الصفحات

2009/09/29

من الخاسر في معركة اليونسكو؟!


من الخاسر في معركة اليونسكو؟!

بقلم: علاء الاسواني

على مدى عشر سنوات، تعودت كل خميس أن أعقد مع أصدقائى ندوة أدبية مفتوحة يحضرها هواة الثقافة من مختلف الأعمار والاتجاهات.هذا الأسبوع ذهبت إلى الندوة فوجدت الحاضرين نحو ثلاثين شخصا فاستأذنتهم وطرحت عليهم السؤال الآتى: ما شعورك عندما سمعت أن فاروق حسنى قد خسر فى انتخابات اليونسكو؟أدهشتنى النتيجة: شخص واحد قال إن فاروق حسنى مظلوم لأنه يستحق المنصب عن جدارة.. شخصان قالا إنهما أحسا بالأسف من أجل مصر التى خسرت منصبا دوليا رفيعا.. أما الباقون فقد أكدوا جميعا أنهم تقبلوا خسارة فاروق حسنى بارتياح.وفى نفس اليوم طالعت مداخلات المصريين على مواقع الإنترنت، فوجدت معظمهم قد أبدوا ارتياحهم لأن فاروق حسنى قد خسر الانتخابات والمنصب.. بدا لى ذلك غريبا فالمصريون لديهم انتماء قوى لبلادهم ويفتخرون بأى نجاح مصرى عالمى.مازلت أتذكر الفرحة الغامرة التى عمت مصر من أقصاها إلى أقصاها عندما أعلن رسميا عن فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل فى الأدب، أما الدكتور أحمد زويل، الحاصل على جائزة نوبل فى العلوم، فقد صحبته ورأيت بنفسى مدى الحفاوة التى كان يتلقاها من المصريين فى كل مكان يذهب إليه.لماذا يفخر المصريون إذن بأحمد زويل ونجيب محفوظ، وفى نفس الوقت يحس كثيرون منهم بالارتياح عندما يخسر فاروق حسنى انتخابات اليونسكو؟! ثم.. هل تعرض فاروق حسنى إلى مؤامرة صهيونية دولية من أجل إسقاطه؟ وهل حدثت خيانة ما أدت إلى خسارته فى الجولة الحاسمة؟. سألخص الإجابة فى النقاط التالية:1- لم يكن فاروق حسنى قط وزيرا منتخبا من المصريين.. بل إنه لما تولى الوزارة كان مجهولا تماما فنيا وسياسيا، وقد ظل فى منصبه 22 عاما ليس بفضل تقدير المصريين لإنجازاته وإنما بسبب دعم الرئيس مبارك له.وإذا تذكرنا أن الرئيس مبارك نفسه يحكم مصر منذ ثلاثين عاما بدون أن يخوض انتخابات حقيقية واحدة.. فالنتيجة أن يشعر المصريون بأن فاروق حسنى جزء من النظام المفروض عليهم، الذى تسبب بفساده وفشله واستبداده فى البؤس الذى يعيش فيه ملايين المصريين، أما فى حالة أحمد زويل ونجيب محفوظ ومجدى يعقوب وغيرهم من النوابغ على المستوى الدولى فالمصريون يحبونهم لأنهم مستقلون اجتهدوا حتى حققوا إنجازاتهم بعيدا عن النظام وأحيانا رغما عنه.2- جاء ترشيح فاروق حسنى لمنصب مدير اليونسكو مصحوبا بدعاية إعلامية جبارة وكأنه سيخوض معركة حربية يتحدد فيها مصير الوطن.. وذلك لسببين.أولا أن الرئيس مبارك هو الذى رشحه للمنصب. وكانت الرغبة السامية للرئيس سببا فى حشد كتبة الحكومة ومسئوليها لتأييد فاروق حسنى والتهليل له.. وهؤلاء تتلخص مهمتهم فى الطبل والزمر لكل ما يريده الرئيس أو يقوله أو حتى يفكر فيه، السبب الثانى أن فاروق حسنى قد نجح (كما قال بنفسه ذات مرة) فى إدخال كثير من المثقفين المصريين إلى حظيرة النظام، بمعنى أنه ربط هؤلاء المثقفين بمصالح مباشرة مع وزارة الثقافة.. بدءا من المثقفين الشبان الذين يتعاقد معهم الوزير بعقود مؤقتة، إلى منح التفرغ والمشروعات الشكلية واللجان الوهمية التى يتم الإغداق على أعضائها لضمان ولائهم.. وحتى المثقفين المعروفين الذين يمنحهم الوزير مبالغ طائلة باعتبارهم مستشارين.. وقد نتج عن ذلك أن تشكلت للوزير فاروق حسنى مجموعة من الميليشيات المسلحة فى الوسط الثقافى المصرى.. وهم مستعدون دائما للقتال دفاعا عنه ظالما أو مظلوما. وهؤلاء بطبيعة الحال تفانوا فى إظهار حماستهم لترشيح الوزير بغض النظر عن مدى صلاحيته للمنصب.3- يعتبر فاروق حسنى نموذجا حقيقيا للمسئول فى نظام استبدادى، فكل ما يهمه إرضاء الرئيس حتى يبقى فى الوزارة وهو مستعد لتحقيق ذلك بأى طريقة وأى ثمن، ولديه قدرة مدهشة على الدفاع عن الفكرة ونقيضها بنفس الحماس.والأمثلة هنا بلا حصر، فهو قد دافع عن حرية التعبير فى أزمة رواية وليمة لأعشاب البحر. ولم يلبث بعد ذلك أن صادر بنفسه ثلاث روايات طبعتها وزارة الثقافة وأعفى المسئول عن نشرها من عمله ثم أطلق تصريحات تهاجم الحجاب والمحجبات وسرعان ما تراجع عنها أمام مجلس الشعب.وعندما قابل الوزير نوابا من الإخوان المسلمين قال لهم تصريحه الشهير الذى تعهد فيه بحرق الكتب الإسرائيلية.. ثم عاد بعد ذلك واعتذر عن التصريح فى مقال نشره فى جريدة لوموند.. بل إنه أراد أن يدلل على تسامحه مع إسرائيل فدعا الموسيقار الإسرائيلى دانيال بارنبويم إلى الأوبرا المصرية مخالفا بذلك قواعد منع التطبيع مع إسرائيل التى كان يفخر فى الماضى بأنه يطبقها بصرامة.. وهكذا لن يعرف أحد أبدا ما رأى فاروق حسنى أو مبدأه الحقيقى؟.. لأنه لا يفعل ما يعتقده وإنما ما يساعده على تحقيق أهدافه.4- يقدم السيد فاروق حسنى الآن نفسه للرأى العام المصرى باعتباره ضحية لمؤامرة صهيونية عنصرية غربية، استهدفت منع العرب والمسلمين من رئاسة اليونسكو.. وهذا الكلام غير صحيح.. فقد سبق لرجل أفريقى أسود مسلم، من السنغال، هو أحمد مختار أمبو، أن فاز فى انتخابات اليونسكو لفترتين متتاليتين وظل مديرا لليونسكو لمدة 13 عاما متصلة (1974ــ 1987)، كما أن الحديث عن عداء إسرائيل والدول الغربية لفاروق حسنى غير صحيح أيضا.. فبعد اعتذار فاروق حسنى فى جريدة لوموند، أعلنت الخارجية الإسرائيلية رسميا قبول اعتذاره.ثم أكد بنيامين نتنياهو للرئيس مبارك أن إسرائيل لن تقف ضد ترشيح فاروق حسنى بل أعلنت فرنسا رسميا أنها ستصوت لصالحه فى كل الجولات، أما الموقف الأمريكى المعارض فقد كان مستقيما وواضحا.. إذ أخبرت الإدارة الأمريكية الحكومة المصرية من البداية أنها على استعداد لتأييد أى مرشح مصرى غير فاروق حسنى.. أين المؤامرة إذن..؟الصحفيون التابعون لفاروق حسنى يعتبرون الترتيبات التى حدثت فى كواليس اليونسكو لصالح المرشحة البلغارية مؤامرة غادرة وهم ينسون أن فاروق حسنى قد عقد نفس الترتيبات مع الذين صوتوا لصالحه وأن هذه طبيعة الانتخابات الحرة فى أى مكان.5ــ لقد فازت المرشحة البلغارية ايرينا بوكوفا برئاسة اليونسكو، لأنها ببساطة تصلح للمنصب أكثر من فاروق حسنى.. فهى أصغر سنا ومازال لديها الكثير لتقدمه، كما أنها متعلمة جيدا فقد تخرجت فى جامعتى ميريلاند وهارفارد فى أمريكا، ولديها خبرة فى المناصب الدولية لا تتوافر للسيد حسنى، والأهم من كل ذلك أن لها آراء محددة فى كل شىء لا تحيد عنها ولا تنقلب عليها، كما أنها مدافعة عن الديمقراطية والحرية وليست وزيرة فى نظام استبدادى احترف تزوير الانتخابات وقمع المعارضين.أخيرا.. إن من خسر الانتخابات فى اليونسكو هما فاروق حسنى والنظام المصرى، أما الشعب المصرى فلم يخسر شيئا لأنه لم يختر فاروق حسنى ولم ينتخب الرئيس مبارك الذى رشحه وسانده.لقد كان فاروق حسنى مرشح النظام ولم يكن مرشح مصر.. وفى مصر المئات من أصحاب الكفاءات الذين يصلحون لمنصب مدير اليونسكو أكثر من فاروق حسنى، لكن الرئيس مبارك لم يرشحهم لأنه أراد منح هذا المنصب بالذات للسيد فاروق حسنى ولأن إرادة الرئيس فوق كل اعتبار فقد تم إهدار ملايين الدولارات من أموال المصريين الفقراء من أجل الدعاية لفاروق حسنى فى معركة خاسرة.. لكننا رأينا أيضا كيف أن إرادة الرئيس مبارك واجبة النفاذ داخل مصر فقط وليس خارجها.. لأنه فى المؤسسات الديمقراطية، مثل اليونسكو، غالبا ما يفوز بالمناصب الذين يصلحون لها.

نقلا عن جريدة الشروق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق