الصفحات

2011/04/13

"جرذان باب العزيزية " قصة قصيرة لمحمد الكامل بن زيد

جرذان باب العزيزية
محمد الكامل بن زيد

جاء صبح جديد ..
يا ألطاف الله ..
صبح ليس كسابقيه..
لم يفقهوا شيئا مما يحدث ..أشياء فوق التصور لم يعرفوها منذ أربعين عاما ..نهارهم أضحى كليلهم ..فما مضى من العمر في هذه السنين كان عاديا ..لم يستثن منه شيء .. يستيقظون على رائحة العمل وينامون على رائحة العمل أما هذا الصباح فقد استيقظوا على شيء عظيم فيه رائحة عمل من نوع آخر ..عمل لم يفقهوا ماهيته ..غير أنهم عرفوا أنهم لن يخلدوا إلى النوم ..إلى الراحة إلا بعد عمر مديد آخر ..
فقد باغتهم حاكم المدينة عبر وسائل الإعلام ..المسموعة ..والمرئية منها..
المدينة في خطر ..أعلنها صراحة يا إخواني ..ولأول مرة منذ أربعين ..أقول لكم المدينة في خطر
..يا اخواني.. جرذان كثيرة لا يحصى لها عد تريد أن تغزو قصري ..قصر باب العزيزية..جرذان لا أراكم الله شرها ..فقد أرهبتني ..وأرهبت أولادي من بعدي...
سرت قشعريرة رهيبة في أجسادهم .. هل يعي حاكمنا ماذا يقول ..هل كان يحلم ..هل ستأكل الجرذان حقا بقراته السبع السمان..وأرهبت أولاده من بعده ؟؟
استفاضوا في الحديث لساعات ثم أمسك كل بعصاه الغليظة ومضى يسأل في حيرة مضطربة ..أين هذه الجرذان ..أين التي قلبت حياتنا رأسا على عقب..
الحاكم يزداد صوته عبر مكبرات الصوت غيظا وحنقا ..قلت لكم ..ابحثوا عنهم ..جدّوا في بحثكم ..لا ترحموهم ..اقتلوهم أينما وجدتموهم ..في كل حي ..كل شارع..كل زنقة ..و أريد أن أذكركم ..فالذكرى تنفع المؤمنين ..إنهم أخطر مما تظنون ..هم الموت القادم من كل مكان ..ومن أغلق باب داره فهو آمن ولن ألومه..ومن دخل باب العزيزية فهو آمن ولن ألومه ..ولا أريد أن أعاود الحديث عن كتابي الأخضر يا ناس ..قرآنكم المبجل..فقد أسقط عن جدارن الأسوار المحيطة بالمدينة ..أسقطته الجرذان اللعينة ..وكتابي كما تعلمون مقدس ..
الجرذان ..الجرذان لكن أين هي ..أين ذهبت ..هل غادرت إلى مكان آخر ..ولو فرضنا أنها غادرت ..هربت فلا بد لها من أثر ..لكن أين هذا الأثر..
عصيهم الغليظة تفتش وتفتش.. لم تدع أي شيء ولو قشة صغيرة لم تفتشها ..أعياهم التعب ..أرهقهم صوت الحاكم ..
إلى أين المصير ..
إلى أين المفر ..
مرت أيام وأيام..أعياهم البحث ..التنقيب..أعياهم الحاكم فهو يأبى الصمت ..بل إن كل يوم يمر يزداد عنادا وإصرارا وتعنتا ..استفاضوا في الحديث للمرة الثانية ..خمّنوا في حل عاجل خطر على بال أحدهم ...لماذا لا نأتي بصاحب الناي ..صاحب الناي ..لما لا ..فكرة أكثر من رائعة ..مذهلة ..فقد حدث أن قضى على الجرذان في كثير من البلدان المجاورة ..الحاكم على النقيض تماما لم ترقه الفكرة البتة ..ورفض رفضا قاطعا ..هذا دخيل والدخيل لا يؤمن شره ..وهذه باب العزيزية يا سادة وليست كمثل البلدان المجاورة ..انظروا أمرا آخرا ..
أهل المدينة فاض الكيل بهم واستفاضوا في الحديث للمرة الثالثة أقروا بعدها العودة إلى ديارهم فلم تبق لهم إلا ديارهم فهي آمن مكان لهم ثم أليس الحاكم من قالها صراحة وعلنا من دخل داره وأحكم إغلاق بابه فهو آمن ..
الحاكم لم رفض مثل هذه الفكرة الساذجة ولم يعجبه تصرفهم ..نادى بكل ما أوتي من قوة حبال صوتية عبر الوسائل السمعية والمرئية منها ..عودوا ..عودوا إلى بحثكم ..إلى تنقيبكم ..إلى عملكم ..ولما لم يأبه به أحد استشاط حنقا وبدا له أن اللامعقول سيحدث لم يشعر كيف لتلك الكلمة تخرج من فمه دون سابق إنذار:
- جرذان ..ورب الكعبة جرذان
- جرذان ..جرذان
استداروا جميعهم.. صغيرهم قبل كبيرهم ..ناحية قصر ..باب العزيزية ..لم يستفيظوا في الحديث هذه المرة ..أسرعوا الخطى ليبدأوا عملا جديدا ..عمل لم يألفوه منذ أربعين سنة وأول عمل قاموا به بعد أن سموا الله وتوكلوا عليه .أن قاموا بإسقاط صورة الحاكم من على أسوار باب العزيزية


بسكرة في 13 مارس 2011
Email: bnouelkamel@yahoo.fr

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق