الصفحات

2011/01/23

انتصار عبدالمنعم تكتب عن: أنشـــودة عربيــة من أجل سمير الفيل !!

أنشـــودة عربيــة من أجل سمير الفيل !!
انتصار عبدالمنعم
طالما تساءلنا عن حال دنيا الثقافة لو أمسك المثقفون بزمام الفعل الإيجابى متخلين عن عادتهم فى إطلاق التصريحات، والشجب والنقد، ومطالبة الجهات الرسمية بالتكريم والعلاج والنشر، وما إليها من أمور يطمح إليها كل إنسان كان حظه أنه ينتمى إلى عالم الكلمة والرأى والثقافة، طامحا فى أن ينال بعض اهتمام يقيه ذل السؤال وجرأة الأقزام الذين تطاولوا عليه بفضل مالهم حين ظنوا أن المال يُغنى عن القلم.
تعّود المثقفون على طلب كل شئ، وفى أغلب الأحيان لم تتحقق أمانيهم، وكثيرا جدا ما عبروا عن الاستياء، وكانت لهم ردات فعل تراوحت ما بين تصريح غاضب، أوتكوين جماعة أو جمعية مناهضة لشئ ما، ثم ما تلبث أن تزول وهلّم جرا. هذا الدأب صار سمتا عاما لعقود عجاف عديدة لم تثمر سوى الخلافات والنزاعات التى توالدت وتكاثرت مخلَفة وراءها مشاكل مزمنة لم ولن تقدر كل مفردات الشكوى على حلها.

وكثيرا ما سمعنا كبار الأدباء والمثقفين وهم يهاجمون سلبية وسطحية جيل الشباب الذين اعتبروا أنهم بلا أساتذة ولا مرجعيات، ثم وجدنا هؤلاء الكبار وقد انزلقوا فى نزاعات جانبية مؤسفة لا تمت إلى عالم الفكر والثقافة بأية صورة من الصور. وأكثر من هذا سمعناه وتألمنا وتمنينا أن يتبدل الحال الراهن وينصلح الشأن الثقافى برمته، مع علمنا اليقينى أن أمر إصلاح الثقافة لن يأتى فى يوم وليلة، بل بخطوات حثيثة ومستمرة وثابتة وجادة.
ومن هذه الخطوات الإيجابية التى جاءت أيضا من خارج العاصمة مثل فكرة مؤتمر اليوم الواحد التى جاءت بمبادرة من مجموعة أدباء طموحين من مدينة ديرب نجم بمحافظة الشرقية، جاءت مبادرة التكريم لواحد من أكثر الأصوات الأدبية نشاطا وإخلاصا فى مصر والوطن العربى.

على مدار مايقرب من الشهر اجتمع أكثر من خمسين أديبا وكاتبا عربيا فى مكان واحد وهو شبكة القصة العربية، من أجل تكريم الروائى والقاص المصرى «سمير الفيل» متخذين من بلوغه سن الستين مناسبة لتكريمه والاحتفاء به، قبل أن يكرمه وزير الثقافة الفنان فاروق حسنى ضمن فعاليات مؤتمر أدباء مصر مؤخرا. جاءت فكرة التكريم من الدقهلية، من ابراهيم محمد حمزة؛ هذا الأديب الشاب والناقد الواعد الذى استطاع أن يقيم احتفالية دولية جمع فيها أدباء مصر والمغرب والجزائر والسعودية وسوريا والعراق وليبيا وفلسطين والامارات جنبا إلى جنب.
استطاع هذا الشاب الذى لم يبلغ الأربعين من عمره أن يفعل مالم تفعله مؤتمرات وسفارات ودعوات قد يلبيها البعض، وقد يرفضها لاعتبارات التنقل والسياسة والجغرافيا وغيرها من مشاكل مستحدثة وأخرى متقيحة منذ زمن.
فبدون دعاية إعلامية قام ابرهيم حمزة الذى لا يعيش فى القاهرة بحشد رموز الأدب فى الوطن العربى ليكتبوا شهادات ودراسات أدبية جادة فاقت الخمسين شهادة ودراسة عن أعمال سمير الفيل التى تنوعت مابين الشعر والقصة والرواية والمسرح وأدب الطفل.

بل إن صاحب دار للنشر قرر أن يصدر كتابا رمزيا على نفقته الخاصة ليضم تلك الشهادات والدراسات كى يؤرخ لهذا الحدث الثقافى العربى الذى توحدت فيه الأقلام والقلوب بعد أن أعياها طول شقاق وتنافر . وفى كلمة بسيطة ساق «حمزة» مبررا بسيطا جعل من الفيل شخصية متفردة فى نظر كل من التقاه شخصيا أو افتراضا من خلال شبكة الانترنت:«سمير الفيل صورة لنضال الأديب والإنسان حتى يستوى قيمة كبرى، وهو فى عطائه لم ينس أمرين؛ إبداعه والآخرين، فتحول إلى مؤسسة ثقافية وإنسانية حقيقية، لخدمة ناس كثيرين، وأنا سأظل مدينا للعم سمير بأشياء كثيرة مثلما كثيرين، أمطرتهم دفقات كرم وشهامة هذا الرجل الجميل».

سمير الفيل الذى كتب عن الحرب أعمالا مثل: رجال وشظايا، خوذة ونورس وحيد، كيف يحارب الجندى بلا خوذة، نتهجى الوطن فى النور، والذى فاز بأول جائزة مصرية عن أدب الحرب عام 1974عن قصته «فى البدء كانت طيبة»، جاء الاحتفال به بردا وسلاما على أرض المثقفين العربية لتتحد على اسم شخص وتتفق على أحقية منحه تكريما فائق الجودة تام الصلاحية بلا طعن فى أحقية أو أهلية كما تعودنا فى تلك المناسبات التكريمية.
تحدثت الأقلام عن مواقف إنسانية جمعتها مع سمير الإنسان، وتحدثت عن سمير الأديب والمثقف الذى رأى الانسان الذى يقاتل لا الحرب نفسها، فقد كان على وعى بأن الانسان مع كل قذيفة تنطلق منه، يفقد بعضه الإنسانى الفطرى بداخله. اشتغل «الفيل» على البعد الإنسانى لكل شخوصه، سواء فى أعماله الشعرية التى بلغت خمسة دواوين، ورواياته الثلاث، ومجموعاته القصصية العشر وغيرها من أعمال مسرحية وحوارات متعددة.
سمير الفيل، هذا المدهش الذى تغنى للنوارس، تماما كما تغنى للكلوك والنعال، والذى عاش يتيما قبل أن يبلغ عامه الثانى، احتضنته قلوب متناثرة فى أركان الدنيا وكأنه مازال «فلفل» هذا الصغير الذى رصد عوالم البشر الذين شاهدهم وراقبهم بعينه الفاحصة، ليسجل كل شئ حتى إذا ما استوى عوده، واشتد ساعده قبض على القلم يسّطر حكايات مدهشة جعلته «العم سمير» الذى تغنت له من المحيط إلى الخليج نوارس تاقت إلى التحليق فيما وراء الحدود على شرف سمير الفيل، المصرى الأصيل نتاج نيل دمياط،وتراب مصرالمحروسة، وسماء ظللته وأصدقاؤه من الوطن العربى الكبير دوما، وإن تكاثرت عليه الغيوم، فسوف ينهض بأمثال هؤلاء الخمسين الذين اجتمعوا من أجل نورس سمير الفيل.

المصدر مجلة أكتوبر 23يناير2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق