الصفحات

2010/10/29

رسالة "مغلقة" من د.صالح هويدي إلى الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب

رسالة "مغلقة" من الشاعر والناقد العراقي د.صالح هويدي إلى الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب
د . صالح هويدي
الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب منظمة أو جمعية، يفترض أن مهمتها الأساسية هي العناية بالثقافة العربية وبشؤون المثقف العربي، وما يتصل بهما من سبل ووسائل للارتقاء بسويتهما والنهوض بمنجزهما والدفاع عن مصالح المثقف وحقوقه وحريته وكرامته، وقد يحدث أن تشتط هذه الجمعية الأم عن مسارها وتحيد عن أهدافها، لأسباب عديدة، يقف على رأسها السبب السياسي جراء تدخل الأنظمة السياسية للدول في مواقفها .
من ذلك ما حدث من تعليق لاتحاد أدباء وكتاب مصر في زمن الرئيس أنور السادات، بحجة زيارته ل “إسرائيل” وتوقيعه معاهدة صلح معها، تحت ضغط بعض الأنظمة الراديكالية التي مارست دورها في حشد الجهود لتحقيق هذا الهدف، على الرغم من أننا لا نعرف حتى اليوم ما الذي يربط بين الثقافة والمنجز الفكري والمعرفي المصري وخطوة الصلح التي أقدم عليها الرئيس السادات، ليعزل اتحاد أدباء وكتاب مصر كل هذه السنين، مثلما لا نعرف سر الرضا عن هذا الاتحاد وموجبات إعادته إلى المنظمة الأم، على الرغم من أن مصر لم تلغ ما حققه السادات من صلح بينها وبين “إسرائيل”!
ولقد تكرر الأمر ثانية، بالأسباب نفسها والسيناريو إياه، في خطوة تعليق لعضوية اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، عقب الاحتلال وسقوط النظام السياسي السابق، مع عدم اعتراض حتى من الذين اكتووا بناره من قبل .
ولقد قيلت في حق هذه الخطوة بواعث وأسباب عدة، منها أن العراق أضحى دولة محتلة، فقلنا لكنها ليست الدولة العربية المحتلة الوحيدة، وأن الاحتلال مفروض ومرفوض من قبل العراقيين جميعا، وأنه لا يد لهم فيه، وأن على العرب واتحاد كتابهم الوقوف معهم في محنتهم لا عليهم، وأن مما هو أجدى ألا يعين العرب المحتلين، وألا يهيئوا لهم أسباب احتلالهم أصلاً، وقيل أيضاً إن قيادة الاتحاد المنتخبة ذات ولاء أمريكي وإنها لم تدنه قط، وقلنا إن المثقفين العراقيين ومعهم مثقفون عرب يعرفون أن جل أعضاء القيادة الجديدة للاتحاد من أصحاب الفكر اليساري المعروفين بمعاداتهم للأمريكان والنظام الإمبريالي القديم والجديد، وأنه سبق لرئيس الاتحاد أن عبر أكثر من مرة عن رفضه ورفض المثقفين العراقيين للاحتلال ولأعماله الوحشية، وقيل لكنه لم يؤيد المقاومة، وقلنا هل من أحد قادر على فرز أعمال المقاومة من الأعمال الإرهابية التي تحصد أرواح العراقيين بالمجان يومياً ليمكن تأييدهم؟ وقيل لكن انتخابات الاتحاد زورت، ولم تشارك فيها طائفة من الأدباء والمثقفين العراقيين، فقلنا ولم لم يأت الأدباء المعارضون ليدلوا بأصواتهم، وإن كانوا يخشون المجيء، فما الحل، هل يرى السيد حسين جمعة أن على الانتخابات أن تجري خارج العراق مثلاً؟ كما قلنا عن التزوير والمعارضة: أي دولة ليس فيها معارضة ثقافية أو سياسية؟ ومن يملك الجزم اليوم بأن التزوير لم يقع في انتخابات بلدان عربية أخرى، إن كان وقع بالفعل في العراق؟ واليوم نضيف بعد تكشف عملية التزوير في انتخابات اتحاد أدباء وكتاب سوريا التي تولى الكتاب أنفسهم إثباتها، ماذا يقول الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب فيها؟ ولم يمسك عن الكلام المباح فيها؟
وإذا طوينا جميع السيناريوهات المخجلة وغير الحضارية التي حدثت بحق موفدي اتحاد الأدباء والكتّاب العراقيين في الجزائر ومصر، لننتهي إلى التوصيات الأخيرة الصادرة عن دورة الاتحاد العام للكتاب العرب المنعقدة في مصر قبل ثلاثة شهور، والتي تدعو إلى أمرين مهمين: أولهما تثبيت عضوية اتحاد الأدباء والكتاب في العراق قولاً وإغفال إثباتها في المحاضر الرسمية الموثق، وثانيهما: إرسال وفد عقب ثلاثة شهور إلى العراق للقاء المثقفين والوقوف على طبيعة الأمور عن كثب، لتنتهي الشهور الثلاثة “انتهت في شهر سبتمبر/أيلول المنصرم”، من دون أن يلتزم الاتحاد العام للكتاب العرب أو يشعر بمسؤوليته تجاه أي من قراراته، كاشفاً بذلك عن حقيقة الدوافع الأيديولوجية لإقصاء الاتحاد، لكن الموقف الأخلاقي لم يتوقف عند هذا الحد، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حين لم يثبت اجتماع الاتحاد العام موقف الوفد الإماراتي المتحفظ في المحاضر الرسمية للجلسة، واضطرار الأخير إلى إرسال مذكرة مساءلة للأستاذ محمد سلماوي لاحقاً .
وعلى الرغم من أنني بعيد عن العراق ولا أعرف السر وراء تهالك اتحاد أدباء وكتاب العراق على التمسك الذلول بالاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب الذي لم يحقق طوال مسيرته منجزاً استراتيجياً واحداً يعود بالنفع على المثقف والثقافة العربية بالنفع، فإنني أتساءل: أليست ثمة مسؤولية أخلاقية على منظمة عتيقة للمثقفين إزاء عهودها؟ ولمصلحة من تغيّب أصوات المثقفين والاتحادات العربية، ليؤخذوا رهائن وليكتفوا بالفرجة من دون القيام بفعل حقيقي يليق بهم وبدورهم؟
هل يمكن للمثقفين العرب أن يذهبوا في المزايدة إلى أكثر من بعض أنظمتهم السياسية فيحظروا التعامل مع اتحاد أدباء وكتاب العراق، في وقت تتبادل فيه الزيارات والعلاقات الدبلوماسية والبروتوكولات ما بين العراق والبلدان العربية الشقيقة؟
أويمكن للمثقفين العرب حقاً تجاهل الدور الثقافي والحضاري للعراق؟ وأين أولئك المثقفين الذين طالما تغنوا بالمنجز الثقافي العراقي وهم ييممون وجوههم صوب حاضرة الثقافة وبوتقتها جيئة وذهاباً، في الأيام الخوالي؟ أين أصواتهم الحرة؟ ومواقفهم النزيهة، وهم لا يملون الحديث عن دور المثقف والمثقف العربي بزهو وتبجح؟ أم أن المثقف العضوي، والمثقف الملتزم، والمثقف الحر، والمثقف الأمين صار هو الآخر جزءاً من تراث العصر الورقي ما قبل الافتراضي؟
جعلت رسالتي مغلقة لعلمي بأنها لن تقرأ بعيون محايدة كالعادة، وإن قرئت فإني على علم بالإجابات الجاهزة وغير المجدية عنها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق