الصفحات

2011/02/14

فلتكن الأيام القادمة بردا وسلاما عليك يا مصر

فلتكن الأيام القادمة بردا وسلاما عليك يا مصر
بقلم: السيد نجم
(الحل الوحيد لإنفاذ إرادة الجماهير هو: تنحية الرئيس مبارك.. حل المجالس النيابية المزورة.. تكليف مجلس دستوري يتولى إدارة البلاد.. سيادة القانون وضمان استقلال القضاء.. حماية حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية بدستور جديد تضعه جمعية تأسيسية)

تلك هي المحاور التي تمخضت معها ثورة شباب طازج وصادق, يوم أن تقدم جموع الناس البسطاء والمثقفين معا فى 25يناير2011م.
عندما التف الشباب حول فكرة تبدو بسيطة ومعقدة، أن يتحول (الشات) على شبكة الانترنت، إلى عمل ينتقل من العالم الافتراضي إلى العالم الواقعي، لم يتخيل أحدهم ولا غيرهم من المتابعين السياسيين المحترفين (ولا كاتب تلك السطور) أن تصل إلى ما وصلت إليه من انجاز تاريخي، شهد له الأعداء قبل الأصدقاء.. وأصبحت المظاهرة ثورة بكل ما تحمله تلك الكلمة من معنى.

وكيف لا توصف بالثورة؟!
لم يصرخ الشباب بمطالب خاصة، ولا حتى تلك المتعلقة ببطالة الشباب التي بلغت أكثر من 13%.. واجه الشباب العنت والإهمال، ثم العنف إلى حد القتل وقد استشهد300 منهم، غير 5000مصاب (حسب إحصاء وزير الصحة المصري).. سرعان ما انتفض الشعب، وتحركت الجموع، ليس فى القاهرة وحدها، بل وصلت إلى "الوادي الجديد" (وهو لمن لا يعرف الحدود الصحراوية الغربية لمصر)!.. وبذلك شهدت مصر ثورة عارمة وقودها ثلاثين سنة من حكم بوليسي تهيمن عليه قيم الولاء للحكم والحاكم قبل الانتماء لمصر، وما يستتبع من ولاءات وإجراءات.

فقال الشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي (بالعامية المصرية):
"خدوده عرفوا جمال النوم على الإسفلت
والموت عارفهم أوي وهما عارفينه
لا الظلم هَين يا ناس ولا الشباب قاصر
مهما حاصرتوا الميدان عمروا ما يتحاصر
فكرتني يا الميدان بزمان وسحر زمان
فكرتني بأغلى أيام في زمن ناصر"

وعندما أُعلن عن اختيار اللواء عمر سليمان نائبا لرئيس الجمهورية زأرت الحناجر فجأة ودفعة واحدة في ميدان التحرير بهتاف واحد زلزل الأرض وهز الفضاء "لا مبارك ولا سليمان" بالرغم من تمتع اللواء سليمان بسمعة طيبة في الشارع المصري. وبمرور الوقت ومن خلال تصريحات "عمر سليمان": "لن نقدم أكثر مما قدمه الرئيس" و"لا يمكن تحمل استمرار الاحتجاجات في ميدان التحرير لوقت طويل" و"لا يمكن تغيير النظام أو خروج الرئيس". وتذكر المتظاهرون محاولة فضها عن طريق القوة وبإطلاق النار، وهو ما فعلته عصابة النظام البلطجي ضد الثائرين العزل في ميدان التحرير.. فما كان من منظمو الاحتجاجات أن يشكلوا "مجلسا للأمناء للدفاع عن الثورة".
وكانت مظاهرة مليونية جديدة، وقدرها البعض بأكثر من ثلاثة ملايين على كل أرض مصر، وتحركت مقدمة مظاهرة كبرى فى 11-2-2011 إلى القصر الجمهوري، حتى ما أن دقت الساعة السادسة مساء، أعلن النائب "عمر سليمان" (بتنازل) مبارك وتسليم السلطة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة..
وعمت فرحة عارمة فوق كل ربوع البلاد: فرحة كبيرة بتنحي مبارك، وأن المجلس العسكري "ليس بديلا للشرعية".
بينما أكد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر، في بيانه الرابع، التزامه بكافة ما ورد في البيانات السابقة. وطلب المجلس من الحكومة الحالية تسيير الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة.
وقال احد قادة الشباب، أنه سيدعو إلى تظاهرات كبرى للاحتفال بنجاح الثورة يوم الجمعة التالي.

فيما تواردت الأنباء عن قرار النائب العام التحفظ على أموال وزير الداخلية "حبيب العادلى" وأفراد أسرته ومنع التصرف فيها.. وكذلك رجل الأعمال وأمين الحزب الوطني "أحمد عز" ورئيس الوزراء السابق "أحمد نظيف".. وغيرهم، حتى بلغ عددهم 43شخصية سياسية سابقة.

واحتفل المصريون باليوم الأول لرحيل مبارك بالهتافات والأغاني والرقص في الشوارع.
فعلى الكوبري المؤدي إلى ميدان التحرير وسط القاهرة تجمع حشد من الشباب رافعين الأعلام المصرية واستوقفوا السيارات لتحية ركابها وتهنئتهم.. أشعل المحتجون الشموع استذكارا لمن قتلوا في التظاهرات..
وفى الصباح الكل يردد فى تحية الصباح الجديد: "يا صباح الحرية".

ويرسل الجيش رسالة تطمين للمصريين وللخارج بأنه لا يعتزم الاستمرار في الإمساك بالحكم وإنما ينوي نقله إلى سلطة مدنية... يؤكد كذلك التزامه بالديمقراطية التي كانت مطلبا رئيسيا للثورة التي أسقطت مبارك بعد 18 يوما من الاحتجاجات... وأن "مصر ستبقى ملتزمة بكل المعاهدات الإقليمية والدولية".

ويتطلع المصريون للمستقبل بعد رحيل مبارك.. تستمر احتفالات المصريين في ميدان التحرير بقلب القاهرة لليوم الثاني منذ تنحي "حسني مبارك" بعد ثلاثين عاما. وبدأ الجيش منذ الصباح الباكر بتحريك دباباته وفتح الطرقات المؤدية إلى ميدان التحرير، الذي كان مركز الثورة، بينما عمل الثوار على إزالة المخلفات والأحجار والأتربة وكل العوائق، وتنظيف المكان.. بعد أن فككت كذلك الحواجز المحيطة بمداخل الميدان واسطة أفراد القوات المسلحة.

وفي اليوم الثالث عشر للاحتجاجات المطالبة بإسقاط مبارك عقد شاب وفتاة قرانهما بوسط ميدان التحرير وسط متابعة ألوف المصريين الذين احتشدوا هناك. وكان العروسان يرتديان ملابس الزفاف التقليدية وجابا الميدان بعد إتمام مراسم القران وسط تصفيق ومباركة وتهنئة المتظاهرين.

بينما ما زالت اللافتات فى ذاكرة الجميع، وقد كتب عليها ما لا يمكن أن ينسى، ليس فقط لكل ما تحمله من معنى الرفض والإصرار على استمرار الثورة، بل بكل ما تحمله من روح فكهة ومرحة هي روح الإنسان المصري بكل تاريخه وتطلعه:

شابا تبدو عليه مظاهر الإرهاق من المبيت منذ عدة أيام في الميدان.. يحمل لافتة تقول: "ارحل بقى عشان استحمي".. وآخر يحمل لافته كتب عليها "ارحل ايدى وجعتنى) وثالث كتب: ارحل، مراتى وحشتني، متزوج من 20 يوم بس".. ورابع وخامس! حتى جاء من كتب: "ارحل بقى عشان احلق".

أما ذلك الرجل الذي حمل طفله فوق كتفيه (المستقبل فوق كتفيه)، حمل لافتة كتب عليها: "ارحل كتفي وجعني!!".

وهذا الشاب شاء أن يضيف نكتة جديدة، بأن حمل لافته رسم فيها شهادة طالب راسب فى كل المواد، تحمل اسم "حسنى مبارك" ومكتوب عليها: "راسب وليس للمذكور إعادة".

كما شاهد شابا يحمل صورة لمبارك في ملابس لاعب كرة القدم ويشهر حكم المباراة البطاقة الحمراء في وجهه وذلك في إشارة إلى مطالبته بالرحيل.

بعد كل ما شهدته مصر طوال ال18يوما الماضية، من الآم ودموع وأفراح، نشهد أن هناك أفقا ليس بعيدا طالته أطراف أصابعنا.. لكننا مازلنا نلهث، تزوغ أبصارنا حينا.. وندعو الله فى كل حين أن تمضى الثوانى والشهور القادمة بردا وسلاما عليك يا مصر!
******************

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق