الصفحات

2011/08/29

"زجاج لا يمرر شعاع البصر" قصة قصيرة لإبراهيم حسين

زجاج لا يمرر شعاع البصر
إبراهيم حسين
اتفاق ضمني بين السائقين على جعل هذا التقاطع موقف لسياراتهم وفى هذا التقاطع الكثير من الضوضاء والسيارات والسباب وتكتمل الصورة بعربة الفول وبائع
الشاي في أكواب بيضاء بلاستيكية
عبثا حاول أصحاب البيوت القريبة الدفاع عن هدوئهم عندما كان يأتي التفتيش المفاجئ يجد المفتش المكان خاليا حتى من بائع الشاي
حينها يبدوا المكان لمن اعتاده غريبا ربما موحشا بعض الشئ
بدأ أهل البيوت القريبة الاعتياد تدريجيا على الضوضاء والعوادم والفوضى أصيبوا بما يمكن تسميته (الصمم الجزائي)
صاروا لا يسمعون إلا الأصوات العالية ولذا تجدهم في أحاديثهم الخاصة يرفعون أصواتهم بدون داع
عندما تأخذ مكانك في السيارة من هذا المكان يتوجب عليك الانتظار حتى يكتمل العدد , شخص ما يمسك بورقة التقطها من الأرض ويكتب أرقام السيارات لضبط حركة الموقف يمكنك من كرسيك هذا أن ترى بائع الفول وهو يعمل بسرعة ولا يتوقف عن الاهتزاز كالبندول تساعده في غسل الإطباق امرأته المنقبة يبدوا المشهد غريبا بعض الشئ حيث إنها تغطى وجهها وتكشف عن ساعديها وترى الأولاد الصغار العاملون على هذا السيارات وهم يمسحونها بفوط وردية اللون ويتضاحكون بنكت خارجه والسائقين جالسين يحتسون الشاي ويلقون بكلمات غير واضحة لأي فتاة تمر, لازالت بعض اللمبات مضيئة فالشمس لم تشرق بعد
تنطلق السيارة وبدا البعض في النوم والبعض في الأكل والشباب يضعون سماعات الأذن ليستمعوا إلى أشيائهم
تسير السيارة بهدوء في محاذاة البحيرة وهناك يمكنك مشاهدة الصيادون الخارجون لتوهم من الماء يسحبون مراكبهم خلفهم وعليها رزق الليل غالبا ما يكون معهم أولادهم الصغار للمساعدة وعند طلوع الشمس يضع هؤلاء الصيادون تظليله يقفون تحتها وقد ضفروا الأسماك في ضفيرة طويلة من سعف النخيل يلوحون به للسيارات المارة
تحلق فوق البحيرة طيور بأشكال عديدة يقولون أنها طيور السمان التي نزلت على سيدنا موسى ويقولون أيضا أنها إوز عراقي مهاجر لست عالما بأنواع الطيور.
أحاول اختراق الضباب لأرى لأبعد مدى في البحيرة ثمة صيادون آخرون لايزالو يحاولون
يزيد من كثافة الضباب أنفاس المسافرين المتكاثفة على زجاج السيارة
عندما تنتهي البحيرة تمر السيارات على كشك المرور وهناك يقف رجل المرور يلبس على زراعه شارات حمراء وقد أحاط المكان بأقماع حمراء وبراميل ممتلئة بالاسمنت رسم عليها من الخارج علم الدولة
مرة يكون واقفا ملتفا بشئ كالبطانية أو واقفا يضع يديه في معطف اسود طويل أو يتكئ على كرسي طويل من الحديد ولكن في كل أحواله لا أرى وجهه ظاهرا
على كثرة ما ميريت من هنا فأنى إن قابلته في طريق لا لن أعرفه
هل هو نفس الرجل دائما, هل هم كثيرون متشابهون , يهدئ السائق من سرعته للحد الأدنى ويلقى بقطعة العملة المعدنية في المربع المصنوع من الأقماع والاسمنت
لماذا معدنية تحديدا ؟ ربما حتى لا تأخذها الريح بعيدا أو لأن الشرطي لن يراها ولكنه سيسمع صوتها على الأرض وهناك عندما تشرق الشمس ويكون بإمكانه إخراج يده من المعطف الأسود الطويل, حينها سيرها تلمع بصفرة محببة جدا إليه.
وبعد أن تمر السيارة بالكشك تعود إلى سرعتها الأولى حتى تمر من أمام قسم الشرطة العتيق واؤلاك الخفر الواقفين أمامه كالتماثيل وبعدها يبدءا الطريق الصحراوي الطويل
هذا الصباح هدأ السائق من سرعته واللقى بعملته المعدنية . لم أرى الرجل في ثكنته ولكنى أرجعت ذلك إلى الضباب القريب جدا من الأرض كضربة فرشاه ضخمه
ولكن أحدا من الكراسي الأولى قال(تلقى بعملتك لفرغ انه ليس هناك)
رد أخر (انه هناك ولكنه متخفي ليرى أن كان أحدا سيحاول التمرد)
وأخر(انه جالسا متجمدا من البرد فهو كما تعلمون عجوز ولا يستطيع التحرك في هذا المناخ)
وأخر(ياأخوه الرجل ليس بموجود انتم تتهيئون انه الظلام والعيبه)
وآخرون(الرجل مع امرأته بالدخل فهو يأتي بها إلى هنا لتلملم المعادن المصفرة لأنه لا يستطيع التحرك)
آخرون(انه يؤتى بامرأته ولكن لغرض أخر .... انتم تعرفون هذا الأشياء)
قهقهات كثيرة
أخير(بالله انه ليس هنا انتم تختلقونه)
وعندها جاء مركز الشرطة العتيق فسكت الجميع
وجاء الطريق الصحراوي الطويل فنام الجميع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق