عندما لا تموءالقطط
أحمد طوسون
هوت انفجارات متتالية فتراكمت سحب كثيفة من الدخان وتصاعدت ألسنة لهب ، تشتت المتظاهرون في أروقة البيوت المتهدمة يحملون جثث الشهداء وبقيت قطة صغيرة فزعة وحائرة ووحيدة بين أطلال الجحيم .
منذ أيام تهدم البيت الذى تسكنه ولم يعد صاحبها ولم تصادف قطة من بني جنسها تؤنس وحدتها ولم تجد طعاما يشبع جوعها .
تلمست بمخالبها الأرض ، بعيدا عن الدماء الساخنة والجمرات التى تتساقط من البيوت وتشممت المكان بحثا عن شىء يصلح كطعام .
سعلت من بقايا دخان ثم وقفت حائرة .
أرهفت سمعها فسمعت خربشة واهية ، تطلعت إلى صندوق قمامة مغلق ولهثت ، قالت :
- ربما أجد طعاما وسط المخلفات
أو فأرا يبحث مثلى عن طعام .
اقتربت حذرة .
رفعت غطاء الصندوق وتعلقت بحوافه ، بحلقت بعينيها البرقيتين إلى القاع المظلم فرأت عينين تلتمعان .
فرحت ، قالت :
- لابد أن كائنا حيا مازال هناك .
على الأقل لن أكون وحيدة .
قفزت إلى القاع و أثارت جلبة تردد صداها بالمكان .
تلمست الكائن المنزوى هناك وتشممت رائحته بينما سمعت مواءا متقطعا وعميقا .
نسيت جوعها ووحدتها وحيرتها وسألته :
- لِم تبكى أيها العجوز ؟؟
فتح عينيه فلمعتا فى الظلام .
- ظننت أنه لم يبق غيرى فى هذه المدينة !
ربتت على ظهره ، تلمست دمامل وجروحا قديمة ، وخزه ألم لكنه كان سعيدا بمؤانستها له .
قالت :
- أنا جائعة
قال:
- ألا يوجد طعام فى الشوارع ؟!!
قالت :
- لا يوجد إلا جثث الشهداء ..
تذكر أنه لم يذق طعاما منذ أيام نسى عددها ، فعوى .
تذكرت بيتها الذى تهدم وصاحبها الذى خرج إلى مدرسته ولم يعد ، قالت :
- أنا وحيدة ..
تذكر العجوز التى كانت تحنو عليه حين قتلها المحتلون ، رائحة شواء صغاره داخل البيت ، الشظايا التى أصابته والجحيم الذى فر منه ..
- أتخذينى أبا .
سمعا أصواتا بعيدة تقترب .
عرف إنها بشائر انتفاضة جديدة ، مظاهرات وحجارة وأزيز هليكوبتر تحلق فى السماء ومدرعات تزوم من بعيد .
قالت :
- أنا خائفة .
ضمها إلى صدره وقال :
- يمكنك الاختباء فيه
دخان كثيف كاد يخنقهما .
هرولة ، صوت حجارة ودوى مدافع وصفير طلقات فى الهواء ..
ثورة واشتعال ثم سكون .
بعدها عاد الصمت المطبق وعادت الشوارع إلى وحشتها .
فتح عينيه بعد أن أغمضهما فوجد نورا يشق ظلام القاع وظلالا لشمس بعيدة فى الأفق .
اشتاق إلى الشوارع المضيئة والأنوار الساطعة وبستان أخضر وابتسامة عجوز أو فتاة وكف طفل يداعب ظهره بأنامله .
ربت عليها بين أحضانه وقال :
ـ يبدو أنه الصباح ..
لم ترد عليه أحس بها كومة باردة فى أحشائه .
بحث عن مصدر الضوء ، لمح ثقبا صغيرا يسمح بمرور رصاصة وحيدة إلى داخل الصندوق وأحس سرسوبا من الدم يسرى تحته .
أصابته رعشة وأحس غصة فى حلقه ورغبة فى قيىء جارف ..
زام وعوى وخرج منه مواء طويل حاد ما زال يتردد فى المدينة .
عندما لا تموء القطط , عندما لا تزأر الاسود واضح نك من الذين يعانون من السكات ولم يبقى الا عدد قيلل ويتم اسكات واخراس الحيوانات .. على اية حال لاعزاء لنا الا ان كلماتك رائعه ترسم الحياة من خلال السكات
ردحذفعماد عبد الحكيم