الصفحات

2011/09/10

ناصر العزبي يكتب: مسرح الجماهير بين الواقع والأمل

مساحة ضوء
مسرح الجماهير بين الواقع والأمل
ناصر العزبي
الحديث عن مسرح الثقافة الجماهيرية بما له وما عليه ، بين الجمود والتطوير ، بين غايته وما تحقق منها ، حاضره ومستقبله ، لا يمكن وأن يكون على عجالة ، بل هو أمر يلزمه مساحة حتى يتم تغطية كافة الجوانب المتعلقة به بين ميزانيات الإنتاج وبين آليات التنفيذ ، وبين طبيعته وخصوصيته ، والمنتج بين الكم والكيف ، وهيكلة إدارة المسرح ، كل ذلك بين التصورات والاقتراحات المستقبلية هو موضوع تلك المساحة التي تأتي في حلقات ، نتناول عي كل حلقة أمر منفصل متصل بالكل مع كل الحلقات .

**
( 1 )
قناعة الدولة وفلسفة المسرح

قبل البداية علينا الوقوف أولاً على مدى إيمان الدولة بأهمية الثقافة وكذا قناعتها بأهمية دورها في التنمية البشرية للمجتمع وأثرها على المستوى العام وهو الأمر الذي يترتب عليه وضع المخصصات المالية في موازنتها وفقا للأهمية في الأولويات.
وعلى نفس النهج تتحدد مخصصات المسرح من موازنة الثقافة ووفقاً لرؤية الوزارة ودرجة قناعتها بأهمية المسرح و أثره ، وهذا بالنسبة للمسرح عامة ، وما يهمنا هنا ـ بشكل خاص ـ هو مدى قناعة وزارة الدولة بالثقافة الجماهيرية ، أو على الأدق بمسرح الثقافة الجماهيرية الذي ينتشر في كافة أقاليم مصر . إذ يتحدد وفقا لهذه القناعة جدوى تناولنا لهذا الموضوع ومن ثم إمكانية تحقيق المنشود .
ومن المؤكد أنه كانت هناك قناعة لدى الدولة أنشئت على أساسها الثقافة الجماهيرية ومن ثم المسرح في الأقاليم ، ونشير هنا إلى أن فلسفة إنشائها وأهدافها ـ التي وضعت منذ حوالى ستين عاماً ـ قد حان الأوان لإعادة النظر فيها وإعادة صياغتها ، فاللوائح والقواعد التي وضعتها قيادات في مراحل سالفة من المؤكد تختلف عن تلك التي تضعها قيادات في مرحلة لاحقة حيث اختلاف كل مرحلة عن الأخرى ، وفقا لما حدث من تغيرات شملت كافة المستويات محلياً وعالمياً ، ووفقاً ما يتواكب مع الثورة المصرية والثورات العربية التي تحياها المنطقة ، ووفقاً لتوحش غول العولمة المهرول في زحفه والذي لن يتهاون عن ابتلاع كل ما أمامه في ظل الثورة التكنولوجية هائلة التي يستغلها لخدمته . مع الآخذ في الاعتبار بأن الأهداف المرجوَّة من الثقافة الجماهيرية في بداياتها لا بد وأن تتطور بعد انصرام أكثر من نصف قرن حيث أن المنشود من طفل وليد ضعيف البنية غير المنشود من شاب يافع له كيانه .
.. نحن لا نملك إلا الحلم والأمل في إحداث تغيير من أجل النهوض بمسرح الثقافة الجماهيرية ، وإنَّا في تلك المرة نلمح حسن النوايا لتحقيق هذا الأمل ، إذن فالتغيير واقع وليس حلماً ، واقع تفرضه الظروف ولكن في ذات الوقت سيواجه بمقاومة المستفيدين من استمرار الوضع على ما هو عليه ، لذلك فإن النوايا لا تكفي بل لا بد من العمل من أجل تحقيق التغيير .
وعلى هذا نقف على أمور ثلاثة أساسية :
أولها ؛ ضرورة معرفة مدى قناعة الدولة بالثقافة الجماهيرية ومدى تناسب تلك القناعة مع طموح فناني الجماهير .
ثانيها ؛ ضرورة إعادة النظر في فلسفة الثقافة الجماهيرية والوقوف على فلسفة محددة لمسرحها تتفق ومتطلبات طبيعة هذه المرحلة في تلك الفترة الزمنية الصعبة
ثالثها ؛ ضرورة النظر بموضوعية إلى حجم تلك الإدارة المنوطة بتحقيق حلم الجماهير ومكانتها بين أجهزة وزارة الثقافة .
ولنتأمل ؛
إن المعني بالتطوير والتغيير للمسرح في أقاليم مصر ليس إلا إدارة عامة تابعة لإدارة مركزية منبثقة عن هيئة استثنائية .. !! وعليه فإن المسرح نشاط ضمن عدة أنشطة ثقافية وفنية تهتم بها الهيئة ، فلماذا لا تكون هناك هيئة مستقلة للمسرح في أقاليم مصر شأنها شأن البيت الفني للمسرح حتى تتناسب مع عظمة وطموح مسرح الأقاليم .
**
( 2 )
خصوصية مسرح الأقاليم
أعود بالذاكرة إلى المؤتمر العلمي للمسرح المصري في الأقاليم في دورته الأولى بالقناطر الخيرية 2006 حيث قدمت " في 10 صفحات " دراسة عنوانها ( المسرح في أقاليم مصر ـ رؤية وتصورات ـ ) وحضرها حشد كبير من المهتمين بالمسرح ، أوضحت فيها سلبيات مسرح الثقافة الجماهيرية واقتراحات لإصلاحها ، ولا أدعي بذلك لنفسي السبق بل سبقني إليه ذلك عشرات المتخصصين ومئات من الفنانين ، وما أقصده ؛ أن أوضح أن السلبيات ليست خافية و ليست اختراع أو اكتشاف جديد ، بل أن بعضها صار مرضاً مزمناً ولكن ـ وذلك هو الأهم ـ هل هناك استعداد حقيقي لتعديل المسار وإحداث التغيير والتطوير ؟!
وبالطبع لسنا بصدد الحديث عن الإيجابيات ؛ بقدر ما نسعى لتسليط الضوء على السلبيات ، حيث أن وجود نتائج إيجابية محدودة يجب ألا تعمينا عن الواقع ، فهي ليست دليل عدم وجود خلل ، وإنما هي استثناءات تنسب لجهد وإبداع مواهب فذة .
ومن العبث أن نضع أيدينا على أذاننا مدعين عدم وجود سلبيات ، أو أن ندفن رؤؤسنا في الرمال ونقول أننا لا نرى مسرح الثقافة الجماهيرية يعاني أزمة ..!
أيضاً ما نطرحه هنا لا يجب أن يفهم منه التحامل على شخص بعينه أو جهة بعينها ، وإنما هي نظرة للحاضر تأمل مستقبل أفضل ، فهي إذن رؤيا مستقبلية تهدف التغيير من أجل الأفضل
عروض الثقافة الجماهيرية لها خصوصيتها ، فهي تختلف عن عروض هيئة المسرح حيث أن لكل منهما فلسفتها التي تختلف عن الأخرى ، فمسرح الثقافة الجماهيرية منوط بوظيفة نشر رسالة مسرحية ـ مباشرة ـ أبعد أثراً في المساحة الأكبر التي تحوي الجماهير المصرية ، رسالة لا تتوقف على مجرد الترفيه عنهم وإنما منوطة بحمل لواء التثقيف ورفع درجة الوعي والرقي بالذوق العام ، وهذا كله إلى جانب دوره الفعال والمثمر في احتضان الموهوبين ممن لديهم ملكات الخلق والابتكار والإبداع ليواصل دوره في اكتشاف الفنانين الحقيقيين وتسليط الضوء عليهم . وهو الدور الذي لعبه ـ مسرح الأقاليم ـ بنجاح فقدم للحركة الفنية أسماء كبيرة أخذت صدارتها في المشهد العام ، ولا يختلف أحد من المتابعين على الدور الهام لمسرح الثقافة الجماهيرية في توسيع قاعدة المسرحيين من الممارسين للعبة المسرحية فكان لذلك أثره في توالد أجيال جديدة وكذلك وجود مسرح مصري حقيقي بديلاً عن مسرح العاصمة بما جعلنا نتخذ منه خطاً دفاعياً فعلياً للمسرح المصري .
لم يسلم مسرح الأقاليم من تداعيات التجريبي ، إذ أنه ـ حسب التوجه الإعلامي ـ انساق الجميع من فنانيه وراء محاكاة عروض التجريبي بغية المشاركة الدولية وفي ظل الغياب النقدي المؤثر ، حيث انكبت بعض عروضه للأخذ بالتعبير الحركي والتشكيل بالجسد دون التركيز على الخصوصية التي كانت تميزه .
وان كانت هناك مساحة من الإبداع
ولنتأمل ؛
ماذا لو حافظ مسرح الأقاليم على خصوصيته دون الهرولة لمحاكاته ، ماذا لو اهتمت آليات الدولة بمسرحنا المصري وشجعت عليه وأقامت المهرجانات التي تحفز على التسابق به من أجل الحفاظ ـ والتأصيل في ذات الوقت ـ على هويتنا ..!
وعليه نطالب بعمل مهرجاناً محلياً أو دولياُ يحمل عنوان " مهرجان الهويات " بما سكون من شأنه دعم مسيرة المسرح المصري وتأكيد هويته وخصوصيته .
**
( 3 )
السلبيات والإيجابيات ليس بخافية
بفقد عدد كبير من الفنانين المخلصين لمسرح الأقاليم كانت الخسارة العظمي لحريق بني سويف إذ بات مسرح الجماهير بلا حليف حقيقي ، لقد فقدنا وقتها رواد ومؤسسين وموهوبين ـ نقاد وفنانين ـ وواكب وتبع ذلك فقدان غيرهم في ظروف أخرى ، الأمر الذي نتج عنه فراغاً كبيراً ، ومن ثم تفاقم السلبيات التي كانت قد بدأت في الظهور منذ أكثر من عشر سنوات .
.. ، ودون استهلاك للوقت ننفذ مباشرة لبعض تلك السلبيات والتي تتكشف بشكل تتابعي ، ومنها ما يمكن اعتبارها سلبيات عامة نذكر منها ؛ قلة المسارح أو الأماكن التي تصلح للعروض بشكل عام ، وأيضاً عدم توافر التجهيزات الفنية للمتوفر منها وافتقادها شروط الحماية الأمنية والمدنية ، وثاني تلك السلبيات العامة يرتبط بضعف الميزانية المخصصة للمسرح الأمر الذي يترتب عليه 1 ـ فقر الإنتاج والذي ينعكس بالضرورة على مستوى المنتج الفني وتقييد خيال المبدع 2 ـ تخفيض عدد العروض 3 ـ ضعف الأجور والمكافآت بما قد يسب الجور على سلفة الإنتاج 4 ـ التصفية وتقليص عدد الفرق . وثالثها الفكر الإشرافي الجامد الذي يسيِّر العملية الإنتاجية بشكل إداري بحت وفق قواعد جامدة لا تتطور بما ترتب عليه ـ بالتبعية ـ قيادة المسرح إلى الجمود ومسخ المسرحيات لبعضها ، وهذا الفكر له من الأثر ما يعد أشد خطراً على مسرح الجماهير من أعدائه .
وننتقل ـ تحسباً للمساحة المتاحة ـ إلى السلبيات المعروفة أو المزمنة ونذكر منها ؛ 1 ـ التأخر المتكرر في بدء الموسم نتيجة تأخر إقامة مهرجانات الموسم المنتهي ، 2 ـ التأخر المتكرر لاستخراج شيك الإنتاج نتيجة تأخر وصول المخصصات المالية للوحدات الحسابية ، 3 ـ التأخر الدائم للإنتاج ومن ثم بداية العروض بما يزحف على مواعيد امتحانات الطلبة المشاركين بالعروض وهو ما يؤثر بالسلب أيضاً على الإقبال الجماهيري لانشغال الأسر بموسم الامتحانات ، 4 ـ ضعف الإقبال الجماهيري العام ، وأرى أن ذلك يستحق محور خاص لبحث تلك القضية أو للإجابة على تساؤل " هل مسرح الأقاليم لا يجذب الجمهور ؟! " وأسباب ذلك . 5 ـ إشكالية كل عام " أماكن استضافة المهرجانات " وبالطبع الاستقرار على إقامته بساحة السامر أو منف ليس حلاً ٌإلا إذا اعتبرنا المهرجانات من قبيل الاحتفالات لا للتسابق الفني لما في ذلك من تأثير على المستوى الفني للعروض لعدم وجود خشبة مسرح وافتقار المكان للتجهيزات . 6 ـ وننتهي هنا إلى إشكاليات لجان المتابعة والتحكيم وما يثار دائماً حول نتائجها إذ لا بد من الحسم والردع لذلك الأمر بما يحفظ هيبتها ، وكذلك مراعاة الموضوعية في تشكيل تلك اللجان واختيار أعضاءها والتحسب لأي احتمالات طارئة .
ولنتأمل ؛
أن كل تلك السلبيات وغيرها أفرزتها المراحل السابقة ، بل أن معظمها ربما ارتبط بتوجهات الدولة أو النظام السابق ، وهذا ما يدعنا ننتظر آملين تصحيح الأوضاع من أجل نصرة مسرح الجماهير وشباب المبدعين .
**
( 4 )
افتقاد إدارات الفرق لفلسفة تميزها
" غياب الفلسفة " هو العنوان الكبير للمسرح في مصر ، فعروض البيت الفني للمسرح يجب وأن تكون لها فلسفة مختلفة عن عروض الثقافة الجماهيرية ، لكل منها أهداف وتوجهات ، بل أن إدارات فرق البيت الفني نفسه تعاني افتقادها للفلسفة التي تميز كل منها عن الأخرى ـ الطليعة ، الشباب ، الغد ، .. ـ ونجد ذلك يتكرر داخل إدارة المسرح بالهيئة العامة لقصور الثقافة ، إذ أن " غياب الفلسفة " أيضاً هو العنوان الذي يمكننا وأن نضعه كمظلة لفرق إدارة المسرح ، حيث لا تمييز بين منتج قوميات أو بيوت أو قصور أو نوادي أو غيرها ..! وأرى بد من وجود فلسفة لكل منها وإلا فلماذا كان التقسيم ؟! ، فطبيعة عروض النوادي تختلف عن طبيعة عروض الفرق ، مع أهمية الإشارة هنا إلى أن إدارة النوادي تكاد تكون الإدارة الوحيدة التي لها فلسفة واضحة المعالم ، بينما لا نجد ذلك متوفراً في إدارات الفرق الأخرى ، وعليه يجب أن تختلف فلسفة عروض فرق القوميات عن عروض القصور عن البيوت فلا يكون التقسيم مجرد خاضع للميزانية وفقط ، ليس لأنهم هواة وليس لأنهم درجة ثانية ولكن لأن لكل منها طبيعة خاصة تمنح إنتاجها خصوصية يميزها عن باقي الفرق ، أيضاً لا بد من تفعيل إٌدارة التجارب الخاصة تلك الإدارة التي من الممكن وأن تكون الأهم بمسرح الثقافة الجماهيرية والمعنية بالبحث والتنقيب في المسرح المصري بما يؤكد خصوصيته ويدعم هويته ، وكذلك تجارب الأماكن المفتوحة الذي يوجد الحلول ويقدم البدائل ويتيح الفرصة لتكوين كيانات متحركة وغير ثابتة ـ غير ملزِمة الإنتاج السنوي ، بل يتم توجيهها لأي كيانات تتشكل من خلال أي موقع لم تك لديه شريحة ثابتة وتشكلت فرقة بشكل استثنائي ، كذلك التأكيد على خصوصية عروض كل من فرقتي السامر وشعبة التجارب ، تلك الفرقتان اللتان يجب وأن يكون لإنتاجهما ما يميزه عن عروض فرق العاصمة ، ..
الآمر إذن لا بد وأن ينتهي عند مديري تلك الفرق ، وعليهم وأن يقدموا رؤى محددة كل يتفق وطبيعة فرق إدارته ، وقد نتفق أو نختلف حول تلك الرؤى ـ وهذا ليس بعيب ـ ولكن يجب ألا تظل مهمتهم محصورة فقط في تسكين المخرجين ومتابعة الإنتاج حيث أن تلك المهمة لا تتعدى الدور الإداري الذي يسير ولا يطور !
ولنتأمل ؛
من المؤكد أن الأمر لا يتوقف فقط على الجهة الإدارية المشرفة على مسرح الثقافة الجماهيرية ، بل أن الأمر يرتبط ـ وذلك هو الأهم ـ علي فناني المسرح في الأقاليم ووعيهم بخصوصية مسرحهم وكنوزه ، ترى ؛ ما الذي يتحقق للمسرح المصري لو وعى الجميع أهمية دوره وخطورته ؟! ، أظن أن على أيديهم تكون الخصوصية التي تكتب له التميز .
**
( 5 )
إعادة هيكلة إدارة المسرح
المتابع لعروض المسرح في أقاليم مصر يستطيع الوقوف على ملامح محددة لها إذ تكاد تكون متشابهة الشكل والمضمون ، ومن أكثر الملاحظات عليها ما يمكننا وأن نطلق عليه الفقر العام " المنظر والإمكانيات " والذي منه أيضاً ـ غالباُ ـ الفقر الفني ، ومن المنطق أن نفس الوجوه " مخرجين ، ممثلين ، .. " لا بد لها وأن تكرر نفسها ، ومن الأهمية أن أوضح بأن الأمر لا يرجع لنفس الوجوه فقط بل يشترك في ذلك الجهة المنتجة ـ الإشرافية ـ إن لم تك هي الأساس بما لها من محددات تمنع وتحدد وهي بالطبع ليست أفراد وإنما قواعد ولوائح وتوجهات ، و انطلاقاً من أن المُدخلات الثابتة تعطي نتائج ثابتة ، فلا بد من إحداث تغيير على تلك المُدخلات حتى يحدث تغيير على المنتج الفني ، حيث أن كسر الثوابت يؤدي للتغيير ويساعد على التطوير ومن ثم ـ ربما ـ الخروج عن المألوف .
من هنا فإن عملية الإنتاج في حاجة إلى صياغة كاملة ، تلك التي لن تحدث إلا بإعادة هيكلة إدارة المسرح داخليا ً وذلك كخطوة أساسية لتغيير الثوابت التي تقود إلى نفس المنتج المتكرر في كل عام مع ملاحظة أن وجود أعمال متميزة محدودة ـ لا تتجاوز العد على أصابع اليد الواحدة ـ لا يعتبر مؤشراً على التميز وإنما تكون هي الاستثناء ، حيث من المفترض أن تكون محصلة المنشود مرضية أو مقبولة ، وتضيف بشكل تراكمي للحركة عامة وللمواقع بشكل خاص لا أن يكون المُنتج مجرد إضافة كمية يتم رصدها من خلال الحصر العددي وتوثيقها بنفس الأسلوب (الترتيب وسنة الإنتاج واسم المخرج والمؤلف ، ..) وإنما يكون التوثيق من واقع تميزها وأثرها وتفاعل الحركة معها ...، ومن هنا وجبت الإشارة إلى ضرورة تغيير الثوابت من اللوائح والقواعد والآليات التي تفرز منتج بالتسمية بغض النظر عن جوهره أو علاقته بفلسفة إنتاجه .
وتكون إعادة الهيكلة باستحداث إدارات وعمل صياغة جديدة لإدارات الفرق ، كذلك إعادة النظر في فلسفة إدارات موجودة أو تحديدها بشكل واضح ، وكذلك إحداث تعديل على الآلية التي تعمل بها إدارة النصوص والأخذ بفكرة المشروع الذي يتحمل فيه المخرج مسؤولية نصه حتى وأن لم يك مجازاً من لجنة القراءة ، وعلى الجانب الآخر من المهم من بحث أليه جديدة لاعتماد المخرجين إذ أن الاعتماد عن طريق نوادي المسرح لا تحقق النتيجة المرجون ومن الممكن عمل إدارة لتجارب المعتمدين من نوادي المسرح أو عمل شعبة لتجاربهم ، ومن ناحية إدارة الإنتاج أرى أنه من المهم التخلص من الثوابت التي تعمل بها إدارة مع تحديد مخصصات سلفة الإنتاج بعيداُ عن بند الأجور بما من شأنه التغلب على فقر الإنتاج ، و تنشيط دور إدارة المهرجانات بشكل أكثر فاعلية كذلك استحداث إدارة للتسويق والإعلام ،وتفعيل إدارة التجارب الخاصة للتواجد بشكل أكبر، وإضافة مهمة معاينة أماكن العروض وصلاحيتها إلى إدارة المتابعة بالتنسيق بينها وبين الأفرع إن لم تنشأ لها إدارة خاصة ترفع توصياتها للجهات المعنية .
ولنتأمل ؛
إعادة الهيكلة خطوة هامة على الطريق الصحيح لتصويب المسار ، وما نطرحه هنا من تصورات يأتي على سبيل المثال ومن قبيل تنشيط الأذهان من أجل التفكير والدراسة والبحث ، وأظن أنه من الممكن أن نبدأ التحرك من أجل عمل ثورة من أجل نصرة مسرح الأقاليم ، وإن لم تبد، الآن .. فبالله عليكم متى تبدأ ؟!!
**
( 6 )
نحو شكل جديد لنوادي المسرح
يعتبر مشروع نوادي المسرح واحد من أعظم وأهم مشاريع الثقافة الجماهيرية عبر تاريخها ، مشروع تنموي بشري حقيقي ، معني بالإنسان ، بل معني بالقيمة الفنية للإنسان و معني بالقيمة الجمالية الإبداعية الكامنة داخل الإنسان المصري ، مشروع يعتمد على االطاقة الشبابية المحلقة في سماء حرية الفن ، وقوده طاقة الشباب وحيويته ، وأساسه الموهبة وروح الهواية ،..
ولكن من الملفت للنظر ـ وذلك في الأغلب الأعم ـ أن المخرجين الذين تميزوا وحصدوا جوائزاً في مهرجانات نوادي المسرح ، لم يحققوا أي تميزاً في تجاربهم مع الفرق النوعية ، بل ربما سقوطهم أو فشل تجاربهم .. !
وبالطبع فإن وراء ذلك أسباب معظمها لا علاقة لها بالفنانين أنفسهم وان كنا ـ في ذات الوقت ـ لا يمكن وأن نتجاوز عنصرا الخبرة وصغر السن اللذان يمثلان جزء منها ولكنه الجزء الأقل أهمية
.. وفي تصوري أن السبب الحقيقي والأهم يتلخص في الاختلاف ؛ اختلاف طبيعة فرق النوادي وطبيعة الفرق المعتمدة ، واختلاف آليات و قواعد العمل في نوادي المسرح عنها في الفرق النوعية ، الاختلاف الأول هو روح الهواية وجنينية الموهبة لشباب الممارسين التي لا تتوافر بالفرق بقدر توافرها في أعضاء النوادي ، والاختلاف الثاني يكمن في تقييد حريتهم ، بمعنى الخروج من نطاق حريتهم حيث كان المبدع هو الملك ، وكان له مطلق الحرية في كل اختياراته ، يتحرك بحرية في اختياره للنص دون تقيده بقيود النصوص المجازة وموافقة الرقابة على المصنفات وموافقة المكتب الفني للفرقة ، كذلك اختياره لمجموعة العمل المتوافقة والمتاحة في إطار علاقاته القريبة أو الحميمية لا في إطار قائمة يلتزم بالتعامل معها من عناصر فنية معتمدة ومصنفة من ديكوريست وملحن و استعراضات أو شاعر .. ولابد له من الحصول على موافقة مسبة لهم قبل البدء في الإنتاج ، هذا كله إضافة إلى قواعد وقوانين ولوائح الإنتاج وميزانيته وبنود الصرف لها ..!
ومن هنا أعود للتأكيد على قيمة مشروع نوادي المسرح في التفريخ الفعلي للمبدعين الحقيقين ، وعلينا الحفاظ عليهم وعلى مزايا المشروع الذي هيأت لهم إبراز موهبتهم وتميزها ، وفي هذا الصدد ؛ أقترح تصوراً وأقدمه هنا حتى يأخذ مساره الصحيح للدراسة والمناقشة ، هادفاً من وراء ذلك السعي لتطوير نوادي المسرح ودعم أبنائها المتميزين .. وهو إضافة للمشروع الأساسي راعيت فيه أن يعطي مساحة أكبر لمالكي موهبة التمثيل ، وكذلك محاولة التغلب على مسببات فشل أبنار النوادي في تجاربهم الأولى مع الفرق ، بل ومحاولة استقطاب المخرجين المتميزين الأكثر خبرة إذا رغبوا العمل من خلال قواعد التجارب المميزة
ويتلخص المشروع في التنوع في الإنتاج بين التجارب التي ينتجها بنفس الأسلوب ، وبين تجارب مونودراما ، وبين تجارب متميزة ، مع التنبيه بضرورة أو أهمية ذلك التنوع على الأفرع أو الأقاليم المنتجه ، تنتج التجارب الأساسية بنفس الآلية المتبعة في أسلوب إدارة المسرح ويخصص لكل تجربة ميزانية ألف جنيه للإنتاج ، و يخصص لتجربة المونو دراما مبلغ 500 جنيه ، بينما يخصص للتجربة المتميزة مبلغ 5000 جنيهاً والشرط الوحيد لها هو عمل المخرجين الذين تميزوا في النوادي أو المعتمدين منها ، و يكافأ المخرج بمبلغ 2000 جنيهاُ ، و1000 أخرى للعناصر الأخرى مع الاعتماد على نظام المكافأة وفق الخصم المتفق عليه دون الالتزام بعمل بطاقة ضريبية ، بينما الـ 2000 جنيهاً المتبقية تكون للإنتاج ، ويتم التعاقد على النصوص لتلك التجارب خارج المقايسة المقررة بمبلغ 1000 فقط ولمدة عام
وعلى من يرغب العمل في التجارب المميزة أن يتقدم بطلب للإدارة ليحصل على الموافقة بتخصيص تجربة مميزة له في حال توافر الشروط به ، ويتم العمل بنفس قواعد نوادي المسرح وليست قواعد الفرق ، ويتم تقييم تقيم جميع التجارب ـ بأنواعها الثلاثة ـ في مواقعها ، ووفقاً للتقييم يتم تصعيد العروض التي حصلت على تقدير أعلى للمشاركة في مهرجانين ، واحد تشارك فيه محافظات إقليم القاهرة الكبرى ومحافظات الوجه القبلي ، والثاني لمحافظات الوجه البحري والقناة ، وتشارك في كل مهرجان عشرين فرقة ( عشرة تجارب للنوادي / خمسة مونودراما / وخمسة مميزة ) ومن المهرجانين يتم تصعيد عشرين مسرحية للمهرجان الختامي والذي يرعى تنوعها كما في المهرجانين السابقين ( 10 ـ 5 ـ 5 )
وبالنسبة للجوائز ؛
بالنسبة للتجارب المعتادة ؛ جوائزها تبقى كما هي بأن تمنح جائزتين " أولى وثانية " في كل العناصر " عرض ، نص ، سنوجرافيا ، موسيقى ، أشعار ، تمثيل رجال ، تمثيل نساء" ، وبالنسبة للمونودراما تمنح جائزة واحدة لأفضل منودراما ، وجائزتين لأفضل ممثل ، وبالنسبة للتجارب المميزة تمنح جائزة واحدة في كل عنصر من العناصر التي سبق الإشارة إليها
وأخيرأ ، أظن أن هذا التصور يتماشا مع فلسفة الهيئة باستمرار دورها في اكتشاف المواهب الفنية ، وأيضاً تحقيق إنتاج متميز في كل المجالات ، ولا أظنه يتعارض مع صالح العملية المسرحية بل هو محاولة لاستثمار ما حققه مشروع نوادي المسرح من نجاحات والمضي قدما بها
**
( 7 )
اقتراح جديد لأسلوب اعتماد المخرجين
**
( 8 )
. . . . . . . .

وجميع تلك النقاط وغيرها من تصورات لها تفاصيل ومن الممكن مناقشتها وغيرها وبمن في مناخ يقبل التطوير ومن الممكن لها تحقيق نتائج مرجوّة خاصة في ظل ما نحتكم إليه من موضوعية ، تقبل تطورها بفكر ي إضافي بما يمتلكه الأستاذ أحمد عبد الرازق مدير إدارة المسرح من خبرات في ذات الشأن ، حيث ألتقي معه في الكثير من الأفكار تعتمد والمعنية بالحفاظ على قيمة هذا المسرح ومن المؤكد أن المناقشات وتبادل الآراء تثمر ما يفيد مسرح الأقاليم وينهض به وذلك بوضع رؤية مستقبلية عامة ، حيث أننا في تلك المرحلة الراهنة بحاجة شديدة إلى تضافر الرؤى من أجل ألا يسيطر الشرس والأقل قيمة لذي يحارب بكل السبل من أجل أن ينفذ ليتوغل وينتشر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق