشخصية الأديب والباحث محمد حسين طلبي،فهو أحد رفاقه منذ طفولته،حيث يقول:«عندما طلب مني الصديق محمد حسين طلبي تقديم كتابه(هذيان الأحاجي في تخاريف الدراجي)رأيت في ذلك مزيجاً من الوفاء والتقدير،الوفاء لزمالة وصداقة تعود إلى سنة:1957م،عندما جمعت بيننا ظروف الدراسة المضطربة في مدرسة(لا سيتي أوزاس)،وهي فرع من المدرسة المروانية(الحكومية)بعنابة.وقد أتاها الزميل طلبي من مدرسة جمعية العلماء بالمدينة القديمة-المحاذية للمروانية-بعد إغلاقها عقاباً للجمعية التي التحقت-علانية-بجبهة التحرير الوطني في مطلع:1956م.أما أنا فقد أتيتها من مدرسة الشيخ فرحات العابد الذي حاول أن يواصل رسالة جمعية العلماء،بعد أن كان معلماً بمدارسها...وقد سارعت إدارة الاحتلال بإغلاق هذه المدرسة المتواضعة الواقعة بحي(لاكولون)واعتقال الشيخ العابد عقب التحاق مساعده بالثوار...وقد عرفت بعد الاستقلال أن هذا المساعد-الذي كنا نناديه-سيدي الصغير-لم يكن غير نذير طلبي عم صديقنا حسين.
       وما زلت أذكر زميلي-الذي يصغرني قليلاً-وهو عائد من المدرسة على دراجته الصغيرة إلى مسكنه بحي وادي الذهب(جبانة اليهود)وكنا يومئذ ننظر إليه بإشفاق لأن والده كان سجيناً،رُبما بتهمة التعليم في مدرسة جمعية العلماء،فالوفاء هنا ينسحب أيضاً على تلك المرحلة المشتركة،حيث كان التحصيل باللغة العربية ضرباً من المقاومة النشيطة للاحتلال الفرنسي.
      التقدير لأنني أكبره قليلاً،وربما كذلك لجهودنا المتواضعة في مضمار المقاومة الثقافية التي نعتبرها امتداداً طبيعياً لثورة نوفمبر1954م،واستكمالاً لا بد منه لرسالتها التحريرية الشاملة..».
        وبالنسبة إلى كتاب«هذيان الأحاجي في تخاريف الدراجي» يذكر الأستاذ محمد عباس أن أول ما يشذ انتباه القارئ هو أن الكاتب يعيش واقع بلاده ومحنتها بوجدانه وفكره-إلى حد الانغماس-رغم أنه مهاجر يعيش بجسده بعيداً عنها بآلاف الأميال،خلافاً لأولئك المهاجرين بأرواحهم رغم إقامتهم بيننا،وينبه الأستاذ محمد عباس كذلك إلى أن«حالة الكاتب هذه تنسجم تماماً مع النسبة التي اختارها لبطله أي(الدراجي)بمعناها الحقيقي والمجازي،فهي تعني الانتساب إلى(أولاد دراج)من الأعراش الكبيرة بناحية المسيلة والحضنة،كما تعني الجزائري الطيب الأصيل الذي يجمع بين الحكمة والسذاجة إن لم نقل الدروشة.وتلكم هي حال الدراجي الذي يحاول أن يفهم-كما يصفه المؤلف في كتابه-بالهذيان تارة وبالتخريف تارة أخرى،فالدراجي مهووس بكل ما يجري في وطنه الجزائر رغم إقامته بعيداً عنه على مقربة من شواطئ دبي الخليجية الزاهية اللاهية،فهو من مرصده هناك متحفز باستمرار لالتقاط كل ما يمس الوطن من قريب أو بعيد،سواء صدر عن(الحركة الجدد)كما يسميهم،أو عن زعماء كبار مثل:أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد ...» )2(.
         عن رحلته مع الكتابة يقول الأستاذ محمد حسين طلبي في حوار أجرته معه الشاعرة الجزائرية منيرة سعدة خلخال:« أنا من جيل اقترب من اللغة والثقافة منذ السنوات الأولى للاستقلال، وكان لدي مثل غيري تعلق كبير بكل جديد في الوطن بعد مرحلة الاستعمار ومن بين هذا الجديد هو انفتاح الوطن على الأمة العربية من خلال التواصل الثقافي عبر الكتب والمجلات الواردة إلينا من المشرق وعبر الكتب الدراسية التي كانت بدورها رافدا مهما للمدرسة الجزائرية آنذاك، ومن خلال الأدباء والفنانين الذين زاروا بلادنا وقد كنا نسمع عنهم فقط من قبل، وهكذا تأسس لدينا هذا الحس الثقافي السامي الذي دفعنا إلى محاولة الكتابة والتعبير عن الذات وعن أفراح الوطن في تلك المرحلة، ومن هنا كانت أولى الخطوات التي انطلقت بها "بكل تواضع" في
عالم الكتابة .
     بدأت نشر مقالاتي عن مختلف القضايا المتعلقة بالوطن في فترة ما بعد الاستقلال بجريدتي "الشعب" و"المجاهد"، بعدها سافرت في 1968 لدراسة الهندسة الميكانيكية بسوريا، عدت إلى الجزائر في
حوالي سنة 1980 حيث اشتغلت في الشركة الوطنية للحديد والصلب بمركب الحجار بعنابة، ثم غادرت ثانية إلى دولة الكويت عام 1981».   
     وبالنسبة إلى تجربته بدولة الكويت يشير الأستاذ محمد حسين طلبي رداً على سؤال للشاعرة منيرة سعدة خلخال إلى أن تجربة الكويت كانت ثرية جدا من حيث إن هذا الوطن كان يحمل الهمّ الثقافي العربي بشكل كبير من خلال المنشورات،و المجلات ومعاهد الأبحاث التعليمية بما يشبه المطبعة الكبيرة، أو دار النشر ولا تزال،ويضيف الأستاذ طلبي: «وإذا كان غيري يعتبر الكويت سوقا كبيرة فأنا أرى أنها مركز  لأقطاب الفكر والتاريخ العربي خاصة من خلال تبنيها لنشر الأعمال العربية وتنظيم الجوائز بسخاء من أجل التنمية الثقافية العربية، ولا تزال منارة ثقافية حقيقية أسست وكرست، استمرت وتابعت العمل في هذا المنحى ولا أعتقد أن الأجيال الكويتية الجديدة ستتخلف يوما عن هذا ».  
       وفيما يتعلق بتقييمه لصورة الجزائر في أعين الآخرين،يقول الأستاذ طلبي في هذا الصدد:« نظرا للغياب التام لبلادنا في المشرق والخليج وبالأخص في العشرية السوداء، احتدم التساؤل لدى الناس والنخب الثقافية عن هذه الجزائر التي قرأوا عن ثورتها وعن شهامة أبنائها وعن مبدعيها وعلمائها، متسائلين عن ذلك الانجراف الذي كانت تسير فيه، فوجدت نفسي مجندا لتوضيح الصورة واستغلال هذه العلاقات الكثيرة لتوضيح ما كان غامضا مما هو غير معلوم، وكانت الساحة الثقافية أهم الساحات التي من خلالها قمت بهذا الدور مثلا كثيرا ما كنت أدعى إلى المحطات التلفزيونية وأستغل المنابر الثقافية كالنادي الثقافي العربي، اتحاد الكتاب، جمعية الصحفيين، وبيت الشعر بالشارقة أو بالإمارات
لأوصل هذه الرسالة وكذلك من خلال الكتابة في مختلف الصحف والمجلات منها: مجلة المنتدى التي توقفت عن الصدور منذ حوالي سبع سنوات، ومجلتي الصدى ودبي الثقافية التي مند تأسيسها قبل أربع سنوات وأنا كاتب رئيس فيها مع مجموعة كبيرة من أشهر الكتاب والأدباء والشعراء العرب كأدونيس، وأحمدعبد المعطي حجازي،و جابر عصفور،و عبد العزيز المقالح وغيرهم ».
           من خلال هذه الورقة أود أن أؤكد على جانب واحد من عطاءات الأستاذ طلبي،وذلك من خلال التوقف مع كتابه الموسوم ب«يسألني بوعلام عن حال البلد»،وهو يضم مجموعة من المقالات المتنوعة  التي سبق وأن نشرها الأستاذ طلبي في فترات مختلفة،وهو يلاحق من خلالها الكثير من الأحداث والقضايا الفكرية والثقافية،فالكاتب يواكب في هذه المقالات الكثير من الأحداث والتحولات التي وقعت في الفترة التي كتبت فيها، ومن بين القضايا التي سلط عليها الضوء،وتوقف معها بالنقاش والتحليل«الثقافة العلمية»،و«أدب الأطفال»،و«الفرنكفونية».
         من بين المواضيع الهامة التي طرحها الأستاذ محمد حسين طلبي في كتابه هذا موضوع«الثقافة العلمية»،وقد افتتح مقاله هذا بالتذكير بالدكتور يوسف مروة عالم الطاقة اللبناني الذي عمل في الجزائر بعد الاستقلال وحتى نهاية الستينيات،والذي كان يدعو دائماً إلى ضرورة توجه الدولة الجزائرية الفتية والغنية بشتى الموارد إلى استغلال الكم الهائل من الطاقة الشمسية المتوفرة في صحرائنا الشاسعة كمصدر للطاقة،وقد قدم الدكتور مروة عدة مبادرات للأمة العربية،من أشهرها اقتراحه على الرؤساء العرب المجتمعين في الخرطوم بعد هزيمة سنة:1967م بأن يوفروا له المال ليُقدم لهم بعد ثلاث سنوات فقط سلاح الردع النووي الذي يحمي الأجيال العربية من مذلات تشبه مذلة الخامس من جوان،وقد كان الدكتور مروة أول من دعا في الجزائر إلى ترسيخ الثقافة العلمية بين مختلف الناس،وقد كان يُطل على القراء بجريدة الشعب الجزائرية كل خميس،ويُقدم الكثير من التحاليل والأخبار العلمية،كما كان يرد على استفسارات القراء التي تتصل بمختلف الظواهر الفلكية والأبحاث العلمية.
        ويُنبه الأستاذ محمد حسين طلبي من خلال مقاله هذا إلى أهمية الثقافة العلمية،ويدعو إلى الاهتمام بها حيث يقول في هذا الصدد:«فكم نحن بحاجة إلى كتابة تقربنا من المعلومة العلمية(الجافة)بكل ما يحيط بها وتقدمها لنا في قالب مبسط ومختصر بعيداً عن غموض المعادلات وتعقيدات التجارب فتفتح أمامنا الطريق لمعايشة ذلك الاندماج المحبب بين ما هو مادي بحث وما هو روحي(إذا جاز التعبير)في حياتنا وبالأخص إذا تذكرنا ذلك الجانب الأخلاقي الذي يسبق عادة أية تجربة علمية تكون في صالح الإنسان أينما وُجد...هذا النوع من الثقافة هو وسيلتنا جميعاً صغاراً وكباراً للاندماج أكثر وبكل ثقة في(حيوية)العالم المعاصر،وهو ما يجب تركيز الاتجاه إليه في حياتنا الحاضرة والمستقبلية وأن يعمل الإعلام على لفت أنظار الناس إليه حتى نكون أكثر قرباً من لغة الحياة الحقيقية بكل مستجداتها.
        إذا فالثقافة العلمية(الأخرى)التي نأمل أن تدخل حياتنا وتتغلغل فيها كرافد أساسي من روافد الحياة العصرية التي ننشدها تتطلب منا كحكومات ومجتمع جُملة من الثورات المرادفة والضرورية منها ما يتعلق بالتعليم في المدارس ومنها ما يتعلق بتأسيس النوادي العلمية للهواة ورفدها بما يلزم من معدات ومطبوعات،ومنها كذلك ما يتعلق بتسهيل وتوفير عملية زرع المواقع على الشبكة العالمية،ومنها أخيراً ما يتعلق بالإستراتيجية الإعلامية للصحف والمجلات إذا كانت هناك هذه الإستراتيجية...أما السكوت على عدم الخوض في هذا الميدان والركون إلى التجهيل العلمي فسيزيد غربتنا عما هي عليه وهذا تناقض صارخ مع سنة الحياة التي تتطلب دائماً تواصل الاجتهاد مع هذا العالم بكل ما يحمل من جديد وتجديد»(ص:227-228).
            إن الأستاذ محمد حسين طلبي يرى أن الاقتراب من الثقافة العلمية أصبح واجباً مصلحياً وضرورة حياتية،تسمح لنا أن نجيب على الكثير من الأسئلة المباشرة وغير المباشرة التي تقتحمنا يومياً،ومن بين الأمثلة التي يقدمها الأستاذ طلبي في هذا الشأن عالم الحوسبة الذي يُعتبر من أهم منجزات العصر المثيرة فهو صندوق ساحر يلاحق المستخدمين حتى غرفة نومهم،ويشير المؤلف إلى الاهتمام بلغتنا العربية وإدماجها في هذا العالم،فاللغة العربية-كما يرى الأستاذ طلبي-يمكن إدماجها في هذا العالم بسهولة دون الخشية عليها،بل وبكل ثقة ستتمكن من إيجاد موقع متميز وتتفوق وتضيف إلى العالم إبداعات جديدة تخدم الإنسانية جمعاء،ومن بين الجهود الهامة التي بُذلت في صناعة البرمجيات العربية،وجعلت الحاسوب يتحدث بلساننا الفصيح،والتي كانت ثمرة التعاون المكثف بين الخبراء العرب في الميدان والكثير  من الشركات الشهيرة في العالم مثل:  (ميكروسوفت)التي أصدرت عام:1995م البرنامج الشهير(95لي)ثم قرارها عام:1996م بجعل اللغة العربية في نفس مراتب اللغات الأجنبية الأخرى من حيث الاهتمام،كما منحتها أولوية الترجمة من وإلى،وجميع هذه الجهود خدمت سوقاً إدارية واجتماعية عربية واسعة تستخدم لغتها.
        في مقال«الهجرة إلى الثورة»يلفت الأستاذ محمد حسين طلبي الانتباه إلى ضرورة التعريف بثورتنا المجيدة،وترسيخها في نفوس الأطفال،يقول المؤلف في مستهل هذا المقال«لم تكن الثورة كما رسمناها على الدفاتر أطفالاً وحفرناها على جدران القلوب شباباً...ولا نزال كمسكونين بها إلا عنفواناً وكرامة تكرست لدينا رغم حواجز اليأس ومطبات الإحباط التي تتالت فيما بعد نحن الذين أنجبهم زمن التحدي الكبير.
         الثورة ذلك الدرس الجميل الذي علمنا كيف نقدر الشهادة بالضبط كما علمنا فرسان نوفمبر العمالقة كيف نرسم الأمل والحلم وكيف نضحي من أجلهما.
         عندما قررت جبهة التحرير أن تتخذ قراراً بحجم الاستقلال المنشود،وبدون تردد كان نوفمبر الحدث المفصلي الذي تلخصت فيه ثقافة التحرير بكل معانيها...فلما شهر المجاهدون الإرادة ضبطت الملايين في الجزائر إيقاعها على خطاهم النبيلة.
         فها هو الهلع يتصاعد في صفوفهم المدججة..وها هم يهربون من الاعتراف بإرادة هذا الجزائري،إرادة رغم افتقارها للتقنية والأداة إلا أنها أصابت جنديهم وضابطهم بالكآبة،ودفعت أمهاتهم إلى التظاهر في الشوارع للمطالبة بعودة الأبناء بالضبط كما تفعل أمهات اليهود هذه الأيام.
        وفي زحمة التضحية تلك كان المثقفون توائم الهم الوطني وشركاء أحلامه يهاجرون دون تردد إلى الثورة للبحث عن الدفء...ولإعلان مشروع الإصرار الكبير على تصحيح التاريخ.
       لقد أوجدوا مع إخوتهم الثائرين علاقة جميلة بين الفكر والحرية والموت وأضافوا للثورة حلماً آخر بحيث كان المثال الجزائري معهم هو الأشد توهجاً بين ثورات القرن العشرين»(ص:45-46).
          تحت عنوان:«زنزانة بحجم وطن»ناقش الأستاذ طلبي مجموعة من القضايا المتصلة بواقع الحركة الثقافية الجزائرية،وأشار إلى وضع برامج ثقافية تتسم بالتنظيم والمنهجية السليمة.
      في الشق الأول من مقاله هذا والذي وسمه ب«شقاء ثقافي»يقول المؤلف«ما زلنا بانتظار بيان تصدره جماعة ما تدافع فيه عن الثقافة وعن حقوق المثقفين إن كان لهم حقوق،مثل البيانات التي يصدرها عادة المدافعون عن المشردين...وغيرهم فها هم،كما يفعل الوحيدون الذين سحبت منهم كل المساحات يمضي بعضهم الوقت في الانكفاء وبعضهم في التواري والكثير منهم في العبث...وربما في المشاغبة».
          لم يكتف الأستاذ طلبي بطرح إشكاليات الثقافة الجزائرية،بل إنه يقدم  مجموعة من الحلول التي يرى أن من شأنها النهوض بالحركة الثقافية،ويذكر بأنه حتى يتحول هذا الوطن إلى فردوس حقيقي يزينه المبدع الجزائري ويقدم فيه خلاصة علاقته به...يُراكم حياته على دروبه ويكتب سفر خلاصه بالدم والحبر من جديد كما فعل من حرروه ذات يوم فلا بد من تأثيث الوطن بالمؤسسات.
     ومن أبرز المقترحات التي قدمها الأستاذ محمد حسين طلبي: «-تأثيث الوطن بالمؤسسات،والمؤسسات هي:
-المجالس العليا للآداب والفنون والتي تخطط للإستراتيجيات المستقبلية وتتبنى البيوتات الثقافية والمبدعين.
-وهي الجوائز التقديرية التي تمنح للعلماء وأصحاب الفكر لتدفع بهذه الميادين نحو الأفق.
-وهي زراعة المنتديات التي تضم النخب المفكرة والعبقريات الحية.
-وهي الدوريات المتخصصة والمجلات العلمية المحكمة.
-وهي جمعيات الفنون الشعبية كمحاضن مهمة للتراث معمارياً كان أو موسيقياً أو مسرحياً أو خلافه.
-وهي القناة التلفزيونية الثقافية التي تُعرِّف بأصالة هذا الشعب وتنشر تراثه وإبداع أبنائه.
-وهي مواسم الكتب على امتداد جغرافية هذا الوطن وإتاحة اقتنائها.
-وهي ميزانيات استقدام النخب المفكرة على مدار العام.
-وهي إلزام الأثرياء بالقوة على تبني القوافل والمؤسسات الثقافية وأجيال الباحثين...ولتُفرض عليهم الضرائب تحت أي مُسمى كان.
-وهي في الأخير...الاتجاه إلى خارج الوطن برفد السفارات بالمتنورين والمبدعين بدل أكوام المرتزقة الذين لا هم لهم سوى تشويه صورة الوطن سواء بجهلهم أو بتصرفاتهم.
   هكذا فقط تؤثت الأوطان،وبهذا وحده تُدفع جموع المبدعين الموزعين في الشتات إلى مراقصتها وكتابة الغزل لها.
       هكذا...ندعوهم من أحشاء الصمت ومن يباس أرواحهم وعطش أوديتهم،هكذا يعودون كالرماح إلى خيالنا...كموسيقى الماء إلى أرواحنا،يلوحون للجمال من جديد وهم أحرار في بيوتات الابتكار والأحياء،فلا مد ولا جزر يحكم تحركاتهم النبيلة» (ص:56-57).
          في طرحه لإشكالية الهوية ناقش الأستاذ محمد حسين طلبي الكثير من القضايا المتعلقة باللغة العربية وواقعها في مجتمعنا الجزائري من خلال مجموعة من المقالات من بينها مقال«فقه فرنكفوني»و«الموت بالسكتة الوطنية»،ومن أبرز ما أكد عليه في مقاله الموسوم ب«خبز الهوية»أن الفرنكفونية التي يحلم البعض بها أو يتمنى جاهداً العيش في نعيمها ليست سوى المارد الذي سينزع عنا إنسانيتنا ويمحو أي تفكير لقلوبنا أو انفعال لعقولنا،«فالسعي الدائم الذي يتناغم فيه اليوم بعض الجزائريين مع أعداء الأمس لتمزيق ما تبقى من أمل في الحفاظ على الجذور وفي بناء المستقبل بوعي وطني مستقل لا يفسره سوى هذه الاستهانة والسكوت على التسلل الفرنكفوني إلى النسيج الثقافي الوطني...تسلل لم يتوقف عن تشطيرنا ثم الاستفراد ببعضنا من ذوي المزاج السياسي(النيئ) ...»(ص:94).
         وفي مقال آخر موسوم ب«عبق المدن» تحدث الأستاذ محمد حسين طلبي عن موضوع يكتسي أهمية بالغة يتصل بثقافة اللوحات والنصب التذكارية التي تذكرنا بثورتنا المجيدة ضد الاستعمار الفرنسي،وقد نبه في هذا المقال إلى أنه أمر جارح ومريب أن تغيب ثقافة اللوحات والتماثيل والإشارات التي تذكرنا دائماً بالسير والتاريخ الذي نعتز به ونلجأ إليه كلما شدنا شوق إلى الأسلاف.
       ويتساءل الأديب محمد حسين طلبي«إلى متى ستظل ساحاتنا وشوارعنا تقاوم هذا التجاهل المتعمد..إنها تطالبنا باستحضار الماضي الذي عايشته لأن ذلك يزيدها تألقاً وثقة ويحسسها أكثر بالأمان بدل الانكسار الذي ما زال يُغطي مباهجها.
        فلماذا نُميت الذاكرة الوطنية بتجاهل رسمي لذاكرة هذا الشارع،ومن يا تُرى يُصر على عمليات التجريف المنظمة هذه لماضي الجزائر الطيبة غير كارهي الثورة وكارهي الانتماء الوطني سواء على المستوى الرسمي أو(الأحزابي)أو غيره،وإلا فما معنى أن وطناً يزخر بكل هذا الرصيد من الشهداء والعلماء والأدباء والفنانين والزعماء وتخلو ساحاته وشوارعه وزواياه وحدائقه من أي أثر للتذكير بهم وبمآثرهم،فمن أين يا ترى سيأتي اعتزاز ابن هذه الأرض بانتمائه وهويته؟إن الجبال والبحار والسهول والشوارع والمنازل في كل أنحاء العالم تتشابه تقريباً،فما الذي يعطي لكل منها خصوصيته غير الإنسان المبدع في كل شيء».
         قدم الأستاذ محمد حسين طلبي مجموعة من الرؤى والاقتراحات للنهوض بثقافة الطفل في مقال عنونه ب«امقيدش امقيدش»،حيث دعا إلى الإحاطة  بجميع النواحي التي تمكننا من تقديم إعلام حقيقي للأطفال يتسم بالنجاح ولا يتناقض مع ظروف المحيط الذي نشأ فيه الطفل،ومن بين ما نبه إليه مجلات الأطفال التي تعتبر من أسهل وسائل الإعلام التي تساهم في بلورة اتجاه وقدرات الطفل العقلية والعاطفية نظراً لما تتوفر عليه من معلومات ومعارف«بالإضافة إلى دورها التربوي المهم كرافد آخر تكمل لما يُفترض أن تقوم به المدرسة وبالأخص عندما توفر له المساحات التي من خلالها يمكن أن يعرض رأيه وكتاباته مما يساعد ويُشجع كذلك على تطوير جانب اللغة وأسلوب السرد لديه بالإضافة طبعاً إلى جانب القيم والاتجاهات،وحتى الجانب الديني الذي يجب أن يتعامل معه بالشكل الصحيح بعيداً عن أي شطط مما يصب في مصلحته ويرتقي بأفكاره منذ الصغر وبالتالي يمنح الوطن أجيالاً تنظر دائماً بعين الثقة والعقل إلى المستقبل...هذا على الأقل ما يذهب إليه الباحثون الذين يؤكدون دائماً على إمكانية المجلة(المقروءة)في مخاطبة الطفل بعقلية بسيطة متفتحة فتصنع منه شخصاً باحثاً عن المادة العلمية والأدبية في قالب مُحبب وقريب منه بخلاف بعض برامج التلفزيون التي تميل إلى التسلية لحظة المشاهدة أكثر مما تزوده بالفائدة المطلقة»(ص:194).
         اهتم الأستاذ محمد حسين طلبي بفكر فيلسوف الحضارة مالك بن نبي،وذلك في مقال موسوم ب«مالك بن نبي...هل تذكرونه؟»تطرق فيه إلى جملة من القضايا التي تتصل بفكره،وقدم صورة وافية عن مسيرة حياته،وركز على قيمه الأخلاقية،حيث يقول عنه:«عُرف مالك بدماثة أخلاقه واحترامه وحبه للناس كما عُرف بثقافته الواسعة التي حببت إليه الناس كمحاور لبق مهذب...لقد كان مالك بن نبي نموذجاً للمثقف والمفكر الثائر والنهضوي الذي عمل على تخليص مجتمعه من المظالم التي كان يتعرض لها حتى يلحق بركب الحضارة الإنسانية،بل ويسهم في صنعها بدل التفرج عليها.
         وبسبب التفاعل الذي داخل نفسه بين ثقافتين شدت كل منهما الرجل الذي اطلع عليهما اطلاع المستنير الباحث بحرية لم تعرف حدوداً أصبح مالك ظاهرة عالمية فتحت الطريق أمام الآراء والاجتهادات الفكرية الأخرى على تنوعها لمعرفة هذا الإسلام...فراح يقدم لنا صوراً شتى عن مراحل ذلك الفكر في قوالبه وصوره الحقيقية والمنسجمة تماماً مع العقل والمنطق»(ص:111).
        ويرى الأستاذ طلبي أن عبقرية مالك بن نبي لم تتمثل فقط في نظرياته عن شروط النهضة الإسلامية وإنما تمثلت كذلك في بقية آرائه التي تناولت الفكر الاقتصادي حيث قدم فيها صوراً شتى لما يجب أن يكون عليه المجتمع حتى تتكامل لديه شروط النهضة الحقيقية للإسهام في صُنع تاريخ جديد للعرب والمسلمين.
          وختم مقاله بالتأكيد على أن مالك بن نبي أسس في كل ما تركه لفكر جديد وثقافة جديدة قام فيهما بدور المؤرخ والناقد والمحلل والتربوي والسياسي،وقد كان تفرغ الرجل للعمل الفكري تجاوباً مع الواقع الجزائري المر الذي فرضته السياسة الفرنسية أيامها في بلادنا،والتي عملت على تفكيك المجتمع من خلال اعتماد الإدماج عن طريق التنصير والفرنسة والتجهيل والتفقير وخلافه،وهذا ما جعله يردد دائماً بأن الفكر هو طريق النجاة للإنسان،وقد كان يُجيب حينما يُسأل عن عدم عمله في مجال اختصاصه كمهندس يرد بأن بلده في هذه المرحلة بحاجة إلى الفكر أكثر من الهندسة.
        ومن بين المشاريع التي أعجب بها الأستاذ محمد حسين طلبي،وتوقف معها مشروع«كتاب في جريدة»الذي جاء رداً  عملياً على حالة التدهور في العلاقة مع الكتاب ومع القراءة بالذات بصفتها ممارسة حضارية،وحاجة ضرورية لبناء المجتمع العربي الطامح إلى غد أفضل،ويعرب الأستاذ طلبي عن أسفه الشديد لعدم انضمام الجزائر لهذا المشروع،حيث يقول:«لقد حقق هذا المشروع العربي في مرحلته السابقة مجموعة كبيرة من الإنجازات التي جعلت إخوتنا يفتخرون به ويأملون في مشاريع مماثلة،لأسباب عدة أهمها أنه كان عملاً جماعياً ورداً رائعاً على حالة من التباكي لا تزال تهزنا جميعاً في حالة فشل كل المشاريع الوحدوية،اقتصادية كانت أو سياسية أو اجتماعية،بالرغم من أن فكرة بعثه لم تكن عربية في الأساس،بل كانت بمبادرة من منظمة اليونسكو(العريقة)التي أرادت أن تكرسه عملاً ثقافياً متميزاً يمكن أن يكون في متناول القارئ العربي بالمجان رأفة بظروفه.
       فهل نحلم نحن الجزائريين بكتاب في جريدة جزائرية رأفة بظروفنا كذلك في يوم قريب كدافع ضروري لآلية القراءة ولزومها ونبضها في شارعنا(المسكين)نتصدى به لكل محاولات التجهيل والتذويب...بل والفصل عن الأمة؟
       وهل ستكون هناك رعاية ما لهذا الجهد من أصحاب المال والنفوذ حتى يُعطي له الزخم والعطاء والنماء؟أم أننا من جديد سوف لن نقيم وزناً لأية فكرة أو رؤية قد تدفع بالعملية الثقافية لاستشراف مستقبل روحي للأجيال الجزائرية...».
         هناك الكثير من المقالات المتميزة التي يحفل بها هذا الكتاب لا يتسع المجال لحصرها،ولعل أهم ما ميزها أنها كتبت بلغة صحفية ناصعة وبأسلوب واضح وتسير وفق خط يدافع دفاعاً مستميتاً عن قيم وثوابت الأمة الجزائرية وهويتها.
  الهوامش:
(1)  فقرة مقتبسة من السيرة الذاتية للأستاذ محمد حسين طلبي.
(2) ينظر:تقديم الكاتب محمد عباس في كتاب:هذيان الأحاجي في تخاريف الدراجي لمحمد حسين طلبي،منشورات دار الأمة،الجزائر،د،ت،ص:8-9.