الصفحات

2008/10/10

صحافة المواطنين إلى أين؟


صحافة المواطنين إلى أين؟


أحمد طوسون- عضو اتحاد كتاب مصر


حملت ثورة المعلوماتية مع الألفية الجديدة أشكالا للتعبير لم تكن موجودة من قبل لعل أهمها- مع التطور المهول لأجهزة الموبايل والحاسبات وتزايد ما يعرف بأفلام الهواتف المحمولة- ما بات يعرف بصحافة المواطنين،والتي ببساطة استطاعت رغم عمرها القصير مقارنة بالصحافة والإعلام التقليدي أن تصبح جزءا أساسيا وفاعلا ضمن منظومة الإعلام، وكسرت احتكار وتمركز وسائل الإعلام في يد حفنة شركات ضخمة أو في يد نظام حكم قمعي يوجه الإعلام حسب هواه ومصالحه، وأربكت المنظومة الإعلامية التقليدية.
تبدل دور المواطن من مشارك سلبي في العملية الإعلامية إلى مشارك إيجابي يحرر الخبر ويبثه عبر المواقع الإلكترونية مدعما بالصور وأفلام الفيديو، بل تعدى ذلك الأمر ليصبح مصدرا لوسائل الإعلام التقليدية كما حدث في واقعة تفجيرات أنفاق لندن، وهو ما دفع دان غيلمور رائد صحافة المواطنين إلى القول: ( في عالم تسوده كله أدوات الوسائل الإعلامية وهو ما يكاد يكون عليه وضعنا الآن، سوف يكون هناك في كل مرة شاهد عيان في موقع الحدث).
لكن مقولة غيلمور مع صحتها ليست بالحقيقة السهلة كما تبدو عليها الكلمات، فالمسألة تتباين بين المجتمعات حسب مساحات الحرية والقمع.وسيظل هناك هامش يتفاوت بين الدول حسب القوانين المنظمة التي تحد من البث الإعلامي بفرض عقوبات سالبة للحرية، ولعل أخطرها ما تم تسريبه في الصحافة المصرية عن مشروع قانون الجهاز القومي لتنظيم البث المسموع والمرئي،والذي يرى فيه الكثيرون خطرا شديدا يهدد مساحات الحرية الإعلامية بشقيها التقليدي والإلكتروني، أو التدخل الأمني العنيف ضد المدونين كما حدث في واقعة اعتقال المدونة إسراء عبدالفتاح بتهمة تحريضها على إضراب 6 إبريل بمصر، ولا ينتهي بالقوانين المنظمة التي تعترف بالصحفي الإلكتروني والضمانات التي تقدمها له.
لكن مهما كانت المعوقات فقد فرضت صحافة المواطنين نفسها في ظل التقدم الهائل لوسائل الاتصال، مما جعل الصحف التقليدية عاجزة عن مجاراة السرعة الهائلة للخبر الإلكتروني ووصول المواطن الصحفي إلى موقع الحدث قبل أي وسيلة إعلامية أخرى، مما جعل المؤسسات الصحفية التقليدية تفتتح مواقع إلكترونية وتفتح صفحاتها للصحفي المواطن، وجعلها تعيد التدقيق في صحة المعلومات ودقة الأخبار التي تنقلها، والميل أكثر لمهارات التحليل الخبري لجذب المتلقين.
ومن جانبي أعتقد أن شركات الإعلام العملاقة لن تقف عاجزة أمام صحافة المواطنين التي تقدم خدماتها مجانا، فإن كان الشق الاقتصادي للظاهرة لم يتبلور بعد، إلا أن كثيرا من المؤسسات الإعلامية بالغرب بدأت تستعين بصحفيين من المواطنين مقابل أجر مالي.
وربما شهدت السنوات القادمة صراعا بين فكرة الهواية والاحتراف لصالح الشركات العملاقة وتأييد من بعض أنظمة الحكم القمعية التي سترى في التقييد فائدة للحد من تزايد مد الاستخدام السياسي لصحافة المواطنين والذي بدا أثره واضحا في إضراب 6 إبريل بمصر، أو كما ساهمت رسائل المحمول القصيرة في حشد التظاهرات التي أطاحت بحكومة الرئيس إسترادا في الفلبين وحكومة خوسيه أزنار في أسبانيا عام 2005.
لكن السؤال الأهم في هذا الوقت هو هل سيشهد المستقبل انفلات إلكتروني يؤدي إلى تخبط وعدم ثقة في الخبر الإلكتروني الذي يتهمه التقليديون من الصحفيين بعدم التوثيق وبخاصة في الأزمات الكبرى؟
أعتقد أن المصداقية التي يمنحها المتلقي تكون وليدة التجربة التي كشفت في فترات سابقة عن زيف الإعلام الرسمي الحكومي لنظم الحكم القمعية.. فالتجربة وحدها قادرة على تصنيف الخبر الإلكتروني بالمعيار ذاته، بل يتمتع الخبر الإلكتروني بتعدد مصادره في ظل وجود عدد مهول يتزايد كل يوم للصحفيين الإلكترونيين، والرهان هنا سيظل على عاتق المتلقي الذي بيده وحده منح الثقة أو سحبها من المصدر الإعلامي من خلال تاريخ الثقة المتبادل بين المرسل والمتلقي.
ولعل صحافة المواطنين تميل أكثر من الصحافة التقليدية في المستقبل إلى الصحافة المتخصصة نظرا لعدم اهتمامها بالربح على الأقل في الوقت الراهن.
فسنشهد المزيد من المواقع والمدونات المتخصصة في كافة المجالات، ليجد كل متلق مادته التي يبحث عنها بسهولة ويسر وتلبي احتياجات عجزت الصحافة التقليدية عن تقديمها للمتلقي نظرا لسيطرة الفكر الواحد على المؤسسات التقليدية سواء أكان فردا أم نظام حكم.
وسيقودنا المستقبل لا محالة إلى اعتراف تشريعي وتنظيم قانوني لصحافة المواطنين يضمن للصحفي الإلكتروني الحق في الحفاظ على سرية مصادره، وستتطور الوسائل الإعلامية التقليدية لملاحقة التطور الإلكتروني وستفتح صفحاتها للمواطن الصحفي.
ولعل الدول العربية تستطيع أن تلاحق التطور الإلكتروني بانفتاح وحيادية بعيدا عن التقوقع في موقف المدافع الذي يخشى من كل شيء، وتجاري دولا سبقتنا إلى الاعتراف بالصحفي المواطن وأعطته الضمانات والحقوق التي تساعده في عمله.. لأن الأثر الأكبر لصحافة المواطنين سيكون في زيادة الزخم السياسي بالمجتمع وإضفاء المزيد من الديمقراطية، وستلعب صحافة المواطنين دورا كبيرا في تنمية الحقوق المدنية للمواطنين من خلال الرقابة التي تمارسها على مؤسسات الدولة وستعظم قيمة الفرد في المجتمع وحماية حقوقه وحرياته، وتساهم في القضاء على التهميش السياسي الذي يمارس في بعض الدول ضد الأقليات، وستزيد من المشاركة السياسية للمواطنين.
ولا نريد أن يتحول الأمر في بلادنا إلى صراع بين قوى اعتادت أن تعيش في الظلام فتتفنن في صياغة القوانين والضوابط التي تحد من الحريات وتخشى أن تفتح عينيها على وهج الشمس المشرقة، وبين قوى جديدة تتولد وبحاجة إلى ضبط أفكارها وصياغتها بما يتناسب مع تقاليدنا العربية وفي صالح مجتمعاتنا،لأنه في النهاية لا أحد يستطيع أن يمنع شمس الغد من الشروق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق