الصفحات

2010/04/18

المصري رفاعة الطهطاوي ليس أول مترجم عربي بل اللبناني فارس الشدياق!


المصري رفاعة الطهطاوي ليس أول مترجم عربي بل اللبناني فارس الشدياق!
د.محمد عبدالتواب صاحب الاكتشافات الأدبية المثيرة يفجر مفاجأة جديدة تثير الجدل



أحمد الجمال - القاهرة
رواية "زينب" لمحمد حسين هيكل ليست الرواية العربية الأولى. كانت تلك هي المفاجأة التي فجرها قبل عامين الباحث الشاب د.محمد عبدالتواب المسؤول عن سلسلة "ميراث الترجمة" بالمجلس الأعلى للثقافة ليثبت بالدليل القاطع وبعد رحلة بحث دامت 6 سنوات أن رائد الرواية العربية هو اللبناني خليل أفندي الخوري برواية "وي..إذن لست بإفرنجي" والتي سبقت رواية هيكل بنحو نصف قرن. أما المفاجأة الجديدة التي توصل إليها فهي أن رفاعة الطهطاوي ليس أول من قام بتعريب الرواية الغربية إلى العربية، كما درسنا وتعلمنا طوال سنوات كثيرة، بل هو الأديب اللبناني فارس الشدياق. التفاصيل يكشفها لـ"عربيات" الباحث وأستاذ اللغة العربية في جامعة "شيفيتشينكو" الأوكرانية سابقاً خلال الحوار التالي، مؤكداً أنه لا يهدف إلى سحب بساط الريادة المصرية لصالح الأدب اللبناني بقدر ما يحرص على الأمانة العلمية وإسناد الحق لأصحابه.
ما تفاصيل الكشف الأدبي الجديد الذي توصلت إليه حول بواكير الترجمة الروائية؟من المُسلم به أن صاحب أول تعريب للرواية في تاريخنا الأدبي هو رفاعة الطهطاوي عندما عرَّب رواية "فيميلون" عام 1867 وبعد ذلك تعريب بطرس البستاني رواية "روبنسن كروزي" لدانيال ديفو عام 1861 بعنوان "التحفة البستانية في الأسفار الكروازية" ثم تعريب محمد عثمان جلال لرواية "بول وفيرجين" عام 1872. وظل هذا سائداً لعقود من الزمن أن هذه هي الروايات الأولى المترجمة في أدبنا العربي.
ألا توجد إشارات أخرى حول روايات مترجمة قبل تلك الحقبة المبكرة؟هناك إشارة مهمة لمحمد يوسف نجم عن محاولة أحد الطلبة وهو محمد مصطفى ترجمة رواية بعنوان "مطالع شموس السير في وقائع كارلوس الثاني عشر" لفولتير عام 1842 وتبدو هذه الإشارة الأكثر أهمية في تاريخ الترجمة الروائية، ومحمد مصطفى كان أحد طلبة مدرسة الألسن التي أنشأها رفاعة الطهطاوي. هذا هو التاريخ الذي استقر عليه التاريخ الأدبي الحديث حول قضية البدايات الأولى للترجمة الروائية.
إذاً ما الذي دفعك للتشكيك في أن تلك المحاولات لم تكن الأولى وأن محاولات أخرى سبقتها؟أعشق فكرة السير عكس الاتجاه، والتساؤل الذي ظل يراودني هو: هل هناك محاولات أخرى قبل محاولة محمد مصطفى؟ وبأكثر دقة هل يمكن أن نُسلِّم بأن تاريخ الترجمة الروائية أو تاريخ معرفتنا بالرواية الأوروبية بدأت في ذلك الوقت! ظل الشك يراودني فيما استقر عليه الكثيرون إلى أن وجدت رواية مهمة يمكن أن نبدأ بها التاريخ الجديد لمعرفتنا بالرواية الأوروبية وهذه الرواية توجد على ميكروفيلم بدار الكتب المصرية برقم 198 وبعنوان "روبنسن كروزو" تأليف "دانيال ديفو" والمعرب أو المترجم مجهول. فقط مُثبت على غلاف الرواية أنها معربة في عام 1834 بجزيرة مالطا، وكما يبدو فإن هذا التاريخ يبدو مبكراً جداً لما استقر عليه تاريخ الأدب الحديث، بما يعني أن معرفة العرب بالرواية الغربية لم يكن كما شاع مع ظهور رواية رفاعة الطهطاوي المترجمة.
وكيف تعرفت على هوية مترجم هذه الرواية المجهولة؟وجدت مفتاح الإجابة عن كشف هوية المترجم من غلاف الرواية وتحديداً من عبارة أنها ظهرت في مالطا عام 1834 وبدأت البحث عن الكتَّاب العرب الذين عاشوا في مالطا في ذلك الوقت، وبالبحث في هذه المنطقة التاريخية المهمة وجدتُ أن الأديب العبقري التنويري اللبناني فارس الشدياق هو الذي عاش في مالطا تلك الفترة فقد سافر إليها في الفترة من عام 1830 حتى عام 1840.
وهل ثمة دلائل أخرى تثبت أن السوري فارس الشدياق هو مترجم الرواية؟نعم هناك إشارة تؤكد ذلك وهي عبارة جورجي زيدان المهمة عن الشدياق في ترجمة حياته حيث يقول بالنص "لم يُكتب أو يُترجم نص في مالطا إلا وكان الشدياق هو صاحبه"، إضافة إلى الجانب الأسلوبي للترجمة، فمن يقرأ "الساق على الساق" للشدياق يجد قناعة كبيرة بأن لغة هذه الرواية هي نفسها لغته في "روبنسن كروزو".
ما الفكرة العامة التي يدور حولها هذا النص؟تكمن أهمية رواية "روبنسن كروزو" في أنها أعطت مبرراً للغرب لكي يستعمر الشرق، لأن أحداث الرواية والفكرة العام لها تدور حول رجل أوروبي يذهب إلى جزيرة ويكتشف أن هناك شخص غير متمدن يعيش فيها، ونظرا ً لأن هذا الأوروبي قادم من العالم المتقدم (أوروبا) يبدأ في تعليم هذا الشخص أسلوب التمدن والحضارة في كل شيء، وقد أعطت هذه الرواية الضوء الأخضر لاستعمار الدول الشرقية وهي الفكرة التي اعتمدت عليها إنجلترا وفرنسا حينما جاءتا لاستعمار دول الشرق تحت زعم تخليص هذا العالم من الرجعية والتخلف وتعليمه مباديء التحضر وهذا الفكر تأثر به طه حسين وغيره ممن تعلموا بالخارج وظهر ذلك في آرائهم وكتاباتهم.
برأيك ما أهمية هذا الاكتشاف؟هذا الاكتشاف يعيد إلى الأذهان أهمية اكتشاف رواية "وي.. إذن لست بإفرنجي" للخوري التي أرخت للرواية العربية من جديد، وأيضاً يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن الرواية العربية لم تتأخر كثيراً في اللحاق بالرواية الغربية. من السهل أن نجد في هذه المرحلة روايات معربة عن الخيال العلمي فهناك محاولات كثيرة في القرن التاسع عشر لترجمة جول فيرن.
هل من المنتظر أن نرى هذه الرواية قريباً في الأسواق؟المركز القومي للترجمة ممثلاً في د.جابر عصفور متحمس بشدة لإعادة نشر هذه الرواية الأولى المترجمة في عالمنا العربي ونحن الآن نقوم بالتنسيق مع دار الكتب المصرية لإعادة نشر هذا العمل المهم للغاية.
ماذا عن سلسلة "روايات معربة" التي أنشئت لنشر الروايات الأولى المعربة؟نظراً لأهمية الترجمة الروائية فقد أنشأنا في المجلس الأعلى للثقافة سلسلة "روايات معربة" تهتم بإعادة نشر الروايات العربية الأولى التي عُربت في القرن 19 وقد صدر منها حتى الآن 3 روايات قمت بشرف تقديمها إلى المجتمع الأدبي وهي "قلب الأسد" التي عربها يعقوب صروف عام 1898 ورواية "الغادة الإنجليزية" التي عربتها المبدعة لبيبة هاشم عام 1899 ورواية "الكوخ الهندي" التي عربها المُنوِّر فرح أنطون عام 1895 وأتصور أن هذه الرواية من أهم الروايات التي تم تعريبها في تلك الفترة.
لماذا؟نظراً لقيمتها في التحدث عن المسكوت عنه فقد كتبها "دي سان بيير" ووجهت إليه انتقادات عنيفة من الكنيسة وقتذاك وعندما عربها فرح أنطون واجه نفس الانتقادات إلى درجة أن الأب لويس شيخو (1859 – 1927) حمل عليه أنه ترجم كتاب الفيلسوف الفرنسي إرنست رينان "تاريخ المسيح" قائلاً "فما كان بأنطون أن يضن بشرفه ودينه عن نقل سفاسفه فيعز علينا أن نرى حاملي الأقلام في بلادنا ينشرون دون تعقل مبادئهم المستقبحة".
ما الذي تفضحه رواية "الكوخ الهندي"؟تفضح أدعياء الثقافة ونقد فرح أنطون لمن يحيطون أنفسهم بشلال من الوسطاء على اعتبار أنهم رجال دين وأنهم هم متاح العلم والمعرفة وهذا ما وصل إليه بطل الرواية في نهاية البحث عن إجابة لأسلته ووجدها عند فقير الهند، وتبدو كلمة أنطون الرائعة في مقدمة الرواية بأنه لا مدنية حقيقية ولا عدل ولا مساواة ولا أمن ولا حرية ولا علم ولا فلسفة ولا تقدم إلا في ظل مجتمع متطور ومتجانس ومفاهيم حضارية جديدة .
ما سر اهتمامك بفكرة البواكير الأدبية الأولى عموماً؟من البداية وأنا مؤمن بأننا نحتاج إلى قراءة عميقة لكل التراث العربي بما فيه الديني والأدبي لأنه جرى على الدوام تهميش وإسقاط مراحل مهمة من هذا التراث لذا أنا مقتنع بأن هناك الكثير من الوقت لكي نعيد قراءة التراث وفي الحقيقة هذا يحتاج إلى كتيبة من الباحثين ليقرؤوه قراءة عميقة من دون الأخذ بما يسمى المسلمات.
إلى أي مدى واجهتك صعوبات في سبيل تحقيق ما وصلت إليه في هذا السياق؟بالطبع كان هناك فريق يقف ضد هذا الأمر وفريق آخر ساعدني مثل الناقد الأدبي الكبير د.سيد البحراوي الذي ظل يشجعني دائماً ويؤكد لي أننا يجب أن نضع كل شيء موضع التساؤل وأيضاً الناقد الكبير د.جابر عصفور، د.سامي سليمان، وأذكر أثناء مناقشتي لرسالة الماجيستير كان أحد المناقشين هو د.طه وادي (رحمه الله) وقال لي نصاً "إنت ابن مين عشان تغير لنا تاريخ الرواية؟ قل ما تريد فلن يسمعك أحد"، ولكن التاريخ أنصفني وأكد أن الجميع سمعني وأن العالم العربي كله اهتم بهذا الكشف لدرجة أن أعلى مؤسسة في لبنان ممثلة في وزارة الثقافة اللبنانية اتصلت بي وجاري التنسيق لسفري إلى بيروت للحصول على درع الوزارة نظراً لقيمة ما قمت به من كشف لخليل الخوري وهو لبناني وصاحب أول رواية عربية.
هل تعتقد أن سبب الهجوم عليك هو سحب بساط الريادة من تحت الرواية المصرية لصالح أديب لبناني؟ لا أتصور ذلك، لأن الحقيقة أن هناك محاولات أخرى أيضاً سبقت "زينب" التي صدرت عام 1914 لكن لم يهتم بها أحد مثل رواية "عذراء دنشواي" لمحمود طاهر حقي عام 1906 ولا أعرف لماذا هُمشت هذه الروايات، ولكن في إشارة لأحد الصحفيين اللبنانيين قال إن قيمة هذا الكشف أيضاً إضافة لقيمته الأدبية هي اعتراف مصري بريادة الرواية اللبنانية وقال أن هذا الصدق يندر أن يوجد بين الباحثين، إذ كان ممكناً إقصاء هذا الكشف لأنه سيسحب الريادة من مصر، عموماً الأمانة العلمية هي التي جعلتني أعطي خليل الخوري حقه.
نقلا عن مجلة عربيات الدولية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق