الصفحات

"الغرام أضاع "الِسنارة!" قصة بقلم: أحمد نصر الدين أحمد حاج


الغرام أضاع "الِسنارة!"
  أحمد نصر الدين أحمد حاج
.. يَشْتَعِلُ رأسهُ شيباً.. أخاديد الأيام والسنين منقوشة على وجهه.. ما تزال عيناه تُشعان ببقيةٍ من بريق الشباب، ورغم سنه الطاعن ووجهه الهَرَمَ يظل الرجل ينبض بالحيوية والنشاط..
جلس العم صالح على شاطئ النيل.. وضع حقيبته الجلدية جانبه.. وضع "سنارته" عليها.. استخرج طُعماً... وضعه في إبرة السنارة.. ألقى به بعيداً في الماء.. ظلت دوائر الماء تتسع شيئاً فشيئاً إلى أن تلاشت.. راح يرقُب الماء، ويستنشق الهواء.. غمزت "السنارة" صَبِرَ عليها قليلاً ثم انتشلها بقوةٍ؛ فخرجت سمكة متوسطة الحجم.. استخرجها من "السنارة" ثم أدخلها في الحقيبة الجلدية العتيقة الملقاة بجواره.. استخرج "الراديو" الصغير.. أدار أزراره.. ظلت الموسيقىَ والأغاني تنبعث مِنه.. أغنية فيروز "أعطني النايَ وغني" ظل الرجل يردد الأغنية بصوته الأجش في تناقض وتباين مع صوت فيروز؛ ولكنه مستمتعٌ بذلك؛ مستأنساً لصوته الأجش؛ إلى أن وصل صوت فيروز بالأغنية إلى : (زاهداً فيما سيأتي ناسياً ما قد مضى).. ظلت هذه الجملة تتردد في أعماقه؛ وتحاور ذاته: ما أجمل هذا الإحساس.. فحين يظل القلب نابضاً بالحياة، ويظل الإنسان مستمتعاً بسمعه وبصره وصحته.. فلا يهم ما مضى.. فما مضى قد مضىَ وما هو آت سيخُطُهُ القدر ويرسمه بقلمه الحاذق الدقيق.. ظل الحوار مع ذاته قائماً في هدوء يمتزج بأمواج النيل الهادئة.. غمزت السنارة.. رفعها بقوة.. سمكةٌ أخرى.. شد الخيط بقوة إلى أن ارتفع عالياً فوق رأسه ثم هوى وراء ظهره.. ارتطمت السمكة المتأرجحة بشاب كان سائراً وراءه..
- بادره الرجل: آسف يا بني.. الشابُ ظل سائراً في صمت.. جلس على بُعد بضعة خُطوات منه.. ينظر شارداً إلى الماء في جمود.. أثار جمود الشاب القلق في صدر العم صالح اسمه، لكنه كتم تساؤلات فضوله في نفسه..
..نشرة الأخبارِ في "الراديو" تنبئ كالمعتاد عن اجتماعات.. مؤتمرات.. نكبة فلسطين.. حروب.. كوارث.. رياضة.
 
السنارة تغمز غمزات ضعيفة مترددةً.. لا يأبه لها الرجل.. انتفض الشاب واقفاً.. ظل يصرخ: آآآآآه.. التفت إليه العم صالح متعجباً فقال: يا ابني مالك؟!.. اهدأ.. (يووووه).. هكذا سيهرب السمك من هذه المنطقة هتف العم صالح.. رفع الشاب يده بغضب رافضاً كلام الرجل وقد أشاح بوجهه عنه!.. هتف العم صالح مستنكراً: يالا قلة الأدب
السنارة تغمز في ترددات ضعيفة.. نحيب وبكاء قد صدرا من الشاب.. وقف العم صالح.. مشى إلى أن وصل إلى الشاب.. رَبَّتَ على كتفه.. نظر الشاب إليه وعيناه تفيضان بالدمع..
-         ما الذي يؤلمك يا بني؟ جلس الرجل بجانبه.. اهدأ وصلى على النبيّ..
-   هدأ الشاب قليلا ثم قال: عليه الصلاة والسلام.. أخذ يبكي قائلاً: قتلتني يا عم الحاج.. خانتني.. ضاع كل الحب في لحظةٍ..
-         ابتسم العم صالح ابتسامة يشوبها الأسى قائلا له:
-         يا بني ليست الفتاة التي تحبها آخر فتاة في العالم.. ربما كانت شراً أزاحه الله عنك..
-         لا أستطيع العيش بدونها..
-   هذه تهيؤات يصورها لك الهَوىَ يا بُني.. اسمع مِنِّي.. لقد عشت عمراً مديداً في هذه الحياة قد تخلله العديد من التجارب.. تجاربي الشخصية وتجارب الآخرين…….
..ظل العم صالح يَقُصُ على الفتى حكايات وحكايات عن الحب والغدر والهجر إلى أن هدأت نفسه بعض الشىء.. وجد في كلمات الرجل بعضاً من السلوى لنفسه الملتاعة
لحظة صمت بين الرجلِ والفتى.. صوت (الراديو).. مباراة كرة القدم.. نظر العم صالح نحو "سنارته".. "السنارة" تتحرك.. السمكة تسحبها للماء سحباً سريعاً.. العم صالح يركض.. "السنارة" تغوص بسرعة.. ومن الراديو مذيع المباراة يصيح: - يراوغ مدافع والثاني والثالث.. ينفرد بحارس المرمىَ ياااااه يركلها قذيفة مدوية في الزاوية العليا على يسار حارس المرمى.. الهدف الرابع للمنتخب.. إنه هداف رااائع
.. السنارة تغوص في الماء.. أصوات الجماهير عاليةً فرِحةً بالهدف الرابع..
العم صالح لم يلحق "بالسنارة".. تعثرت قدماه في حجر.. سقط على الأرض.. الشاب يهرول نحوه.. يأخذ بيده.. يمسح بيده الأخرى بعضا مما تبقى من قطرات الدمع على وجنته
يقف العم صالح مبتسماً.. ينفض التراب الذي علِقَ بملابسه.. هتف قائلاً: سُحقاً للغرام الذي أضاع سنارتي
نظر الشاب مندهشاً ثم راح يضحك مقهقهاً.. ظل يتأسف للرجل
رد الرجل: لا عليك فلديّ سِنارةٌ أخرى بالحقيبة.. استخرج سنارة أخرى؛ زودها بطُعم.. ألقى بخيطها في الماء.. جلس الشاب عَلَىَ حجرٍ بجوارهِ.. الشمس تميل للغروب.. يردد الرجل:
-         "زاهداً فيما سيأتي ناسياً ما قد مضىَ…….
تداخلت الأنفس وامتزجت في هدوء الطبيعة.. أمواجَ الماءِ الصغيرة التي تحركها القوارب تتراقص مع تراقص فروع الأشجار على الشاطئ المقابل مع أنغام الموسيقى المنبعثة من (الراديو) الصغير.

الأديبة د.سناء الشّعلان في عيون بلغاريّة






الأديبة د.سناء الشّعلان في عيون بلغاريّة

كتب الأديب الأستاذ الدكتور محمد طرزان العيق عن لقاء الأديبة د.سناء الشعلان الأردنية ذات الأصول الفلسطينيّة بالأديبة البلغارية المستشرقة البلغاريّة الشّهيرة مايا تسينوفا:"تمتَّعنا بعرسٍ ثقافي فلسطيني احتفى به جمهور غفيرٌ من البلغارِ والعرب،والفضل يعودُ إلى أديبةٍ فلسطينيَّةٍ هي سناء شعلان،حيثُ كتبتْ فصولاً عن الحبِّ والحياةِ والذكرياتِ والأماني،وقد جَمَعتْها في مجموعة قصصيَّة تحتَ عنوان ''قافلة العطش'' لفتَ العنوانُ والمحتَوى نظرَ أديبِنا الفلسطيني المزدَوجِ ثقافةً [بلغارية وعربيّة ] خيري حمدان،وهو المتعطِّشُ أبداً للثقافة والفنون،فترجَمها وبسرعة قياسيَّة إلى لغة البلغار بأسلوبٍ أدبيٍّ شيِّق.وهنا جاء دور دكتورنا العزيز حيدر مصطفى رئيس جمعية خريجي بلغاريا والوفيُّ إلى وطنَيْه فلسطين وبلغاريا ،فقد قام بتسهيل طباعتها،وساهمَ هو والدكتورة سناء في تقديم وتوزيع المجموعة القصصية إلى محبٍّي الأدب والثقافة في بلغاريا!٠٠٠ لم تقصِّر بلغاريا حكومة وشعباً ومؤسسات على استضافة الكاتبة الدكتورة سناء والدكتور حيدر،وهنا حصل اللقاءُ العفويُّ بين قمتَيْنِ أدبيَّتين،وهما الدكتورة سناء شعلان والشاعرة الأديبة بلغارية المولدِ وفلسطينيّة الهوى مايا تسينوفا فكانتا وجهينِ لعملة واحدة وجسدينِ في روحٍ واحدة فأمتعْنَنَا خلال الأمسيات الأدبية بغاءٍ روحيٍّ رائع".
   وقد قالت مايا تسينوفا عن هذا اللقاء:"اسم سناء يعني في البلغارية الضيَّاء،أمَّا اسمُ عائلتها فيرتبطُ بتوهِّجِ الشُّعلة! فهل هذا محضُ صدفة؟!لا أعتقدُ ذلك،
ومنذ لحظةِ تعارفنا كانَ للشعلة حضورْ٠
قالتْ سناءُ بعد دقائق من تعارُفنا وتلاقينا: ''أنا وأنتِ لتقينا صدفةً ''، و''أنا، أيضاً بمحض الصدفةِ قد قبلتُ الاقتراحَ بأن نلتقي  في الجامعة''٠
والحقيقة لا يوجد هنا أيُّ مجالٍ للصُّدفة سواء أكانَ ذاك في اسمها أم في اللقاء!
والمنَاسَبَةُ هنا هي تقديمُ "قافلة العطش"،وهو أول نِتاجٍ لها مترجمٍ إلى اللغة البلغارية بواسطة الأديب خيري حمدان و طُبِعَ بدَعمٍ كريمٍ- ليس مادياً فقط - من قبلِ الدكتور حيدر ابراهيم مصطفى٠

أُستُضِيفَتْ سناءُ في الأمسية الأولى في جوٍّ حميمي  في مكتبة ''بيتِ الطيور'' وأمَّا الأمسية الثانيةُ فكانت في صالة ''فيفا كوم آرت هول'' وفي الأمسيتيْنِ كانت سناء المركز الطبيعي للحدَثْ،ليس فقط من حيث العنوان،وإنَّما أيضاً من حيث خلق الجو وجوهر الحديث!وفي الحالتين لم يكن الجمهورُ الحاضرُ سلبياً في تفاعله وكانت سناء بمثابة الحوار الحي!

و منذ الأمسية الأولى أبهرَتْني بسرعة بديهتها وذكائها الحاد وصراحتها الجريئة التي لا ترحم وكانت تنزع سلاح كلَّ تحذيرٍ أو توقِّعٍ محتمل تجاه ذاتها،أو تجاه جذورها وتجاه نواياها ومفاهيمها المستقبلية ،وفي حين كنتُ منهمكةً بتوجيهِ كلَّ طاقاتي ومجهودي كي أتابع جُملها الطويلة،كنتُ أغضبُ من نفسي وألومها لأنِّي لا أستطيع مواكبتها وأن أخزِّن بذاكرتي [بعد كلِّ هذا] كلماتها التي كانت تَمرُّ إلى جمهورِ الحَاضرينَ عَبْري٠وقبل أنْ أدخلَ بقليل إلى الأمسية الثانية التي نظَّمتها (المنظَّمة الدولية للهجرة) بدأتُ أتساءلُ ; هل ستكرِّرُ سناء بعضاً مما قالته البارحَةُ في أمسيتِها الأولى؟!لا لم تكرّر أو تعيد أيَّة كلمة،لقد كانت في الليلة الثانية مختلفةً تماماً سواءً بثوبها الفلسطيني،أو في كلماتها،وحتَّى في أسلوب حديثها!٠٠
وفي لحظة ما من بداية حديثها إحتضنتي فجاوَبْتُها بالمِثْلِ وهكذا بقينا متعانقتين طوال الأمسية٠وفيما بعد ذكرتْ لي إحدى صديقاتي ،معلِّقةً، كنتما تبدُوانِ اثنتيْنِ مُلتَحِمينِ في جسدٍ واحد وأفكارنا كانتْ واحِدة٠
    بدأت سناءُ حديثها قائلةً في الماضي البعيد ، كان العربيُّ ينتصب واقفاً على قدميْهِ في حالتين - عندما يذهبُ إلى الحرب أو عندما يُلقي شعراً،وها أنا أقفُ أمامكم ليس لأن هناكَ حربٌ ،وإنَّما لأقولَ لكم ،من خلالِ أدبي أنِّي أحبُّكم ٠٠٠ثم تابَعتْ قائلةً ; تلبسُ الفلسطينيَّة ثوبَها التقليديَّ المطرَّز الثمين في المناسبات الخاصَّة ; إمَّا من أجل العيدِ أو من أجلِ أنْ تعبِّرَ لشخصٍ ما عن حبِّها له،وهكذا فلقد ارتديتُ ثوبِيَ الفلسطيني التقليدي لأقولَ لكم بأنِّي أحبُّكم،ولكي أشكُرَكمْ لأنَّه قد جرتْ العادةُ أنْ يُستقبلُ الفلسطينيُّ في العالَمِ كمجرم ،أمَّا أنتم فقد استقبلتُموني بالمحبَّة،وهذه المحبَّة هي الطريقة الوحيدة التي سيحصلُ الفلسطينيُّ بواسطتها - يوماً ما -على حقوقه الطبيعية،ليس لأنَّه أفضل من الآخرين،وإنَما لأنّ من حقِّه الطبيعي أنْ يعيش بحُرِيَّة وبكرامة٠ 
لديَّ الكثيرُ من العيوبِ ولن أستطيع أن أتخلَّص منها ،لكنَّني أتمتَّعُ بميزةٍ جيِّدة ،ألا وهي الصراحة٠لديَّ الالاف من وصفات الحبِّ والعلاقات النَّاجِحة ولكن إلى يومنا هذه لم تفدني أو تساعدني أيُّ واحدةٍ منها!
إنَّ أبَ البشريَّة -أبانا آدم وأُمنَّا حواء اليوم غاضبان علينا لأنَّنا في أيامنا هذه نحنُ البشرُ الحاليُّون نقترِفُ الخطيئة الكبرى تجاهَ أنفُسِنا،إننا نستسيغ الحقد والضغينة٠
أكتبُ عن الحبِّ لأنَّه وسيلتي لكي أبصقَ في وجهِ الكراهية والحرب،ولكي أقول لكم بأنَّنا جميعاً نحتاجُ إلى الحبِّ،وبأنَّنا كلُنا مَدينونَ لهُ٠
لمْ يبقَ لدَيَّ شيء أضيفهُ سوى تلكَ الفكرةَ{اللفتة} الذكيَّةَ جداً من قبل مُنظمي الأُمسية في ''بيت الطيور'' حيثُ أنهم وضعوا على كلِّ كرسيٍّ من كراسي الجمهور وريقَاتٍ للحظِّ مكتوبٌ عليها عباراتٌ مختارة من كتابِ سناء وأيضاً لكي أتباهى بـ ''ورقة حظِّي'' التي أعجبتني كثيراً!،ولكي أُحَيِّي أيضاً زميلي وصديقي خيري حمدان على ترجمتِهِ المجموعة القصصية لسناء،وأني لأنتظرُ منها نسخَتي العربية كي أُشْرِكَ معي في ''حظِّيَ''الفريد أصدقائيَ العرب أيضاً.
  كما كتبت مايا تسينوفا تحت عنوان سناء الشعلان في صوفيا/ضياء الاشتعال في صوفيا:" وصلت بهدوء، ذلك أننا لم نكن نعرف من هي.
بدأت تلتهب، وكأنه بالصدفة، لكن اللهيب أصبح شيئاً فشيئاً غير خاضع للسيطرة.
كان يصعب التقاط حركة يدها وملامح وجهها وتحركاتها التي تنحت من الفراغات فضاءات. بل كان يصعب أن أجد نفسي بين كلماتها - فقد كان عليّ عند منعطفاتها الفجائية أن أتغلب على حيرتي و بكل بساطة أن أهدي ثقتي للكلمة الأولى،فأترقب بفضول إلى أين ستأخذني الثانية.
سناء جاءت وأحيت أمسيتين أدبيتين، لا يكاد الواحد يصدق في واقعيتهما لشدة صدقها اللامتناهي، وفي حضور جمهور لم يكن يعرفها في البداية لكنه في النهاية تفرق ملتفا وموحداً حول فكرها وروحها، بل وما كانوا يرغبون في الافتراق،كما أنها تلألأت في لقاءات عدة مع أصدقاء،ومساء اليوم غادرت،
لكن إن لم تغادر، كيف كنا سننتظر وصولها المرات القادمة؟
أهلا بك وسهلا، سناء الشعلان".
        وكتبت النّاقدة البلغارية عن مجموعة "قافلة العطش" تحت عنوان "وصية العطش العظمى لله:" يظهر بشفافية، يتنفّس في كلّ مكان وبكلّ شيء في حياتنا. نحوه نتوجّه بقافلة العطش االتي تسير وتسير في صحراء حياتنا اليومية، كي تزداد حبّات رملها، لكن وفي الوقت نفسه ينمو الأمل والقدرة على خلق واحات جديدة، حتّى وإن كانت وهمية.
   هذه الخارطة المعلنة مسبقًا، كأنّها ساعة رملية تسرّب عطش العشق والخطوات البشرية العاجزة وغير الجاهزة،عطش أسطوري صدئ وغرائبي يحرق عمق أفئدة البشر في الصحراء، يتمركز في حناجرهم، يوقف دفق الهواء المنقذ، يملأ أعينهم بعتمة صفراء مدمّرة. لكن لكلّ مثيل - مثيله.
   هذه العتمة لعطش الحبّ الهائج القلق يمكنه أن يطلق العنان لحبّ آخر، مع أنّها قد تقودنا غالبًا إلى المزيد من التعنت والظلم وتخثّر الدم في الشرايين. الحبّ وحده يمكنه أن يعتق الواحات العذراء، الكامنة في صحراء حياتنا، والتوصل إلى ما وراء المحسوس، أن تصبح عطشًا لله.
  عطشى قاسية وعقيمة هي رمال صحراء حياتنا، تبتلعنا كأنّها ثقوب سوداء، تبتلع كلّ آمالنا، طموحنا، مشاعرنا، كلماتنا وحيواتنا.بهذا تبتلع لحظات الفراق ما بين العشاق، ولا يبقى منها أيّ أثر، حتّى أنّهم لا يسألون كيف توصّلوا إلى لقاءات أترابهم. التراب الهادر والمداوي يمحو حتّى تنهداتهم. 
   كي تولد ثانية حالة التجلّي والتوقّع لاستسلام الحبّ الجميل، كي يرتوي المتعطش لرؤية وإحساس جديد وكي يكتشف في أعين الحبيب الواحات والبحيرات الحقيقية. وليبدأ الحبّ مجددًا بالتنفّس خارج الجسد، ومجددًا لحثّ قافلة العطش للمسير.
عبثية الحياة في الصحراء أوجدت قوانين وعادات قاسية، أحدها ضمان أن لا يتمنى متذوّق العشق معاناة آخر من حمّى الفراق، وقانون آخر يؤكّد أن الجسد فضاء شاسع يكفي لروحين عاشقتين.هناك تقليد أسطوريّ آخر، يتمثّل بالوأد في الرمال العطشى للعاشقات العذارى، كيلا يتمكنّ يومًا ما من الارتواء، يحذّر هذا التقليد من إمكانية تكرار الموت قدر ما تشاء، دون أن ترتوي في زمن وصية العطش العظمى.           
     لكن حين تفشل في تنفيذ قوانين الصحراء، لأنّك في الأثناء يمكنك انتظار الحبيب – إله الموت "هاديس"، وحده القادر على ملء المساحات بين الإنسان وروحه، لأنّه وحده قادر على سحب العاشق من جذوره. أن ينقذه من سجن جسده، على أن يقدّم له عطاء الرحمة والعفو الأخير، بالسماح له أن يأخذ معه العطش الأخير غير المنتهي وأن يتماهى معه في ساحات الأبدية.
في هذا العالم غير الواقعي تقريبًا، عالم الحكايا لأكثر حالات العطش عطشًا، القريب من حياتنا اليومية، تجذبنا الدكتورة سناء شعلان في كتابها "قافلة العطش"، والذي قُدّم قريبًا في العاصمة صوفيا.
    وفي ورقة نقديّة عن المجموعة القصصية"قافلة العطش" المترجمة إلى البلغاريّة قالت الإعلاميّة والشّاعرة والنّاقدة البلغاريّة "سيلفيا تشوليفا" قالت إنّ حديثي عن أدب الشّعلان لاسيما في مجموعتها القصصيّة "قافلة العطش" يجب أن يقودني إلى الحديث أوّلاً عنها،فهي عندما تقف أمام من يقابلها تقف بكرامة فائقة تشعّ بالحكمة،أوّل انطباع عنها كوّنته عندما استضفتها في برنامجي الإذاعي" خريستو بوتيف" في الرّاديو الوطنيّ  البلغاريّ حيث تحدّثت عن ملامح تجربتها الإنسانيّة والعمليّة وتأثيرهما في إبداعها وفكرها وتوجّهاتها،عندها قالت لي مهندسة الصّوت في البرنامج:" لأوّل مرّة أسمع هذا الصّوت اللين والحنون والصّلب في آن!".الآن وأنا أسمه صوت القطعة المعدنيّة الذّهبيّة المعلّقة على اللباس الفلسطيني التي تلبسه سناء الشّعلان،أسمع صوت خشخشات الذّهب كلّما تحرّكت،ويسحرني ثوبها الفلسطيني البديع،وأراها امرأة فلسطينيّة غارقة في شموخ ساحر،حتى وقفتها فيها اعتزاز مؤثّر وسحر أنثويّ نادر،هي مبدعة فلسطينيّة ساحرة.
   نعم سناء الشّعلان تملك سحراً،وقد بدأت الحديث عن هذا السّحر الذي يقودنا إلى الحديث عن الواقعيّة السّحريّة عندها؛لأنّ سناء الشعلان في قصصها تبدو مثل شهرزاد،وبمجرّد انتهائها من سرد قصّة ما أنت مضطر إلى الانتقال إلى القصّة الأخرى،للأسف مجموعتها القصصيّة "قافلة العطش" هي مجموعة صغيرة نسبيّاً،إلاّ أنّها تنجح نجاحاً كبيراً في تكثيف القصّة وسردها.
  سناء الشّعلان قالت لي مسبقاً في لقائي الإعلاميّ معها إنّها تنظر إلى الحياة عبر ثقوب القصّة.وهذا كلام صحيح انطلاقاً من قصصها التي تقدّمها بصدق جارح ومؤلم،إنّها تعرّي الواقع بكلّ جرأة،فمنذ القصّة الأولى في مجموعتها القصصيّة إلى آخر حرف في قصّتها الأخيرة كنتُ أشعر بالاهتزاز كامرأة.سناء الشّعلان في هذه المجموعة تروي قصص العطش في صحراء متوحّشة،وتصمّم على أن تروي أبطال قصصها جميعها.
  منذ القصّة الأولى تعطّرت الكاتبة إلى موضوع بالغ الأهميّة،وقدّمته بطريقتها الخاصّة عبر شعور أنثوي حسّاس تجاه العالم والأزمات والأفكار والمواقف،هي تفتح باب القلب،وتجمع بين تقاليد القصّة والحداثة.
  وفي مجموعتها القصصيّة هذه تسير سناء الشعلان على حافّة الواقعيّة السّحريّة وهي تخلق شخصيّات ملتقطة من الحياة اليوميّة حيث النّاس الهامشيون الذين تقدّم أزماتهم وحيواتهم وأحلامهم ومشكلاتهم وأفكارهم عبر ثنائيّة علاقة الرّجل والمرأة عبر خيط الحبّ،حيث تعرف أنّ الحبّ هو لعبة الحياة،وكلّ من يتورّط فيه يلعب لعبة الحياة في أجمل أشكالها؛ففي قصة "قطار الليل" المعلّمة تنقذ طالبتها من الحبّ لتقرّر في لحظة مداهمة أن تقع فيها بكلّ استسلام ورضا،:وفي قصّة"بئر الأرواح" الحبّ يتحدّة سلطة الموت وجبروت العدم،ويعطي الحياة مرّة أخرى للرّجل بقوّة عشق المرّأة له.
 القصص في هذه المجموعة القصصيّة تنادي بالحبّ بكلّ قوّة وجرأة،وتجمع بين الواقع وسحريّته دون أن تنحاز للمرأة،بل هي تنحاز للمرأة والرّجل عبر الانحياز إلى الحبّ الذي يجسّد المرأة والرّجل،بل إنّ الرّجل يأخذ أدواره الطّبيعيّة في لعبة الحياة لاسيما في قصّة"سداسيّة الحرمان" التي تبرز نفسيّة الرّجل من زوايا متعدّدة،فالرّجل حاضر في القصص جميعها حيث الظّمأ والحياة والموت والارتواء،لتجلّى أمامنا معاناة الإنسان المحروم من الحبّ،هذه المجموعة القصصيّة قادرة على تدمير أفكارنا التّقليديّة،لتهبنا بدلاً عنها أفكاراً متوحّشة تضعنا أمام حقيقة أنّنا عبيد لهذه الحياة التي تحرمنا من الحبّ  ومن الاستمتاع به،لننتصر في النّهاية بالحبّ والتّمرّد على الأفكار الانهزاميّة المغلوطة والمستلبة جميعها.
 لقد تأثّرتُ بشكل كبير بقصّة "نفس أمّارة بالعشق" حيث تقول الشعلان في بدايتها: "لي نفس أمّارة بالعشق،ولي قلب لايَبْرَم بضعفه الآسر، ولي ربٌّ وحدَه يغفر خطايا العاشقين،ويبدلهم بسيئاتهم حسنات، ويدخلهم جنات ونعيمًا،ولي سيرة هلاليّة يحفظها كلّ من ركب سَرْجَ قلبه، وشنّ حربًا دامية على كائن آخر اسمه حبيبه،وسيرتي يختزلها كلّ المؤرخين والمخلوعين في حرفي حاءٍ وباءٍ، وبين منحنيات حروفهما وانزلاقاتها تسكن كلّ اللّعنة،لعنة العشق التي توهب مجاناً لكلّ من يملك نفساً مثلَ نفسي".وتأخذ في سياحة عشقيّة نادرة عبر هذه القصّة،ثم تصدمنا عندما تنهي قصّتها بقولها:" لكنّني كنتُ أجزم بأنّ الله سيغفر لي، نعم سيغفر ؛لأنّني على الرّغم من كلّ قصص عشقي لم أعشق قطُّ،فأنا امرأة تملك كلّ الحكايا وعباءات الانتظار،لكنّها أبداً لا تملك حكاية لها مع حبيب غير ورقي، وهذا قدر الأنفس الأمّارة بالعشق والمولعة بكتابة الرّجال الذين لا يأتون حقيقة إلاّ على الورق، ولا شيءَ غيرَ الورقِ، فنفسي أمّارة بالكتابة أيضاً!!!"
  هذه القصّة تكتشف نفسيّة المبدعة بالدّرجة الأولى،كما تكتشف عوالمها الدّاخليّة،أنا أصمّم على أنّ أرى أنّ هذه القصّة بالتّحديد هي سيرة ذاتيّة للشّعلان متوارية خلف فنتازيا الواقعيّة  السّحريّة.
    أنا سعيدة بترجمة"قافلة العطش" إلى البلغاريّة،فهذه الترجمة النادرة سمحت لنا جميعاً أن نظلّ على مبدعة كبيرة ومتميّزة اسمها سناء الشعلان".
    وابتسامة الشّعلان التي استقبلت بها بلغاريا لفتت أنظارعدسات كاميرات التّصوير وجعلت الشّاعر والمصوّر البلغاريّ الشّهير فلاديسلاف خريستوف Vladislav Hristov"" يدخلها في معرض"ابتسامة الكتّاب" في بلغاريا بعد أن نالت صورتها باللباس الفلسطيني التقليدي اهتمام الحاضرين الذي رأوا فيها صورة للمرأة الفلسطينيّة الأديبة الجّذابة القادرة على الابتسام على الرّغم من المعاناة التي عاناها شعبها الفلسطينيّ.

سماد الصفحة البيضاء قصة قصيرة بقلم: عبد القادر صيد

سماد الصفحة البيضاء
بقلم : عبد القادر صيد

هيا انهمر ، لا تكترث ، فرحيقك ما زال مطلوبا ، لا تلتفت إليهم ، و لا تطلب رأيهم ، فرأيهم لا يسرك ، هم دائما يحبون أن يشتروك و يكرهونك هدية ، فالتواضع لا يخلب ألبابهم ، هيا انهمر دون إذنهم و سيحبونك أكثر ، لأنهم يخرجون من المعادلة من يضعهم فيها ، فلب لهم طلبهم ..ستسير على أرض من الجمر ..لا تكثرث هي خدعة تنطلي على اليقظان ، أما أنت فستكتشف أن ذلك الجمر ما هو إلا مصابيح تنير لك معالم طريقك ، و ستكتشف أن لسعاتها ما هي إلا وخزات تحفزك على الجري أكثر و أكثر ..اتخذ لك جناحا من الجمر و ستكون معبودهم ، ما زالوا يقدسون النار رغم تجلي النور أمام أبصارهم ..هيا انهمر فالأرض الشرهة لا ترتوي من شواظ الخصوبة أبدا ، لا تستمع إلى تحذيرات الأشباح فما هي إلا وساوس لم يتم الاعتراف بها في عالم الأوهام بعد ..استصلح أرض الأوهام ، و ستنبت لك رؤوس العصف التي ستخنق كبرياء الخريف القاتم ، و تترك بذورها لتغص حلق العقم .. ستنبهر بالهياكل العظمية الرميم ،لا بأس ليكن ذلك ،و لكن امض إلى أن تلتقي بالحور..ستنبهر بهن أيضا ، لا ضرر من ذلك ، و لكن امض ، و ستنبهر بأخيلتهن و ظلالهن ، كل ذلك كائن و سيكون ، و عندما تنبهر بصوت لم تسمعه أذناك ، و صورة لم ترها عيناك ، و رائحة لم يشمها أنفك ..هناك فقط تكون قد وصلت عالمك الذي تبحث عنه ..حيث تذرف جمرا يحرق أوراق التوت..و ستتجرد من كل ما هو ليس أنت ، ستستغني عن أثقالهم التي طالما أنقضت ظهرك ..ستحس بأنك كالصوف المغسول من التراب تتطاير خفة ونقاء لتكون وسادة لأميرة ما زالوا لم ينتهوا من ترصيع تاجها بعد.. في انتظار الانتهاء منه هيا انهمر و لا تتردد ، فميلاد التاج سيتصادف حتما مع ميلاد انبهارك بالعالم الخالي من الجمر و من النور ، إنه العالم الخالي من أي وصف يشتهيه بنو الإنسان ..و ستضع التاج بكلتا يديك على شعرها الناعم ، و ستزفها بكلتا يديك إلى حفل زواجها .. و لكن تمهل قليلا فلن تكون أنت العريس ، لأنك إن تزوجت بها فستحترق ..فلتتمن لها من كل قلبك السعادة مع أحد آكلي الجمر الذي سيحرق قلبها .. ستعيش عمرها كله و هي تدمع جمرا تصلك شراراته ، لتصنع منه سماد الصفحة البيضاء التي لا تُطوى أبدا حتى و إن طويت باقي الكتب المجاورة لها.

احتفالية يوم المثقف العراقي تنعقد هذا العام في محافظة ميسان




احتفالية يوم المثقف العراقي تنعقد هذا العام في محافظة ميسان
انعقدت احتفالية (يوم المثقف العراقي) هذا العام 2014 في محافظة ميسان مدينة العمارة وذلك يوم الجمعة 26 ديسمبر كانون أول 2014 بعد أن تأجلت عن موعدها الأصل. وقد التأمت الاحتفالية بحضور حشد من المثقفين العراقيين الذين قدموا من منابع عراقية متنوعة ومن محافظات الوطن والمهاجر كما أولئك الآتون من: الأردن والبصرة والنجف والموصل المستباحة بأمل الانعتاق من قوى الإرهاب ومن عاصمة المعارف والعلوم وبستان الحرية ودار السلام بغداد العاصمة العراقية البهية بأعلام ثقافتها.
افتتحت الاحتفالية بالنشيد الوطني ووقف الحضور دقيقة على أرواح شهداء
الوطن والثقافة العراقية. ثم عرض كل من:عريفة الحفل تبارك فوزي وعريف الحفل علي عزيز بتقديم مميز وديباجة تناولت أهمية هذا اليوم عند المثقفين العراقيين وكيف تم اختياره وتجسيده في توصيات (مؤتمر القمة الثقافي العراقي الأول) الذي انعقد عام 2011. وقد اقتطفا مقاطع بارزة وجميلة من مقالات منشورة لأدباء وكتّاب أشادوا بأهمية (يوم المثقف العراقي) بوصفه مناسبة بهية تسمو بتكريم مبدعي الثقافة ومنتجيها وتهتم بأدوارهم الكبيرة في مسيرة الحياة ببلادنا. ومن أبرز
الكتّاب الذين ورد ذكرهم وتم الاقتباس من كلماتهم:(الأستاذ المتمرس الدكتور عبد الواحد محمد\ الأستاذ الدكتور تيسير الآلوسي(هولندا)\الروائي أمجد توفيق(بغداد)\الكاتب توفيق التميمي (بغداد)\الكاتب سعد حيدر(ميسان) \ الكاتب إبراهيم زيدان (بغداد)\الكاتب ناظم السعود (كربلاء) \ الأديب محمد رشيد\ القاص محمد إسماعيل (بغداد) \ الكاتب رزاق إبراهيم حسن (بغداد) \ الأستاذ الدكتور قاسم حسين صالح (أربيل) \ الدكتور باسم الياسري (الدوحة).
وقد تم إلقاء الكلمة الرسمية باسم وزارة الثقافة من قبل مدير عام دائرة السينما والمسرح الشاعر الدكتور نوفل أبو رغيف. وأشادت تلك الكلمة الرسمية بهذا اليوم وأكدت واجب الوزارة وحرصها على التضامن مع منجز الثقافة العراقية وتوصيات مؤتمراتها التي انطلقت مع  مؤتمر القمة الثقافي العراقي خصوصا البند التاسع الذي اعتبر يوم 25 تشرين الثاني نوفمبر من كل عام يوما للمثقف والثقافة العراقية وتمت الإشادة بجهود الاديب محمد رشيد الذي واجه تحديات كبيرة مع فريقه لتحقيق هذه الاحتفالية التي تحتفي بالمثقف العراقي. وألقى الشاعر أبو رغيف قصيدة جميلة تترنم بالعراق .
أما الكلمة التالية ففي مساهمة ملموسة وكبيرة وحضور مهم مميز لشخصيات عامة لها مكانها ومكانتها في تبني الفكر التنويري والانتماء للتيار الديموقراطي بما يحمله من رايات للحرية والسلم الأهلي والتقدم جاءت كلمة المثقفين العراقيين التي ألقاها الأستاذ عبد المنعم الأعسم لتمثل عطر الاحتفالية وروحها الخلاق. وفيها أشاد الأستاذ الأعسم بدور المثقف العراقي في مسيرة التنوير والتنمية وفي بناء عراق جديد يمضي بطريق البناء ويساهم في تحقيق الأمن والسلم الأمر الذي يدعونا لاهتمام جدي بمناسبات تعلو بمنجزه وتكرمه لتفتح مسيرة جديدة له مشيرا إلى أهمية العمل على جعل هذا الاحتفال بـ(يوم المثقف العراقي) تقليدا سنويا والعمل بشكل جدي على تنفيذ توصيات ومقررات(مؤتمر القمة الثقافي العراقي)الذي انعقد في ميسان عام 2011 والعمل بشكل جاد على انعقاد دوراته الجديدة التالية .
ثم تابع الحضور مشاهدة عرض تقرير عن (مؤسسة العنقاء الذهبية الدولية) ومهرجانها الجوال متضمنا مفردات افتتاح دورته الثانية في القاهرة التي تفاعل معها الجمهور بتنوعات وجوده في القاعة حيث منهم الطبيب والأستاذ الجامعي والمدرس والفنان والصيدلاني وفيهم الشيب والشبيبة والنساء المتميزات والرجال من أعضاء مجلس محافظة ميسان إلى جانب الأدباء والكتاب وغيرهم من جمهور الثقافة التنويرية.
تُليت بعد ذلك كلمة البروفيسور تيسير عبدالجبار الآلوسي باسم جامعة ابن رشد في هولندا وجاء فيها:
"السيدات الفاضلات والسادة الأفاضل
أمسيتكم خير وبركة وقناديل مضاءة لثقافتنا التنويرية
أيها الأحبة كافة
منذ فجر ولادة دولة المدينة الأولى وحضارتها المدنية في سومر المجد وجذور وجودنا الإنساني، تمسَّكَ العراقي بمنطق العقل العلمي وبمنجزه الفكري الثقاقي وفلسفته التنويرية. وعلى مرّ التاريخ عانى المثقف العراقي من أجل تقديم منجزه وتعرض لضغوط متنوعة مختلفة. ولكنه واصل دائماً العطاء بسخاء على  الرغم من شظف العيش.
وإذا كان هذا ما خصَّ المنجز النخبوي ثقافياً معرفياً، فإنّ الوجه الآخر للثقافة هو كونها تعبيراً عن قيم سلوكية وممارسات للعامة من أبناء الشعب ما يعني أنّ الثقافة ليست منتجاً يولد في قمقم محجور بل هي وجود بفضاء يمتد بامتداد الوجود الجمعي للإنسان.. ومن هنا كانت ثقافات الأمم والشعوب وثقافة العراقيين شعباً متعدد الأطياف غني التنوع طبع منجزه بتلك التعدديو.
لقد احتفى العراقيون طوال مسيرتهم التاريخية التي تمتد إلى عمق التاريخ بالثقافة والمثقف وطالما كانوا يمنحونه مكانة اجتماعية مميزة ويسقطون عليه الألقاب التي تميزه بتميز منجزه تكريماً وتشريفاً واحتراماً وتقديم مزيد تقدير واعتبار...
ربما كان في يومنا ولظروف معقدة شيء من التراجع في الأولويات؛ لكن مجتمعنا يصر على السير بمهمة تقدير المثقف ومنجزه كونه راية من الرايات المجتمعية وكونه تمسكٌ بالقيم السامية النبيلة وإعلاء لمنطق الحكمة.

إنّ الغاية من اعتماد هذا اليوم الاحتفالي لا تكمن في تكريم المثقف النخبوي لوحده بل بتكريم تمسك المجتمع بالثقافة وبمعانيها في أنها أداة أنسنة وجودنا والارتقاء به وجعل ممارساتنا وسلوكياتنا في أبهى غنى قيمي نتطلع إليه درءاً لكل الآثار المرضية التي تحاول اختراق وجودنا..
إنّ جامعة ابن رشد وهي تتصدى لمهامها العلمية الأكاديمية ترى أن تلك المهام لا تنحصر بحدود التعليمي الرياضي البحت بل تؤمن وتعتقد بالقيمي الروحي ، بالثقافي بكل غناه وتنوعات خطابه ما يدفعها للربط بين منجزها وأدائها العلمي الأكاديمي وبين منجزها وأدائها في إطار الخطاب الثقافي ولعل مساهمتها المتواضعة بهذي الاحتفالية ليست إلا مفردة من تلك المفردات..
فتحية إليكم من أبناء جاليتنا في المهجر ومن مقر الجامعة في هولندا إلى حيث وجود جذورنا والتربة التي نمت وتنمو فيها ثقافتنا الإنسانية المتفتحة وحيث أنتم أيها الأحبة تحتفون بيوم المثقف إنسانا ومبدعا منتجا ولتكن احتفاليتكم فرصة مميزة للقاء مهم يكون بقعة ضوء تنثر رياحين المحبة والإخاء والتسامح وتحرك ما تلكأ متطلعين لاحتفاليات كرنفالية كبرى في قادم الظروف والأعوام
وتحايا وتقدير واعتبار لكل من دعم تنظيم الاحتفالية
والسلام"
فيما كان الأديب السيد محمد رشيد قد ألقى كلمة  اللجنة التحضيرية لاحتفالية يوم المثقف العراقي التي أشاد في مقدمتها بجهد جامعة ابن رشد في هولندا ودورها بتحقيق الاحتفالية وقبلها مؤتمر القمة الثقافي ولجهات ثقافية مهمة عملت بصمت وقدمت هذا المنجز وشكر أيضا للمؤسسات والجمعيات الداعمة دورَها الطيب في هذه الاحتفالية وهي كل من: مؤسسة سومر للعلوم والفنون والآداب ومعهد الكوردي للدراسات والبحوث في هولندا و البرلمان الثقافي العراقي في المهجر وجمعية البيت العراقي لاهاي و رابطة الكتاب والفنانين الديمقراطيين في هولندا إلى جانب دور مخصوص لحضور دائرة السينما والمسرح ومؤسسة المراة و تجمع أفكار وعدد من المؤسسات الأخرى...
وفي إطار كلمته شاد السيد رشيد بأعلام باتت أنجم مسيرة الخطاب الثقافي العراقي كما تلك الشخصيات الثقافية البارزة والحاضرة دوما بمنجزها. ومنهم خالد الذكر عبد الجبار وهبي (أبو سعيد) الصحفي اللامع في جريدة اتحاد الشعب الذي قتل تحت التعذيب عام 1963 وخالد الذكر الروائي الصحفي الساخر شمران الياسري (أبو كاطع) الذي توفي في المنفى عام 1981 وخالد الذكر صالح اليوسفي صاحب امتياز جريدة التآخي الذي قتل بطرد مفخخ أُرسل له عام 1981 و دارا توفيق رئيس تحرير جريدة التاخي الذي اختفى قسريا عام 1981 والعالم البروفيسور عبد الجبار عبد الله الذي توفي عام 1969 والفنانة الكبيرة وجوهرة المسرح العربي وعميدة مسرحنا الراحلة زينب والفنانة آزدوهي صموئيل قديسة المسرح العربي والفنان القدير فارس المسرح العربي يوسف العاني الذي لم يستطع الحضور اليوم بسبب مرضه والقاص محمد خضير في عزلته المقدسة والشاعر مظفر النواب وحبه لمكانه الاثيري في مقهى الهافانا في دمشق.. إننا نستحضر كل هؤلاء لنقول كلمة لرموز ثقافتنا إنكم الأنجم الباقية تأثيرا وعطاءً...واختتم قائلا: معا نحلق في فضاء الثقافة وحقوق الطفل وقيم التسامح لنغير خارطة العالم نرسم سيناريو جديد لعراق بلا حروب ...بلا ثكالى ..بلا يتامى ....احلم بسماء بلا أباتشي ..بلا فانتوم...ولكن بفراشات تمطر علينا الوان أجنحتها.
ثم أُلْقيت كلمة النائب في البرلمان العراقي السيد رافع عبد الجبار نوشي الذي أشاد باهمية هذا اليوم ومكانه الذي سيجسده مع الأعوام بخاصة كونه انعكاس للاهتمام بالثقافة والأدب.بعدها عاش المحتفلون لحظات مع موسيقى بعزف منفرد على آلة العود مقطوعة للفنان (أبا ذر)..
وكان البرلمان الثقافي العراقي في المهجر قد أرسل كلمته وهذا نصها: "الصديقات العزيزات والأصدقاء الأعزاء الأفاضل من مبدعي الثقافة العراقية   تحية طيبة وبعد
شهدت الثقافة الوطنية العراقية انتعاشاً مميزاً مذ ولادة الدولة العراقية المعاصرة. وقد اعتمدت في الأداء والإنجاز على عمقها التاريخي كون شعوب ما بين النهرين كانت مذ فجر دولة المدينة في التاريخ الإنساني هي صاحبة المبادرة والتأسيس لتراث البشرية الحضاري وبالاستناد إلى منجز إبداعي ومنطق العقل العلمي الذي انتقل من جيل إلى جيل.. كما انطبعت الثقافة العراقية بغناها وثرائها من طابع التعددية في تركيبة المجتمع العراقي وتنوع الأطياف فيه.
لقد كانت ومازالت الثقافة العراقية حية بفضل عناصرها المبدعة وبفضل تمسك جمهورها الواسع ممثلا بالشعب العراقي بتكريم العقل ومنجزه وبفلسفة التنوير والفكر العلمي. ومن هنا فإننا إذ نفخر بخطابنا الثقافي وطابعه الوطني وجوهره الإنساني لَنُؤكدُ على تمسكنا بقيمه السامية النبيلة وعلى واجباتنا في إنعاش دوره المهم الكبير في الانتصار لعراق ينعتق من ثقافة العنف والجريمة مما يريد مجرمو الطائفية والإرهاب والفساد نشره لتمزيقنا..
إن عراق الخير والحضارة ظل منتصراً دوما على لحظات التلكؤ والانكسار الذي خدش تاريخه بوساطة قوى العنف والعسكرتارية، وطبعاً سبب استعادته مسيرة الانتصار كانت قوى الثقافة وخطابها. واليوم نحن متأكدون بتجربة آلاف السنين من المصاعب ومن مسيرة العطاء بأننا بخطاب الثقافة الوطني سننتصر للعراقي وكل حقوقه...
أيتها السيدات ، أيها السادة إن ثقافة التنوير التي نتحدث عنها هي ثقافة حرة أبية ترتقي بالإنسان على أساس المساواة والعدل والإخاء وعلى أساس رفض التمييز بين المرأة والرجل ورفض أشكال العنف بخاصة هنا ثقافة العنف الأسري وما يُوجّه ضد الطفل والمرأة وهي ثقافة سلبية جاءت مع قوى الظلام ومع جرائمهم وفلسفة العنف وسطوته السلبية...
من هنا نتطلع في البرلمان الثقافي العراقي لتعزيز ثقافة العمل ضد ثقافة التبطل والعطالة وثقافة الإنتاج إيجابا ضد ثقافة الكسل والاتكال والسلبية وثقافة التنوير ضد ثقافة الظلام وثقافة السلام والتسامح ضد ثقافة العنف بأشكاله والجريمة بأدواتها ثقافة المحبة والتآخي ووحدة وجودنا وطنيا إنسانيا ضد ثقافة التناحر والاقتتال والاحتراب...

إننا نريد بيوم المثقف العراقي تجاوز كل ما عانى منه في زمن الطغيان والدكتاتورية من استلاب ومصادرة ولنعيد له فرص العمل والعطاء بأروع الفرص والمنافذ وأبهاها

نحييكم ونشد على أياديكم جميعا في هذي الاحتفالية التي نطلقها اليوم بأجواء معقدة لكننا نثق بآمالنا المتفتحة أزاهير يانعة في عالم السلم والحريمة وبدولتنا المدنية الديموقراطية وعمقها الفديرالي      والسلام".

أما الفقرة الرئيسة التي كانت مسك الختام فقد تمثلت في الفقرة التكريمية. حيث جرى توزيع الجوائز (قلادة المثقف) و(الجوائز التقديرية) على المثقفين العراقيين. وقد جرى اختيار نخبة بارزة ومهمة منهم كي تطرز فضاء يوم المثقف العراقي للعام 2014 بفضل منجز إبداعي ثقافي كبير. أما قائمة المكرّمين فهم:
الفنان يوسف العاني \ القاضي زهير كاظم عبود /الفنانة سناء عبد الرحمن\الأديب محمود جاسم عثمان\ الفنانة فوزية حسن\الفنانة سوسن شكري\الدكتور زامل شياع(مدرب دولي تنمية  بشرية) \ الإعلامي الدكتور مجيد السامرائي\الشاعر نوفل ابو رغيف\ المخرج جلال كامل\الفنان التشكيلي كاظم جبر العبودي\الفنان المسرحي أبو الحسن صلاح مهدي\ الملحن كاظم فندي\ الفنان التشكيلي عبد الباقي رمضان\ الفنان عبد الجبار الشرقاوي\ الكاتب ناظم السعود\ الأستاذ المتمرس المترجم الدكتور عبد الواحد محمد\ الفنانة آزادوهي صموئيل\ والاستاذ سعدي وهيب صيهود لدوره الانساني .وانتهت الاحتفالية بتكريم الاديب محمد رشيد من قبل وزارة الثقافة .دائرة السينما والمسرح. وسلم الشاعر د.نوفل ابو رغيف مدير عام دائرة السينما والمسرح الجائزة لجهوده المتميزة في الثقافة وارساء هذا اليوم (يوم المثقف العراقي ) . وراح ينشد الجميع من في القاعة نشيد موطني لتنتهي هذه الاحتفالية بحب العراق والعمل على رفع اسمه شامخا.

من جهة أخرى حضر الاحتفالية عدد من الفضائيات منها: العراقية 2\ العراقية\ الغدير\ السلام \ المسار 1\ الشرقية \ ميسان فيما حضرت صحف عراقية كبيرة ومهمة منها:  طريق الشعب \ الزمان \ ميسان الثقافية وحضر أيضا عدد من الإعلاميين والاذاعيين والصحفيين بشخوصهم.
 ووصلت برقيات للتهنئة بهذا اليوم واهميته من قبل الشبكة العراقية لثقافة الحق والتنمية وبرلمان الطفل العراقي وكذلك شخصيات منهم المفكر العراقي الدكتور عبد الحسين شعبان/ رئيس برلمان الطفل العراقي رشيد محمد رشيد /الفنان جميل جبار نقيب فناني ميسان السابق/ المشرف الاختصاصي رحيم حمد/والدكتور اياد البرغوثي رئيس الشبكة العربية للتسامح /النائب في البرلمان العراقي ناظم كاطع رسن /الاستاذ سعدون العكيلي عضو مجلس محافظة ميسان /وغيرهم .