الصفحات

2010/11/29

الحياة القبيحة موضوع 2010 : الجوائز الأدبية في كندا نسائية

الحياة القبيحة موضوع 2010
الجوائز الأدبية في كندا نسائية
جاكلين سلام-تورنتو
ذهبت الجوائز الأدبية الكندية المرموقة عام 2010 إلى كاتبات اتخذن من وقائع الحياة القبيحة موضوعا ومحورا لأعمالهن. لكأن المخيلة الإبداعية تعجز اليوم عن الإتيان بما يفوق مقدرة الواقع المعاصر على إدهاشنا وإثارة قلقنا، أو العكس.
فقد فازت الكاتبة الكندية -الأيرلندية الأصل- إيما دوناهو بجائزة "روجرز رايترز ترست فيكشن برايز" عن روايتها "غرفة" التي استقت موضوعها من قصة الأب النمساوي الذي احتجز ابنته المراهقة "إليزابيت فرينزل" لسنوات طويلة، فاغتصبها وأنجب منها سبعة أطفال إلى أن افتضح الأمر بتدبير من الأم.
وتجري أحداث رواية "غرفة" على لسان جاك الطفل الذي يسرد ببراءة طفولية مجريات عالمه الصغير وعلاقته مع أمه وخوفه من الرجل الغريب "نك العجوز"، هو الأب الذي يأتي لزيارتهم مساء. ويقول الطفل جاك "الغرفة حقيقية، الخارج ليس حقيقيا".

وتقول الروائية دوناهو -التي نشرت من قبل ست روايات- في سياق حوار لها بمناسبة فوزها بالجائزة "راودتني فكرة الرواية من موقعي كأم وأردتها أن تكون إبداعية وليست عاطفية. واجهتُ بعض التحديات من موقعي كأم كاتبة تريد أن تسلط الضوء على أبعاد العلاقة بين الأم والابن".

وفي نفس الوقت كانت الكاتبة تجد صعوبة في تلبية نداءات أطفالها على حساب الوقت الذي تحتاجه لتسرد ما يجري في مخيلتها المحصورة في غرفة ما في مكان ما من هذا العالم. غرفة ليست أكثر من سجن.

وتضيف الكاتبة المقمية في لندن-أونتاريو الكندية "أعيش في كندا منذ 12 سنة تقريبا، ولي علاقات مع الوسط الثقافي الكندي ولكن هذا الفوز الآن جعلني أشعر بأنني كندية وهذا يسعدني".

التباس هوية
نعاين هنا التباس الهوية الإبداعية عند الكتاب المغتربين عن موطنهم الأصلي حيث تغدو الفواصل بين الهوية والمواطنة واهية المعالم وملتبسة. كما يغدو الفاصل كبيرا بين الواقع والمخيلة. فحين يكتب الروائي انطلاقا من واقع ما، هذا لا يعني أن يقع الكاتب في فخ الواقعية سواء أكانت اشتراكية أو إمبريالية، قبيحة في موضوعها أم جميلة.

بمتابعتنا للجوائز الكندية الأخرى "سكوتشيابانك غيللر برايز" وقيمتها 50 ألف دولار كندي، نجد أنها ذهبت أيضا لكاتبة استقت أحداث روايتها "العاطفيون" من تجربة والدها والتجارب التي اختبرها وهو يخوض جنديا حرب فيتنام 1967.

الكاتبة جوهانا سكبزرد تذكر والدها الذي رحل دون أن تتاح له فرصة الفرح بفوز ابنته التي طالما تغنى بقدراتها الإبداعية بين أصحابه إذ كان يقول "انتظروا، سيأتي يوم وتكتب ابنتي رواية تصبح الأكثر مبيعا". وكان لها ذلك فعلا وهي الشاعرة المغرفة في الكتابة منذ الصغر.

وقائع حرب فيتنام القبيحة الظالمة موضوع رواية خيالية تقرر لجنة التحكيم الكندية فوزها بالجائزة منافسة بذلك 97 رواية. وهي رواية أولى تخترق الساحة بعملها الأول لكاتبة هي الأصغر سنا بين أسماء كبيرة وعريقة أدبيا حاضرة في القائمة الطويلة والقصيرة. هل يعقل هذا؟ نتدارك ونتذكر أن الكاتبة الأميركية توني موريسون فازت بجائزة نوبل عن روايتها الأولى "العيون الأكثر زرقة".

"
الجوائز بقيمتها المادية والضجيج الإعلامي الذي يرافقها تنقل الكتاب الغافي على الأدراج وتحت الغبار إلى الصدارة وتحقيق أعلى المبيعات

"
أحداث واقعية
ويلفت انتباهنا أن الكاتب الكندي يميل عموما إلى الإشارة إلى أن بذور فكرته وشخوصه مستقاة من أرض الواقع. شخصيات قد تكون بعيدة لا صلة رحم أو دم تربط بين الكاتبة وشخصياتها كما في رواية "غرفة"، وفي أماكن أخرى تكون خصوصية الرواية المتخيلة نابعة من صلة رحم ودم كما في راوية "العاطفيون" التي تركز على العلاقة بين الأب وابنته.

يأتي ذلك على العكس تماما من تنويهات يكتبها الروائيون والروائيات العرب في مقدمة أعمالهم تنفي أي صلة قد توجد بين شخصيات الرواية وأشخاص على أرض الواقع، لأسباب قد يكون مردها القمع والرقابة الفكرية والاجتماعية التي قد يواجهها المبدع حين يعرج بخياله على سرد أحداث واقعية.

ولكن هل تفوز الروايات لقيمتها الإبداعية أم إن ذائقة لجنة التحكيم هي المعيار؟


نطرح هذا السؤال حين نقرأ أسماء الفائزين بالجوائز في هذا البلد أو ذاك، وحين نعاين الأسماء المطروحة في القائمة القصيرة لهذه الجوائز في القارة الأدبية الإنجليزية على التحديد، نرى أن رواية "غرفة" التي فازت بالجائزة في كندا كانت مرجحة للفوز بجائزة "مان بوكر" الإنجليزية ووصلت إلى اللائحة القصيرة. ولعل ما تراه اللجان الإنجليزية معيارا للفوز يختلف عن ذائقة ومعيار لجان تحكيم أخرى.

ولا يفوتنا أيضا أن نذكر بأن رواية "غرفة"، التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة أخرى هي "غفرنر جنزال أوورد" التي أعلنت يوم 16 نوفمبر/تشرين الأول الحالي، لم يكن الفوز من نصيبها بل ذهبت إلى منافستها ديان وارن عن روايتها الأولى "شتاء معتدل البرودة". وهذه الأخيرة قاصة وكاتبة أغان ومسرحيات.

عودة المنسي
الجوائز بقيمتها المادية والضجيج الإعلامي الذي يرافقها تنقل الكتاب الغافي على الأدراج وتحت الغبار إلى الصدارة وتحقيق أعلى المبيعات كما حصل مع رواية الكاتبة جوهنانا سكبزرد التي لم يبع منها سوى عدد يقل عن الألف نسخة منذ صدورها عام 2009 عن دار غاسبارو برس الصغيرة، التي تولي أغلفة الكتب عناية فائقة بحيث لا يمكنها أن تضع عددا هائلا من الكتب في متناول القارئ دفعة واحدة.

غداة قرار الفوز بالجائزة ونظرا للعمل اليدوي الدقيق الذي يحتاجه غلاف الرواية، تعرضت دار غاسبارو برس للنقد الشديد من قبل دار نشر كبيرة أرادت أن تشتري رواية الكاتبة وحقوق إعادة طباعة الكتاب بسرعة تفي بمتطلبات السوق العاجلة. لكن صاحب دار غاسبارو لم يتخل عن خصوصية داره في تصميم الأغلفة، حيث الجوانب الفنية والجمالية غالبة على المادية.

أما الكاتبة سكبزرد -التي أصبحت سندريلا الأدب الكندي بين ليلة وضحاها- فإنها لم تصدق فوزها الساحق الذي سيمكنها من دفع أقساط تعليمها الجامعي، ولتكمل فيما بعد مسودة روايتها الثانية التي ستكون محط أنظار دور النشر قبل القراء. فقرارات لجان التحكيم الإنجليزية من الأهمية بمكان بحيث يجعل من كاتب مهمش مليونيرا ومحط اهتمام الإعلام ومنتجي الأفلام.

يذكر أن أرقام المبيعات للكتب الفائزة هنا إذا قورنت بمثيلاتها من مبيعات الكتاب العربي، فإن الكاتب العربي سيشعر بالخجل والغضب، فجوائز العالم العربي الأدبية تحقق ضجيجا إعلاميا وصخبا لا يترافق مع مستوى المبيعات.

وفي بعض الأحيان يحقق الحكام ومديرو الجوائز العربية دخلا ماديا يفوق ما يحلم به الكاتب، حتى إن بعض النقاد تحول إلى حَكَم ينتقل من ملعب جائزة إلى أخرى بالخفة الممكنة.

نقلا عن الجزيرة نت


































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق