الصفحات

2011/07/17

سمير الفيل .. حضور طاغى وعلاقات عنكبوتية

شهاده:
سمير الفيل .. حضور طاغى وعلاقات عنكبوتية

بقلم: عبده الزرّاع
فى منتصف التسعينات كنت من أكثر المترددين على مدينة دمياط فى أمسياتها ومؤتمراتها الأدبية، بحكم عملى فى إدارة الثقافة العامة بهيئة قصور الثقافة، فقد كنت مكلفا بمتابعة أنشطة إقليم شرق الدلتا الثقافى، ومدينة دمياط إحدى مدن الاقليم، وقد ربطنى بأدباء هذه المدينة الأثيرة وشائح حب ومودة، لما لمست فيهم من طيبة وحسن معشر، تعرفت فى تلك الأثناء على الراحليين محمد العتر، ومحروس الصياد، والناقد مصطفى كامل، والكاتب الكبير محسن يونس، وارتبطت أكثر بالأدباء أبناء جيلى، منهم: حلمى ياسين، محمد مختار، فكرى داوود، أحمد الشربينى، كما تعرفت على بعض الشعراء من الجيل الذى تلى جيلى، منهم: أشرف الخضرى، عفت بركات.
وكان يتردد بقوه أسم الشاعر والكاتب سمير الفيل فى جلسات السمر الحميمة، فقد كان مسافرا للعمل بالصحافة بالمملكة العربية السعودية، ولم أكن قد تعرفت عليه من قبل، بل كنت قد قرأت ديوانه الأول "الذى لم يحضرنى اسمه" الذى صدر فى سلسلة إشراقات أدبية، وبعدها بعدة سنوات، إلتقيت به فى إحدى الأمسيات الشعرية بقصر ثقافة دمياط، كان الرجل عائدا لتوه من الغربة لاعنا أيامها ومعلنا أنه لن يكررها أبدا، فقد أدرك أن الغربة تلتهم العمر والموهبة بل وتودى بصاحبها إلى مجرد حصالة للنقود، فقد إكتفى الرجل بأربعة سنوات فقط لتدبير حالته المالية، ولم يقع فى غرام جمع النقود التى أودت بكثير من أصدقائنا الشعراء والكتاب وأصبحوا الآن لايستطيعون أن يكتبوا كلمة واحدة، بل يعيشون فقط على الذكرى، عاد الرجل ليمتشق حسام قلمه يبدع به الشعر والقصة والرواية بل ويتعاطى النقد بنظرته الثاقبة وتحليلاته الواعية التى تنم عن ثقافة واسعة وادراك والمام بالواقع الثقافى المصرى والعربى.
فى تلك الأثناء إنتقلت من إدارة الثقافة العامة لأعمل فى إدارة النشر وانقطعت علاقتى بالإقليم إلا فيما ندر، وقد لاحظت نشاط سمير الفيل المنقطع النظير مشاركا فى كل المؤتمرات والندوات التى تقام فى شتى ربوع مصر، إما باحثا أو مشاركا بآرائه النقدية الثاقبة، أو مشاركا بأشعاره فى أمسياتها، أعجبت بنشاطه الدؤوب وحضوره الطاغى وعلاقاته العنكبوتية والحميمة بأدباء مصر من كل الأجيال، كثيرا ما تقابلنا فى القاهرة وفى أقاليم مصر، ولكن للأمانة الشديدة لم نكن صديقين حميمين، بل مجرد أصدقاء كلمة نتقابل لنتحدث قليلا فى أمور الأدب والثقافة ثم نفترق لنتقابل مصادفة وهكذا، إلى أن أوفدتنى إدارة الثقافة العامة بالقاهرة فى صيف عام 2009، إلى مدينة دمياط لجمع الموروث الشعبى من عادات وتقاليد ومعتقدات، وحرف شعبية مثل صناعة الجريد، ضمن مشروع "وصف مصر الآن"، كنت مشرفا على مجموعة عمل من دمياط، هم: حلمى ياسين، سمير الفيل، فكرى داوود الذى لم يستطع أن يكمل معنا المشروع لظروف مرض ابنته التى رحلت عن دنيانا قريبا رحمها الله، فانتدبنا بدلا منه الأديب محمد مختار، ذهبت فى اليوم المحدد لقصر ثقافة دمياط لأجد فى انتظارى سمير الفيل وفكرى داوود، جلسنا فى مكتب المدير، استأذن فكرى ليذهب متأسفا لإبته المريضة بينما ظل سمير الفيل معى إلى أن أوصلنى إلى الفندق الذى سأقيم فيه الأربعة أيام مدة جمع المادة، صعد معى لأضع حقيبتى فى الحجرة، ولم يتركنى بل أصر أن يصطحبنى معه إلى بيته فى مدينة رأس البر، ذهبت معه وتناولنا الغداء، وظللنا هناك لقرب المغرب وعدنا أدراجنا إلى مدينة دمياط أوصلنى للفندق وتركنى، على موعد لنتقابل فى المساء على إحدى المقاهى القريبة من الفندق لنتفق على خطة العمل.
فى المساء إتصل بىّ فكرى داوود معتذرا، اتصلت بمحمد مختار الذى وافق على العمل معنا فى المشروع، ذهبت على المقهى لأجد سمير الفيل بمفرده فى انتظارى، جلسنا نتبادل أطراف الحديث عن الثقافة والإدب وهموم المثقفين، إلى أن أتى حلمى ياسين ومعه محمد مختار، ثم الكاتب محسن يونس، والناقد مصطفى كامل الذى أتى خصيصا ليسلم علىّ بعدما علم بوجودى، اتفقنا على خطة العمل وكانت ليلة رائعة تحدثنا عن ذكريات جمعت بيننا فى أيام خلت، وما أجملها تلك الأيام.
فى الصباح اتصل بىّ سمير الفيل ليطمئن علىّ، وفى المساء وبعد أن جلسنا على نفس المقهى إصطحبنى إلى بيته فى دمياط وجلسنا لننجز بعض الأعمال على الكمبيوتر، ولمست كم هو مولع بتلك التقنية الجديدة، وكم هو متقن لها، فى تلك الليلة أطلعنى على علاقاته بأدباء عرب من خلال النت، وعلاقاته أيضا بالمنتديات الثقافية، وبعض مشاريعه الإبداعية والنقدية، ظللت ثلاث ليالى نتقابل ليلا على المقهى نتحدث فى خطط العمل لليوم التالى، فى تلك الأيام كنت أقرب ما أكون من الصديق سمير الفيل، لمست فيه طيبة القلب، حبه الكبير لأصدقائه، إخلاصه فى عمله، لا يضيع الوقت فيما لا ينفع، فى صباح اليوم الرابع إتصلوا بىّ من القاهرة لأعود لإستلام جائزة مدينة الشيخ زايد فى شعر العامية، فقد كنت فائز بالمركز الأول، اتصلت بالصديق سمير الفيل لأخبرة بأننى سأسافر اليوم لإستلام الجائزة فى الغد، أحسست من نبرات صوته مدى سعادته بهذا الخبر، ودعنى على أمل اللقاء قريبا فى القاهرة، عدت إلى القاهرة وأنا فى غاية السعادة بتلك الأيام التى قضيتها فى دمياط، واقترابى فيها من سمير الفيل، وتمنيت لو كنت عرفته عن قرب منذ زمن طويل.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق