الصفحات

2010/11/09

الصامتون لهم الجحيم

الصامتون لهم الجحيم
أحمد طوسون
بين المثقفين لا يوجد أنبياء، حتى ولو كانوا يعيشون ( فوق الحياة قليلا ) كأبطال سيد الوكيل في روايته الأولى التي تحمل العنوان نفسه!
في حياتهم اليومية لن تجدهم يتشابهون مع كتباتهم إلا باستثناءات نادرة.
ستجد بينهم الانتهازيين والمنافقين والذين يبحثون عن لقمة العيش في أمسية هنا أو ندوة هناك ، ومن يسيرون أمورهم فحيث تكون الفرصة يكونون، وكلما كانت الوليمة عامرة ستجدنهم أول الصفوف، ومن يتلونون في اليوم الواحد بألف لون ولون، ففي الصباح يحتسي قهوته مع الأفكار النضالية، وفي الظهيرة يستجدي مسئولا من أجل منفعة صغيرة، وبعد العصر يبيع كل مبادئه من أجل وجبة فاخرة في باخرة نيلية، وفي المساء يعود ليصطاد أفكاره التي بعثرها في كل مكان ليوزعها على مريديه ممن ينتظرون أن تُفتح في وجوههم أبواب المجد العالق بوليهم قبل أن تصطاده أول عابرة إلى تجربة حداثية يصبح معها المساء أشد توهجا.
لكن كل ما سبق أمور ترتبط بطبيعة البشر أينما كانوا دون تفرقة بين مثقف أو غيره.. ومن نتحدث عنهم أقلية مهما كبر العدد، فغالبية المثقفين لا يعرفون الطريق إلى المؤسسة أو السلطة أو حتى إلى المنافع الصغيرة لكنهم يتمتعون رغم ذلك بآفة الصمت المدهش!
الصمت القاتل الذي لا ينفع ضحية أو يردع ظالما.. صمت وحد السكين سواء، مغموس بالدم.
ولن يخرج المثقف عن صمته إلا إذا جرحت كبرياءه الأدبي أو الثقافي، أما إذا لم تطال شخصه وكتابته فأنت وشأنك!
أما إذا اقتربت من ذاته المعظمة فالويل والثبور وعظائم الأمور لك ولأمثالك.. وسيجيش الجيوش الجرارة لمحاربتك في كل مكان.
لذا من الطبيعي أن يستشري الفساد في مؤسساتنا الثقافية، وتجمعاتنا الأدبية، وأن نتصارع طيلة الوقت على صغائر الأمور.. وأن تصبح شاعرا أو كاتبا بشهادة من موظفين وخاتم شعار الدولة، ولا بأس من تكريم هنا أو تكريم هناك، وجائزة هنا، وجائزة هناك.. وفي كل يوم سيصعد اسم جديد بشهادات الآثمين ويغترف من غنائم الصامتين بصمتهم بينما يتضورون جوعا وصمتا ويموت المئات من المواهب الذين لم يعرفوا الطريق إلى مكاتب أولي أمر المنح والمنع والاعتراف.
الصامتون لن يجدوا لأقدامهم مكانا على الأرض لأنهم بصمتهم على الفساد أشد إفسادا من كل المدعين والسارقين والمزورين والقتلة.
البشرى لكم.. بانتظاركم الجحيم!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق