الصفحات

2011/09/11

محمد عاشور هاشم للسياسة الكويتية: فرق كبير بين أن تكتب للطفل.. وأن تكتب عنه

موت المؤلف بعد صدور عمله.. يجعل الحكم والتقييم للآخرين
الكتابة للأطفال تحتاج إلى جهد ومعرفة بما يشد انتباههم
القصة القصيرة فن مراوغ يعتمد على التكثيف والاختزال والإيحاء
القاهرة - غادة قدري:
حصل على العديد من الجوائز في مجال أدب الطفل, الذي استطاع أن يبدع فيه, بأسلوبه البسيط والرشيق, وسلاسة السرد, لتشعر معه وكأنك تعود بالزمان الى الوراء, حيث قصص "ألف ليلة و ليلة", لاسيما أن مفرداته قريبة, وخفيفة لها ايقاع في قلب قارئها, انه الكاتب "محمد عاشور هاشم" الذي صدرت له أخيرا مجموعة قصصية, ولكنها هذه المرة للكبار, فعن سر هذا التحول وتفاصيل أخرى كان معه هذا الحوار:
بداية كيف تصنف مجموعتك الأخيرة " في لوحته وحيدًا" وهل هي للأطفال أم تخص الأكبر سنًا?
هي مجموعة للكبار, وان كانت قد تخللتها قصص تتحدث عن الطفل, وهذا ما يُعطيها شكلاً مراوغًا, ليعتقد قارئها أنها للأطفال. الا أن هناك فرقا كبيرا وجوهريا بين أن تكتب للطفل, وأن تكتب عن الطفل, فمن يكتب للطفل يخاطب عقله ووجدانه, بهدف امتاعه, واشباع فضوله نحو العالم المحيط به, والذي يعيش فيه. أما الكتابة عن الطفل فتأخذ أبعادًا أخرى مختلفة, وأرى أن أفضل مثال عليها, هي شخصية الطفل "كمال عبد الجواد" في ثلاثية نجيب محفوظ, فقد سار معه المؤلف في كل مكان, وأوضح وجهة نظره في كل ما يُحيط به.
اعتمدت في هذه المجموعة على الخيال في رصد المشاهد والصور أكثر من الواقع.. لماذا?
أنا أؤمن بنظرية موت المؤلف, التي تقول بأن المؤلف ينتهي دوره عند اصداره لعمله, وللآخرين أن يحكموا عليه, كلٌ من زاويته. ولكن ربما صادف أن يكون الخيال قد طغى على الواقع في هذه المجموعة, ولا يجب أن ننسى أن الأدب لا ينقل الواقع كما هو, وانما يحوره, ويعيد تقديمه بطريقة أدبية, بعيدة عن النقل الحرفي, والصريح.
الى أي مدى انعكست كتابتك السابقة للأطفال على مجموعتك الأخيرة ?
اعتدت أن أكتب للطفل, وقد حصلتُ على أكثر من جائزة في هذا المضمار, ولكن في الوقت نفسه أرى أن الكاتب يستطيع أن يبدع ألوانا مختلفة من الأدب.
لجأت الى استخدام أسلوب السرد, والحكي المبسط كما في قصص الأطفال, فهل تعمدت ذلك?
هذا العمل مجموعة قصصية, والقصة القصيرة, فن مراوغ, يعتمد على التكثيف, والايحاء, والحذف, والاختزال, فكلما كانت الكلمات قليلة ومحكمة وقصيرة, كان ذلك اكثر فائدة للعمل. أما من ناحية البساطة فهذا قد يصب في مصلحة العمل, وليس ضده, فقد كانت قصص يوسف ادريس, وزكريا تامر, وابراهيم أصلان, بالغة البساطة, وشديدة الجمال والعذوبة. وهناك اتهام كبير لكل من يكتب بلغة رصينة أو عالية بعض الشيء, ليجد كلمة "متقعر" في انتظاره, ولهذا كانت لغتي بسيطة, تماما كما يفعل الكثير من الكتاب رغبة في أن تصل أفكارهم الى أكبر شريحة ممكنة, وأنا أوافقهم على أن تكون المفردات سهلة, من دون أن تصل الى لغة الشارع.
لماذا اخترت قصة "في لوحته وحيدًا"عنوانًا للمجموعة?
في اعتقادي أن اسم المجموعة ينبغي أن يُعبر عما بداخلها من قصص, ولأن كل بطل من أبطال قصصي, يبدو وحيدًا في لوحته التي ترسم "مشكلته, ومعاناته, وحياته", فقد وجدت أن هذا العنوان هو الأنسب للمجموعة ككل, وفي الوقت نفسه لكل قصة عنوان آخر هامشي يعلوها.
برأيك هل الكتابة للطفل أصعب من الأشكال الأدبية الأخرى?
الكتابة للأطفال تحتاج الى جهد أكبر لمعرفة ما هو الشيء الذي يمكن أن يشد انتباه الطفل, ويجعله يُقبل على قراءة العمل. والطفل عموماً يحب الأشياء غير التقليدية, وينجذب للشخصيات غريبة الأطوار, ويتجاوب مع الأحداث المفاجئة, والمتلاحقة, ويسعد كثيرًا اذا ما أحيط كل ذلك بجو من المرح والكوميديا, لهذا فالكتابة له تحتاج الى قدر أكبر من العناية, والتركيز, وتفريغ القدرات.
هل الكتابة للطفل فن قائم بذاته له أدواته الخاصة, أم أنه اجتهاد لا تحدده معايير ?
عندما نكتب للطفل نتبع القواعد نفسها للانواع الأدبية المتعارف عليها, ففي القصة القصيرة الموجهة الى الطفل نحاول الحفاظ على شكل القصة كفن يعتمد على التكثيف والاختزال والايحاء الى آخر ما تقتضيه القصة القصيرة. وهذا أيضا ينطبق على الأنواع الأدبية الأخرى, كالرواية والمسرحية, وحتى الشعر. الأدوات هنا واحدة, ولكن ما يمكننا أن نفعله بهذه الأدوات مختلف تمامًا.
ما رأيك في ترجمة الأدب العالمي, وتبسيطه ومن ثم تقديمه للطفل العربي?
الترجمة شيء مهم جدًا, وعلينا أن نوليها اهتمامًا أكبر مما هو موجود بالفعل, كما لا يجب أن نبسط الأعمال الموجهة للكبار حتى لا تتأثر, وتفقد شيئًا من مضمونها, وجمالها, فمن يقرأ مثلا رواية "مئة عام من العزلة" لماركيز بلغتها الاسبانية, ثم يقرأ ترجمتها العربية سيصاب بصدمة كبيرة, فالفرق شاسع, حتى أن أديبًا كبيرًا مثل يوسف ادريس, لم تعجبه الرواية في ترجمتها العربية, واتهم نفسه بالخبل لأنها لم ترق له, في الوقت الذي يشيد بها العالم كله, وما حدث قد يكون سببه خلل الترجمة, وفشلها في نقل الرواية كما هي في لغتها الأم, وقد ترجمت كاملة, فكيف تكون الحال اذا ما تم تبسيط واختزال الأعمال. أعتقد أن ثمة تشويها ما سوف يصيب العمل, ولكي نتجنب هذا المصير أقترح أن نهتم بالأعمال الجيدة الموجهة بشكل صريح نحو الطفل, ونترجمها كاملة.
بمن تأثرت من الكتاب ?
هناك كثيرون تأثرت بهم, ويكفي أن يعجبني عمل واحد لأحد الكتاب, أو أن أتذوق سطرًا, أو لمحة له حتى أقر بأنني تأثرت به. وهناك أعلام لا يستطيع أحد أن يغفل تأثيرهم الكبير على معظم الكتاب الشباب, منهم على المستوى العربي, ملك القصة القصيرة يوسف ادريس الذي يقف - في رأيي - على قمة الهرم الابداعي, مع صاحب نوبل نجيب محفوظ. ثم يأتي بعدهما أسماءً أخرى ذهبية كحنا مينا, والطيب صالح, وزكريا تامر, وخيرى شلبي, وابراهيم أصلان, وغيرهم. وعلى المستوى العالمي هناك كويلهو, دينو بوتزاتي, تشيخوف, تولستوي, فوكنر, أليكسي هيلي, ألبرتو مورافيا. وفي أدب الطفل هناك كامل كيلاني, وأحمد نجيب, ويعقوب الشاروني.
ولكن هل أخذ كتاب الأطفال حقهم في الانتشار والتكريم في الوطن العربي?
حينما نتكلم عن كتاب أمثال كامل كيلاني, وعبد التواب يوسف, ويعقوب الشاروني, وأسماء أخرى, فستكون الاجابة بنعم. أما اذا تكلمنا عن أسماء أخرى كثيرة, فاجابتي هي لا. ولكن هذا شأن كل شيء في الحياة. فحتى من يكتبون للكبار لم ينالوا جميعًا القدر نفسه من النجاح, وانما اختلفت أنصبتهم, فمنهم من سطع نجمه, ومنهم من نجح ولكن ليس بالدرجة الكافية. وأعود وأكرر أن هذا أمر طبيعي, فالبشر متفاوتون في أرزاقهم.
كيف يتواصل الآباء مع الأبناء في ظل صراع الأجيال, واختلاف الذائقة الأدبية بينهما?
الآباء يملكون بالفعل أشياءً كثيرة, ولديهم القيم والمبادئ والأخلاق والدين, وهي أشياء ثابتة لا تتغير, ولكن ما يتغير هو طريقة التعامل معها, فالآباء أخذوا هذه الأشياء من آبائهم, وهم بدورهم يمررونها الى أبنائهم, وكل منهم تعامل أو سيتعامل معها, وفقا لما تقتضيه حياتهم, وهو ما عبر عنه سيدنا علي بن أبي طالب, كرم الله وجهه, حين قال: " ربوا أولادكم لزمان غير زمانكم".
ما الدور الواجب على المهتمين بالكتابة للطفل, في ما يتعلق بتربية الأجيال الجديدة ?
عليهم أن يغرسوا في نفوس الصغار القيم والأخلاق والأسس التربوية والدينية التي تعينهم على مواجهة أيامهم المقبلة, وأن يبينوا لهم الصح من الخطأ, والشر من الخير, والجميل من القبيح, وكيفية التمييز بين المحبوب والمكروه, وبهذا يكون قد أدى كاتب الأطفال دوره كضلع ثالث بعد الأسرة والمدرسة.
أخيرا, ما مشاريعك الأدبية المقبلة?
ستصدر لي خلال الأيام القليلة المقبلة, مجموعتان قصصيتان للأطفال, احداهما عن "مكتب التربية العربي لدول الخليج" وهي المجموعة الفائزة بجائزته هذا العام, والأخرى عن الهيئة المصرية للاستعلامات, وتتناول ما حدث في الشارع المصري ابان ثورة 25 يناير المجيدة.. كما أستعد كذلك لاصدار مجموعتين, احداهما قصصية والأخرى مسرحية, على غرار كتابات "توفيق الحكيم " في كتابه مسرح المجتمع.
http://www.al-seyassah.com/AtricleView/tabid/59/smid/438/ArticleID/155473/reftab/76/Default.aspx

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق