الصفحات

2011/01/22

حسن سرور يكتب عن: الأسطورة في روايات نجيب محفوظ لسناء الشعلان

الأسطورة في روايات نجيب محفوظ لسناء الشعلان

بقلم :حسن سرور
(باحث ونائب رئيس تحرير مجلة "الفنون الشعبية"مصر)

يمثّل كتاب " الأسطورة في روايات نجيب محفوظ للدكتورة الأردنية سناء كامل الشعلان دراسة دقيقة وممتعة في آنٍ،تكشف نشيج العلاقات بين عالم المأثورات الشّعبية المصريّة العجيب والمدهش بزخمه واتساعه وتنوّعه وتركيبه،وعالم نجيب محفوظ الروائي الممتدّ لأكثر من نصف قرن.وتبيني إمكانية لمدخل نقدي أدبي يقوم على دراسة الثقافة الشعبية(المحلية/الوطنية). ومن هنا وقفت الباحثة أمام المادة تتساءل كيف يمكن دراسة المادة الأسطورية في روايات نجيب محفوظ؟يتجاذبها اتجاهان،احدهما يدعو إلى تصنيف المادة وتوزيعها ودراستها وفق تقنيات السّرد الروائي،ومن ثم التركيز على استخلاص مقوّمات المعمار الروائي/الأسطوريّ وصولاً إلى تفكيك عُرى الترميز والمعنى في العمل مع التأكيد على أنّ هذا المنهج لن يسلب عملية الإبداع في الروايات شرطها التاريخي والجمالي.ودون عدّ النموذج الإبداعي مجرّد أسطورة مزاحة عن أصولها الأولى،بل تأكيد أنّه حالة إبداعيّة وإن استثمرت الأسطورة في طرح أسئلة جديدة،تتحدّد بأسئلة الواقع مع الحرص على الخصوصية القومية والمحلية للروايات.
إنّ قراءة الخطاب الروائي المحفوظي وما يتجلّى في نصوصه من توظيف الأسطورة أو استلهامها كليّاً أو جزئيّاً ،ظاهراً أو مضمراً،أو عنصر من عناصرها مجتمعة أو غير مجتمعة باعتبارها" قصة تحكمها مبادئ السّرد القصصي من حبكة وعقدة وشخصيات وما إليها"و"كما أنّها تحمل تعبيراً جماعياً بكلّ معنى الكلمة،وهذا التعبير الجماعي يتجلّى في أنّ الأساطير إنّما تعكس معتقدات الجماعة وفلسفة الجماعة ورأي الجماعة"،يستدعي البحث عن مفاهيم عدّة حول ماهيّة الأسطورة،وما علاقتها بالواقع والتاريخ والدّين،وعلاقة الأسطورة بالرّمز والأدب،ومن ثم محاولة رصد تلك النّصوص الإبداعيّة المجاورة والمتداخلة مع الأسطورة،سواء أكانت أدبية أو من المنجز الإبداعي الشّفاهي ،وما قامت به الباحثة لتصل إلى تعريف الأسطورة الذي تتبنّاه الدراسة،ويتلخّص في أنّها" قصص وحكايات تتضمّن وصفاً لأفعال الآلهة او الطبيعة أو للبشر الخارقين من ذوي الخصائص الاستثنائية،وهي تختلف باختلاف الأمم والأزمان والأماكن،فلكلّ أمّة أساطيرها التي تمرّ بتغيرات،فتعيد إنتاج أشكالها ومضامينها،ولكلّ شعب خرافاته الموضوعة للتعليم أو التسلية،وهي تعبير عن الحقيقة أو عن بعض منها بلغة الرمز أو المجاز" (ص29).
كما تحدّد الدّراسة عقد الأربعينات من القرن العشرين،عقد تأسيس ملامح واضحة للجنس الروائي في الأدب العربي،وهي مرحلة تستمدّ أهميتها من شرطها التاريخي الذي بدأ ينزع بشكل واضح إلى الحديث عن الذات القومية وعن الانتماء إلى العصر من جهة أخرى،وغدا الاتجاه نحو استلهام التراث والأساطير أداة مهمة في نقد الأوضاع السياسية والاجتماعية والقيم الأخلاقية المتحولة.ولقد كان لنجيب محفوظ نصيب كبير في إبداع الروايات التي توظّف الأسطورة،فخلق بذلك شكلاً روائياً عربياً له خصوصيته وتفرّده وتميّزه.
وتوظيف محفوظ للأسطورة في رواياته-كما ترى الباحثة- يحيلنا إلى عصفور أبعاد اغتيال نجيب محفوظ،ويسعى لربطها بما يسمّىبـ" الإرهاب الديني"الذي حاول عصفور تتبّع أسبابه ودلالاته،ومساءلة خطابه الذي يتخذ من التكفير لغة،حيث يؤكّد عصفور أنّ المقدمة الأولى للأسباب الأساسية الحاسمة التي أدّت إلى محاولة اغتيال محفوظ ترجع إلى نشر رواية(أولاد حارتنا) في حلقات يومية بجريدة الأهرام(1959)،وكان ذلك في سياق لم يخل من سخط المتزمتين دينياً وأخلاقياً ممّا ورد من إشارات تمسّ محرّمات الدين والجنس في الروايات السّابقة،وذلك من مثل:" أعلم أنّ لكلّ عصر أنبياءه،وأنّ أنبياء هذا العصر هم العلماء" لكن السّخط الذي سببته هذه الجمل سرعان ماكان يتبدّد؛لأنّ من يخدش المحرّمات من الأبطال كان يجد من يرد عليه من ناحية،ومن ثانية،ومن متصوفه يعرفون الله بقلوبهم العامرة بأجل الكشوف والحدوس من ناحية أخيرة.
ولكن(أولاد حارتنا) جاوزت ذلك كلّه،وعبرت الخطوط الحمراء في مارآه كثير من علماء الدين ومشايخ التطرّف الذين لم يفهموا الرّواية من حيث هي بنية خيالية،لا تقارب أيّ واقع تاريخي- مهما كان نوعه ومجاله- إلاّ بردّها إلى معانيها الثواني-بلغة الإمام عبد القاهر الجرجاني الأشعري- التي هي أصل المراد الذي لا يفهم إلاّ في تجاوب سياقاته.
وقد أخطأ هؤلاء المتزمتون مرتين:الأولى بتضخيم البعد الجيني الذي لم يلتفتوا إلى بعد آخر سواه،كما لو كان عمداً،وتحويل مجازات هذا البعد الذي لايفهم إلاّ في علاقاته بغيره من الأبعاد،وتحويل مجازاته التي لا تطابق الواقع بالضرورة الفنية إلى إشارات مباشرة منتزعة من سياقاتها،إشارات يتمّ تأويلها بما يُفضي إلى تكفير صاحبها.أمّا الخطأ الثاني الذي وقع فيه هؤلاء فهو أنّهم اختزلوا الرواية في قضايا دينية،أوّلوها على سبيل التكفير،وتجاهلوا تماماً القضايا الاجتماعية والسياسية التي هم في صدارة الرّواية ولاتشير إلى تعاقب الأديان إلاّ من خلال منظورها الذي يجعل الرواية من روايات النقد السياسي الاجتماعي بالدرجة الاولى،ورواية من روايات الإدانة الحاسمة لتحويل الوصاية على الأديان أو احتكارها إلى وظيفة تؤدّي في خدمة الظلمة الذين هم هدف الرواية الأوّل في دفاعها المجدي عن المظلومين المقموعين من(أولاد حارتنا) الذين يتبنّى قضيتهم"أوّل من اتخذ الكتابة حرفة في حارتنا رغم ماجرّه ذلك من تحقير وسخرية".ولم يكن غريباً أن يثور المتزمتون وكثير من رجال الدين ضدّ الرّواية،وناب عنهم الشيخ محمد الغزالي في تكفيرها،ونجح الضغط،فأثارت الرواية سخط الساخطين،لكن نشر الرواية لم يتوقف،وظلّت الأهرام- في عهد هيكل- تواصل نشرها حتى آخر حلقة. ولم ينجح الضغط إلاّ في هجرة الرواية إلى منفاها اللبناني،وطبعها في دار الآداب في بيروت تولّت توزيعها في كلّ أنحاء العالم في عشرات الطبعات.
ويذكر عصفور أنّ جائزة نوبل التي حصل عليها محفوظ قد أيقظت في مجموعات التطرّف الديني ذكرياتهم الغاضبة على(أولاد حارتنا) التي اتهموها بالكفر ولم يتوقفوا عن تكرار الاتهام الذي عاد في عنف أكثر وغضب عارم نتيجة ذكر الرواية في حيثيات منح الجائزة،الأمر الذي أضرم النّار التي خمدت لسنوات بعيدة،مؤكدة في عقول جماعات التكفير ضرورة القيام بالثأر الذي تأخّر طويلاً من صاحب(أولاد حارتنا) " الكافر" الذي كافأه الغرب "الفاجر" بالجائزة التي هي مكافأة لمحفوظ على كتابة رواية تعمل على تقويض الإسلام.ولم يعد الأمر يحتاج إلى احتجاج المشايخ(1959) وعلى رأسهم محمد الغزالي،وإنّما أصبح يجاوز ذلك إلى ضرورة الاستئصال التي أخذت تبدو منطقية وضرورية في السياق المتصاعد من عمليات العنف والاغتيال،السياق الذي أعاد(أولاد حارتنا) إلى قفص الاتهام من جديد والحكم على صاحبها بكلّ ما يترتّب على تهمة الكفر:إمّا إعلان التوبة وإمّا القتل.
سؤال مهم: لماذا نلجأ إلى الأسطورة؟وهذا السّؤال يوجهنا إلى جملة من البواعث دفعته إلى هذا الشّكل الروائي غير التقليدي،وتحاول الدراسة الكشف عن هذه البواعث التي حدّدتها بثلاثة: الباعث الفني المتمثّل في البحث عن شكل جديد ذي قدرة على الترميز،والباعث الثقافي متمثلاً في تأثّر نجيب محفوظ بالفلسفة (دراسته الجامعية)،وتأثّره بجماليات المكان(الحارة المصرية)والترجمة(ترجمته كتاب"مصر القديمة" لجيمس بيكي)،وتأثّره بالتراث العربي والعالمي الزّاخر بالحكايات والأساطير،وأخيراً الباعث السياسي المتمثّل في الظّروف السياسية والاضطهاد السياسي.
أمّا فصول الدراسة فكانت في ثمانية محاور رئيسية،بعد تمهيد لمنطلقات الدراسة وإضاءة حول منهجها ومفاهيمها،تفرّعت عن المحاور عناوين داخلية وتقسيمات عضوية دعت إليها الحاجة،وقد حرصت الباحثة على تتبّع المادة المدروسة/روايات محفوظ مخضعة إيّاها للترتيب الزّمني،وفق تاريخ تأليفها،وهو ترتيب بالطبع لايفرض على الباحثة أن تدرس كلّ الروايات.وسوف تختار مادة أسطوريّة عن كلّ محور من المحاور ،وهذا وفق ما تفرضه المساحة المتاحة،ولا يوفي هذا العرض بتقديم القارءات المتعمقة لكلّ الروايات المدروسة والتي تصل إلى 430 صفحة من القطع 17 × 24 سم .
يبدو أنّ بعض الأساطير ارتبطت بالمكان،وقد اعتمد نسيجها الحكائي على المكان نفسه،وعلى تقديسه،ومن ثم على أسطوريته.فالأفق هو المكان الأسطوري الشهير في الأساطير المصرية القديمة يكون مفتتح رواية(عبث الأقدار)،إذ جلس(خوفو بن خنوم)على أريكته الذّهبية"وكان يقلّب عينيه الثاقبتين بين أبنائه وصحابته،ويرسل بناظريه إلى الأمام حيث يغيب الأفق خلف رؤوس النّخيل والأشجار" فالمكان كذلك يشرف على" هضبة خالدة يرقب مشرقها أبو الهول العظيم" وكانت عباءة خوفو"تلمع حاشيتها الذّهبية تحت أشعة الشّمس التي بدأت رحلتها نحو الغرب"،وهذا المشهد المكاني الذي ترسمه الرواية مستهلّة به أحداثها،ينقلنا مباشرة إلى أسطوريّة المكان عند المصريين،فالأفق عندهم مقدّس،إذ هو مكان شروق الشّمس وغروبها،وهو يسمّى" آخت" وهو مسكن لإله الشّمس،الذي حمل عادة اسم" حور آخت"و"هبري" في هيئة" جُعل"مجنّح،إلهين لشمس الصّبح،بينما يُعدّ" أتوم" والإلهة التي برأس كبش سادة شمس المساء،أمّا الشّمس فتعدّ العين اليمنى للمساء،وعين الشّمس هي القرص الموجود بين قرني"حاتحور"وكان للشرق والغرب معنى واضح بسبب المسار اليومي للشمس،وكانت الافكار الخاصة بالميلاد والموت نرتبطة بتلك المناطق،فكان الشّرق رمزاً للحياة،في حين أنّ الغرب رمز للموت،ولذلك كانت المقابر دائماً في الغرب،وكان يُطلق على الموتى اسم"الغربيون" أمّا الهضبة فهي رمز للأزليّة لاسيما أنّ الرّب ارتاح على تلّ أزليّ بعد الخلق ،الذي فُسّر فيما بعد بأنّه مقبرة للإله.
وهذا المشهد الحكائي المكاني الأسطوري "يتعزّز بوقوع معبد"أوزوريس" بالقرب منه،ليعطيه قداسته،إذ قيه يقدّس الغله،ويضفي خيراته على المتعبدين وعلى المكان"ص80-81)
ثم تناولت الباحثة المكان الأسطوري(السّراب) كمرادف لرحم الأم.وفي(أولاد حارتنا) الحارة باعتبارها أفقاً كونيّاً يحوي البيت الكبير،والدهليز،والصّخرة. وفي (حكايات حارتنا) التكية حيث يأوي الدروايش،وينقطعون للعبادة والذّكر.وفي (اللص والكلاب) بيت الشيخ جنيدي والباب والممرّ،وفي(قلب الليل) حيث يعجّ المكان بالعفاريت والملائكة والشياطين.وفي( ملحمة الحرافيش) الخلاء،والتكية،والقرافة،والصحراء،والمئذنة العجيبة،وبيت صباح(كودية الزّار).وفي (ليالي ألف ليلة) جبل قاف ووادي الجنّ.
ومع الفصل الثاني نتعرّف مفهوم الزّمن الأسطوري كما تراه الباحثة زمناً مطلقاً قابلاً للاستعادة والتكرار والعودة إلى البداية عبر الطقوس،إذ أنّ القيام بالشعائر القديمة يسمو على الزّمان الأسطوري الأولى،فالزّمن الأسطوري هو زمن البدايات والعود السّرمدي وهو زمن مقدّس لا يعترف بالحواجز،ومن هنا تنشأ قدسية الزّمن الأسطوري،وهو بالتأكيد ليس زمن النّاس الحاضر،بل هو زمن الخلق الأوّل الذي يتكرّر،كأنّه زمن الحلم.
وتتجلّى أسطوريّة الزّمن في رواية (السراب) في البنية العميقة للأحداث عبر تقنية الاسترجاع التي يبدأ بها نجيب محفوظ،فبطل الرواية والسّارد لها في أنّ هو من ينقلنا إلى النّهاية عبر سطور البداية، التي تختزل رحلة وصفها بـ"بشوط طويل تنقطع دونه الأنفاس"،وهو يضعنا تماماً قبالة أزمته،فهو ضحية لها ضحيتان،أحدهما أمّه،والثانية زوجته،وهو يبحث عن خلاص،وبعث جديد في لحظة النّهاية،التي يسجّلها باسترجاع للأحداث،وتدوينها كتابة "أروم بعثاً جديداً حقاً،ويومذاك تصبح آلامي لاشيء يطويها الفناء إلى الأبد،فيمكنني لقاء أحبائي بقلب صافٍ ونفس نقية طاهرة"
وتقوم رواية( أولاد حارتنا) على زمن حلقي دائري،فكلّ وحدة من وحدات الرواية الخمس تشكّل حلقة ومنية مستقلّة عن باقي وحدات الرواية،وتختلف عنها،فلا رابط سرديّ أو سببيّ أو زمنيّ بينها،وتعدّ كلّ وحدة قصة قائمة بذاتها وبشخوصها،وبأحداثها،وتفصل بعضها عن بعض فاصلة زمنية كبيرة،غير أنّ مايجمع هذه الوحدات هو شخصية"الجبلاوي" الذي يربط بين الوحدات،وهو الذي كلّف الشخصيات بعمل ما في الحارة،ما إن يبدأ هذا التكليف حتى تبدأ أحداث الوحدة السّرديّة،فضلاً عن أنّ مكان الأحداث واحد،هو الحارة.
وابتداءً من عنوان رواية(ملحمة الحرافيش) يحيلنا نجيب محفوظ إلى الأسطورة عبر اختيار اسم"ملحمة" إذ في ذلك مافيه من إيحاء بحضور الأداء الملحمي الذي يرمي إلى تمجيد مُثل اجتماعية أو دينية أو وطنية أو إنسانية تتجسّد في مآثر بطل حقيقي أو أسطوريّ،وهي ذات مغزى واضح،تتضمّن أفعالاً عجيبة وحوادث خارقة للعادة.
أمّا الزّمن في رواية(ليالي ألف ليلة) فيكتسب أسطوريته من عدم تحديده،ومن إيغاله في القدم،ومن تعالقه مع زمن أسطوريّ آخر مفترض،وهو زمن حكايات ألف ليلة وليلة،وهو زمن منكفئ على نفسه،مغلق،لايحيل إلى زمن بعينه،وإن كان يحاول أن يربط بعض أزمانه بأحداث تاريخية مهمة،أو شخصيات تاريخية حقيقية،إلاّ أنّه يبقى زمناً خاصّاً،مقطوعاً عن تسلسل الزّمن التاريخي الخاضع للقياس والترتيب له سرعته الخاصة ومحدّداته الذّاتيّة.
وقد واءم نجيب محفوظ بين زمان الحكايا وزمان رواية(ليالي ألف ليلة) فكان الزّمن عنده مُغفل الإحالة إلى تاريخ محدّد،إلاّ تاريخ الرواية نفسها،وبذلك غدا الزّمان يتلخّص عنده في الجملة الشّهيرة" كان يا مكان في قديم الزّمان وسالف العصر والأوان".
وتُعنى الباحثة في الفصل الثالث بوظيفة الحدث الأسطوريّ في التأصيل وربط الحدث المتكرّر بالحدث الأوّل الذي يرتبط بالبدايات ،ويعدّ الفعل التكراريّ لحادثة أولى حفظتها الأسطورة. وقد توافر محفوظ على أحداث أسطوريّة كثيرة،استفاد منها في بنائه الرّوائي ،واستلهم بعضاً منها في تشكيل معمار أحداثها ،وبذلك خلق أحداثاً أسطوريّة موازية أو مشابهة لتلك الأحداث الأسطوريّة الأولى.
وقد تناولت الدراسة أساطير: الصراع مع القدر،والصّراع مع الآلهة،والصّراع مع الكائنات الأسطوريّة،والطوفان،وغضب الآلهة،والبحث عن الخلود،وقتل الشقيق لشقيقه،وقتل الأم وكره الأب،والانتقام المقدّس،والمسخ،والتحوّل،ومحاكمة الموتى،والرحلة إلى عوالم أسطوريّة.
ونقدم تناول الباحثة لأسطورة الطوفان:" تُجمع كلّ الأديان السّماويّة على وقوع الطّوفان،الذي عمّ الأرض جميعها،وأنّ الله نجى منه نبيه(نوح) والصالحين القلّة الذين اتبعوه.وهذا الحدث المفصلي في تاريخ البشرية قد تسرّب إلى الأساطير القديمة كلّها،ومثلما كان الطّوفان من أهمّ قصص الديانات كلّها،ومثلما كان الطوفان من أهم قصص الديانات السّماويّة،كان كذلك من أهم مرويات الأساطير التي تعزوه إلى أسباب عدّة،وتروى فيه تفاصيل متباينة،لكنّها تلتقي جميعاً عند مأساة الغرق،ومنحة الحياة.
ونجيب محفوظ يستدعي هذا الحدث في(ملحمة الحرافيش) في موقع واحد،وذلك عندما زار "عاشور النّاجي" الجدّ لأوّل مرّة "البوظة" ،وأخذ يسترق النظرات على فتاة "البوظة"،وأخذ يسترق النّظرات على فتاة البوظة"فلّة"،"فأسبل جفنيه،وتذكّر قصة الطّوفان"،ولعلّ هذا الاستدعاء كان لإسباغ صفة الخطر على سلوك"عاشور"،فهو الرجل التقي الورع،وهاهو يدخل حانوت" البوظة"،ويجلس بين السكارى،ويراقب"فلّة" وهو الآن على مفترق طرق،أمّا أن يحقّق السّبب المجهول الذي جاء لأجله،أو يغادر دون رجعة،وبين الخيارين يلوح الطّوفان الذي يهدّد بإغراق كلّ المذنبين،وعلى رأسهم التّقي" عاشور" إن انجرف في ما انجرف معه الآخرون.فالحدث المتمثّل في الطّوفان ماهو إلاّ استدعاء لقيم الخوف والانتقام الرّباني الذي يحلّ بالعصاة والمجرمين. وكلمة"طوفان" تختزل كلّ هذه المعاني،وتضيف إليها قيمة الاختيار التي تعدّ مفترق طرق تومئ إلى كلّ الاحتمالات،ويتوقّع كلّ الاختيارات"(ص152-153).
ويقدّم الفصل الرّابع نماذج من الشخصيات "الأبطال" التي تعبّر عن الجماعة ككلّ،قبل أن تكون معبّرة عن الذات الفرديّة.فالبطل الأسطوريّ في روايتي(عبث الأقدار)و(رادوبيس) بطل رغم أنفه؛لأنّه وُلد،فوجد نفسه الفرعون،ولذلك كان لابدّ له في الرّواية من أن يضطلع بكلّ صفات الفرعون الأسطوريّ الذي مجدّه المصريون،واللافت للنّظر أنّ شخصية العدو المضاد للبطل تكتسب أبعاداً أسطوريّة كذلك،فـ" أبو فيس" ملك الهكسوس والعدو الأوّل للفرعون"سيكننرع" وللشعب المصريّ في رواية(كفاح طيبة) يتحصّل على صفات أسطوريّة تقديسية،فهو في نظر الهكسوس"فرعون مصر وابن الرّب/ست..."
والشّخصيّة الأسطوريّة في رواية(الطريق) (سيد سيد رحيمي) تندثر بالاختفاء،وهي بهذه الصّورة تكتسب المزيد من الأسطورة والدهشة والتميّز،ولعلّ عدم ظهورها في الأحداث،إلاّ عبر أوصاف في السّرد اللاحق على لسان بعض شخصيات الرواية،حافظ على هيكلها الأسطوريّ،ولم يمزجها قط بالواقع.
وقد يكون الزّهد والانقطاع لعبادة الله هو صانع الشّخصيّة ذات الهالات الأسطوريّة عند نجيب محفوظ،وإن كانت أساطير الزّهاد أقرب إلى البطولة منها إلى الأساطير،ولكن بعضها يتلبّس الصّفة الأسطوريّة من خروجه عن المألوف والزّمن.فالدرويش الأكبر الذي ينقطع للعبادة في (حكايات حارتنا) أسطورة يؤمن بها كلّ أهل الحارة.
ويلتقط محفوظ أسطورة البغي المقدّس من الأساطير القديمة،ويعيد توظيفها في بعض رواياته،وقد تسرّبت هذه الأسطورة في رواية(اللص والكلاب) فتكون البغيّ"نور" هي الملاذ الوحيد لـ "سعيد مهران" وهي الحبّ الحقيقي المعطاء في زمن الخديعة والغدر.
وقد يضفي أسطوريّة على شخصيته النّسويّة في رواياته بإسباغ قوة جسدية خارقة عليها أو بعلاقاتها مع كائنات أسطوريّة،فأم عبده في(حكايات حارتنا) شخصية أسطوريّة بما تتوافر عليه من قوة جسدية هائلة،و"نجية" في الرواية ذاتها قد اكتسبت أسطوريتها من علاقاتها بالجنّ والعفاريت.بالإضافة إلى هذه الشخصيات هناك شخصية"عاشور النّاجي" و"وحيد" في (الحرافيش)،و"جمصة البلطي" في(الليالي)و (ابن فطومة)و(رحلة ابن فطومة).
وفي الفصل الخامس تختار الباحثة طريقة لتناول الكائنات الأسطوريّة تضطلع بتمثيل دور وظيفي ثلاثي في الرواية التي تستحضر أو تخلق الكائن الأسطوريّ،فهو من ناحية أولى يشكّل ركناً من أركان العالم الأسطوريّ،ومن ناحية ثانية يعزّز فكرة الإيهام واختراق قيود العالم المعيش،ومن ناحية ثالثة يحقق دوراً ترميزياً يكمل اللوحة التي تستحضرها الرواية عبر استثمار المنجز الأسطوري،وتبدأ بالأشجار التي تستحضرها الرواية عبر استثمار المنجز الأسطوريّ،وتبدأ بالأشجار التي تستحضر في المشهد المكاني،إذ لطالما عبد الإنسان الأوّل روح الغاب ممثلة في الشّجرة،ولم تكن عبادته موجهة نحو الشجرة بذاتها بل نحو الرّوح الكامن فيها،لذلك نجد المصريين يقدّسون الأشجار،لاسيما السّنط والصفصاف والجميز والطرفاء واللوتس والنّخيل والبان. فالشجرة ليست مجرّد كائن عادي في الأسطورة،بل هي ترمز إلى الحياة وإلى الحكمة والخلود،وهي مقدّمة لأنّها تجسّد التجربة الدائمة لتجدّد العالم،ومن الكائنات المقدّسة أيضاً النّسر،وفرس البحر،والعفاريت،والشبح،والغراب،والثور،والملائكة،وطائر الرّخ،والمارد،والعنقاء.
ويعرض الفصل السادس الموجودات الأسطوريّة،وهي في الغالي جمادات أو على الأقل ملموسات ومدركات،وهي بوجودها في الأسطورة،إنّما تشكّل تمثيلاً هيكلياً خاصاً يحتفظ بصفة الثبات،وتُستدعى لاستكمال شروط الأسطورة والوفاء بمتعلقاتها المادية التي تشكّل نسقاً متكاملاً،وتستدعي بذلك كلّ رموزها،وتستوفي كلّ مظاهرها المادية التي يتحقّق بوجودها بناء الصورة المادية والروحية لها.
وقدّمت الباحثة الموجود الأسطوريّ على قدر وجوده في الرؤية التي يقدّمها محفوظ في أعماله،متكأً فيها على الأسطورة الأم أو الحامل لأحداث الرواية،والموجودات في الدراسة:العصا السّحريّة،والصولجان،والنّار المقدّسة،وطاقية الإخفاء،وخاتم سليمان،والكتاب،والسّحر،والتعاويذ،والقمقم.
ويكشف الفصل السّابع عن علاقة روايات محفوظ بالرّموز الأسطوريّة باعتبارها جزءاً من " النّسق الاعتقادي" المتعلّقة بأنماط السّلوك والقيم السائدة في المجتمع والمتجددة والمتجذرة في آنٍ،ضمن تاريخ الفكر الإنسانيّ،وتبدأ الباحثة بموتيف المخلص الذي يلحّ على الأساطير القديمة بل على كثير من الديانات السماوية،وعلى الرّغم من تنوّع صورة المخلص وتفاوتها في كلّ السّرديات؛فإنّه يضطلع بمهمة واحدة هي ملء الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جوراً.
ونجيب محفوظ يربط الرّمز الأسطوريّ للمخلص برحلة البشرية منذ بدايتها متمثلة في (أولاد حارتنا)،فأدهم الابن الطيّب الذي طُرد من البيت الكبير،لأنّه عصي والده الجبلاوي يحلم بلا انقطاع بالعودة إلى البيت الكبير،ويرى الجبلاوي مخلصاً له من الحياة الضنكة،بل الكل- أهل الحارة- يعتقد جازماً أنّ الجبلاوي مخلص لهم من بطش الفتوات،وضنك الحياة،لذلك يصيح كلّ مغلوب على أمره:" ياجبلاوي". والطريف في عمل محفوظ أنّ المخلصين الذين جاؤوا إلى الحارة ليخلّصوا أهلها من الظلم أمثال"جبل"و"رفاعة"و"قاسم" كانوا هم أيضاً يبحثون عن مخلّص لهم ممّا يكابدون،وبالمثل "عرفة"و"بعده"حنش"وعاشور النّاجي" في رواية (ملحمة الحرافيش) راعي الفقراء الذين رفعوه إلى مرتبة الأولياء،وعندما يشقّ البؤس تكثر الآمال المفقودة على المخلّص.ويتجاوز المخلّص المنتظر في رواية(الطريق) الإنسان الخارق أو النّبي الصالح أو القائد الملهم فيكون انتظاراً لإلهيخلص"صابر" بطل الرواية من الذّل والحاجة والوقوع في الرذيلة.
ورواية(الطريق) باعتبارها أمثولة أسطوريّة،تربط النّص بأحداث المجتمع قبل نكسة 1967،والبحث عن الأب"سيد سيد الرحيمي"فالرواية تحتمل كلّ هذه التأويلات،وتسمح بالمزيد منها. وننتقل إلى الخضر كرمز أسطوريّ للحياة والخلود،فيظهر الخضر في رواية"أبو المكارم" فينفذ العين أمر " الخضر" لتوّه ويقيم الضّريح،وبمرور الزّمن تتلاشى ذكريات أبو المكارم،وتبقى له الولاية،والثقافة الشعبية المصريّة،تسمّي هذه الظاهرة بأنّ الولي"بيّن" ولابدّ من إقامة مقام له،وذلك الحدث يتمّ عبر النبوءة أو الحلم الذي يأتي إلى أحد المسؤولين أو الأغنياء،وهي طريقة في صناعة الولي في الثقافة المصريّة الشعبيّة.
والخضر يتجلّى لـ" العاشور" النّاجي الوحيد من الوباء يمدّ له اليد،ويقود إلى سدرة المنتهى،ولعلّ هذا الظهور المرتبط بحالات الانتكاس والضعف هو نوع من استدعاء القوى الإيجابية المحفّزة للعمل والتفاؤل،لذلك تجد الخضر يظهر في اللحظات الحرجة في مخيّلة الشخصية الروائيّة،ونشير إلى الخضر الحديث(المتمرّد) الذي يكشف عن الإرادة الواعية والمثقفة وهو وليد الفكر المتبصّر،وهو شرط من شروط التغيير والإصلاح،ويظهر ذلك في شخصية"فتح الباب شمس الدين جلال النّاجي" في رواية (ملحمة الحرافيش)،ومن المتمرّد إلى العدد الذي يرتبط بمصير البشر،وللعدد ارتباطات بدلالات سحريّة في كثير من لمعتقدات،ولدى عدد من الشّعوب،وتبرز الأرقام ثلاثة وستة وعشرة لتخصّب الرمز برمزيتها الأسطوريّة؛فالحاجب الأكبر لملك الهكسوس"أبو فيس" جاء إلى طيبة،وقابل فرعونها"سيكننرع"،وهو يحمل له ثلاث رغبات من سيده،ويظهر العدد عشرة في رواية(أولاد حارتنا)،فالجبلاوي يحفظ وصاياه في سِفْر،ويجعلها عشرة شروط.
ويرتبط الرّقم عشرة شروط يجب توافرها في الملك.كذلك هو رقم الاكتمال والاكتفاء. والتقسيم الزّمني للقفزات الزّمنية لابن فطومة في رحلته،بدأ بأن يقيم في كلّ دار يزورها عشرة أيام،والرّقم أربعة عدد مقدّس يشير إلى منظومة الكون المتكاملة من العوالم التي وجدت وانتهت،وتتألّف من أربعة عصور،ويرتبط أيضاً بالطبيعة(الفصول الأربعة،والجهات الأربعة،والرياح الأربعة)،وفي الصّوفية الأقطاب اربعة،ومكونات أربعة(الماء والنّار والتّارب والهواء)والمربع رمز الثبات.ويستكمل الفصل بالرموز المرتبطة بالحلم،والأنوثة المقدّسة،والجنس،والدّعاء،والقربان،والموسيقى،والغناء،والرّقص،والمواكب،واللون.
وتقدّم الباحثة في الفصل الثامن( اللغة الأسطوريّة والبناءالسّردي" تصوراً يعتمد على معطيات نظريو الرواية خصوصاً المعمار الحامل للرواية،فتقول إنّ الوصف المثقل بالصّور الشّعريّة أهم مميزات أسطوريّة اللغة عند محفوظ في رواياته التاريخية الثلاث الأولى لكي يوحي إلى القارئ بجوِّ الغموض والسّحر والبعد عن الزّمام القديم حتى يندمج القارئ في خبايا الصّورة وخبايا المنظر،وهذه اللغة الأسطوريّة محمّلة بالألقاب والنّعوت التي تسبغ على الأشخاص خصائصهم وقدراتهم بالإضافة إلى اللغة الحماسيّة الخطابيّة واللغة الملحميّة،ولغة التكثيف،وتخصّب المفارقة اللغة الأسطوريّة بالقلق(القاضي الهكسوسي يتدلّى على صورة تمثال لربّه العدالة"ثمي""(كفاح طيبة).
والسّرد يأتي على لسان الراوي العليم الذي يهيمن على عالم روايته ويتدخّل بالتعليق والوصف الخارجي،وهو في روايات نجيب محفوظ التاريخيّة الثلاث راوٍ من خارج الحكاية،لاينتمي إليها،لذلك يرد بها بضمير الغائب.
وعُني راوي (أولاد حارتنا) الذي يستثمر طريقة السّرد الملحمي والقصصي الشّعبي بأن يذكر مصادر معلوماته،ويعلن أنّه ليس إلاّ مرويّاً له،سمع أحداث الرواية من مصادر أخرى ثم يعيد سردها بعد أن حفزه أحد أصدقاء(عرفة) على كتابة أحداث الرواية،ويحاول محفوظ إقناع القارئ بأنّه بإزاء سرد مرفوع إلى رواة كثر ومختلفين إلاّ أنّ الراوي في الرواية كان راوياً عليماً،يروي بأسلوب السّرد الموضوعي،وهو يتكئ في سرده على ضمير الغائب فضلاً عن استعانته بالسّرد والوصف والحوار. وتزوّد الأغاني اللغة في أولاد حارتنا بسمتها الشّعبيّة الغنائيّة(حطّة يابطّة يادقن القطّة)،و(مركب حبيبي في المية جاية راخيه شعورها على المسيّة).
وتنزع المفارقة والتّناص إلى كسر أسطوريّة اللغة وربطها بالموروث،فجبل يقول:" إنّ أسرتنا المجيدة تجري في دماها الجريمة منذ القدم"،أمّا التّناص فهو يربط الحدث الروائي بالحدث التاريخي بخيط سحري،فأهل الحارة الذين تعاونوا مع جبل وحفروا دهليزاً عظيماً ،وأغرقوا الفتوة،ورجاله قد صاحوا فرحاً بغرقهم قائلين:" هذه عاقبة الظالمين"،وفي هذا القول تناص واضح مع الآية الكريمة التي تعقب على غرق الظالمين من فرعون وجيشه الذين لحقوا بموسى وقومه.
ويستخدم الشّيخ علي الجنيدي في حواراته مع سعيد مهران في رواية(اللص والكلاب) لغة تعتمد على الإشارة والتلميح أكثر ممّا تعتمد على التعبير الصّريح أو المباشر،ويلحّ على لازمة لغوية هي جملة"توضّأ واقرأ"،فالوضوء هو رمز للطهارة المادية والمعنوية والقراءة رمز للمعرفة والبدء.وتكتسي اللغة الصّوفيّة الرّمزيّة في الرواية بالشّكل الشّعري المغنّي على هيئة أناشيد وابتهالات.ويتقاسم العرّافون وقارئو الطالع وشيوخ التكيات اللغة الترميزيّة مع الصّوفيّة في رواية(الطريق)و(حكايات حارتنا)واللغة الترميزيّة في (قلب الليل) المثقلة بالصّور والمحسوس والمجاز تنقل رحلة الإنسان من عهد الأسطورة إلى زمن سيادة العقل والإرداة.وتدخل لغة الترانيم والأناشيد بلسان أعجمي غير عربي في خانة اللغة الترميزيّة والغناء بالإنشاد بين اللغة في رواية(الطريق)،كما يلعب الوصف دوره التقليدي في نقل مظاهر الأبّهة والثراء التي تذكّرنا بقصور ألف ليلة وليلة،كما في قصر"رؤوف علوان" في رواية(قلب الليل) وفي رواية (ملحمة الحرافيش)يُذكي الوصف من حيوية اللغة الشّعريّة،ويجعلها تصف ببراعة الأشياء والأشخاص والأحداث.
وتنتهي الدراسة بثلاثة ملاحق،أولها ببليوجرافيا لروايات نجيب محفوظ حتى زمن الانتهاء من الدّراسة،وثانيها وقفة تعريفية عند نجيب محفوظ،وثالثها معجم بأسماء الآلهة والشخصيات الأسطوريّة والكائنات الخرافيّة والأماكن الأسطوريّة الواردة فيها.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق