الصفحات

2011/09/27

"عَبْزْفْ"، اَلْقِرْدُ الهَجَّاءُ


"عَبْزْفْ"، اَلْقِرْدُ الهَجَّاءُ
(قصة قصيرة بقلم محمد سعيد الريحاني)


إلى كاتب مغمور فكّر في تجريب الكتابة في السنة الرابعة قبل تقاعده وموته. وحين لم تسعفه العبارة، فكر في تجريب مونولوج ينفتح فيه على ذاته فقابل المِرْآة حيث هالته بشاعة خلقته بوجهه الكالح وجبهته التي تمتد من فوق حاجبيه مُنزلقة نحو ظهره على متن صلعة مقرفة. وبدل أن يهجو صورته كما فعل سلفه "الحطيئة"، حَوَّلَ عدائيته وعدوانيته نحو ضمائر الأمم ومشاعل الشعوب، نحو الفنانين والمثقفين.


- إلى أين تجرّ هذا القرد المسكين، يا رجل؟
- إلى مراكش حيث سيعلن اليوم مساءً عن ميلاد "جمعية اتحاد هجائي جامع الفنا"، وهي جمعية تضم هجائين من كل الأنواع الحيوانية من بشر وقرود وغيرهما. وستحظى هذه الجمعية بدعم مالي ومعنوي من الدولة مباشرة بعد منتصف الليل...
- وكيف عرفت أن قردك سيقبل كعضو مؤسس في الجمعية قبل وصوله إلى مراكش. ماذا لو استقبله الأعضاء المؤسسون بإيماءة واحدة فأحبطوه كما تحبط القنابل الموقوتة أو لاقوه بكلمة واحدة  فحَنّطوه كما تحنط التماسيح والأفاعي؟!...
- إنه قرد هَجّاء وأنا واثق من قبوله عضوا مؤسسا ونائبا لرئيس الجمعية قبل حتى وصول الحافلة التي ستقلنا معا...
- وما مواضيع هجائه؟
- الفنانون والمثقفون...
- والسياسيون والطغاة والمستبدون، ألا يدخلون في دائرة سِهامه؟!...
- القرود لا تفقه في السياسة كيْ تهجو السياسيين. فضلا عن أنها تخشى العقاب. السياسيون شرسون وعَضُّهم لا يبرأ والقرود تعرف هذا. أما المثقفون والفنانون فلا أنياب لهم. لذلك كان الهجوم عليهم سهْلا وآمنا.
- هل يمكنني حضور "بروفة" من "بروفات" هجائه؟
- بكل سرور لكن عليك ألا تتفاجا بقدرة القرد على النطق بمقطعين لغويين أو أكثر دفعة واحدة...

تملكت السعادة ربّ القرد الذي أخرج من قرابه السّوط أولا ثم فك وثاق القرد ثانيا، راسما بضربات سوطه على الأرض حدودا لتحركات القرد في "بروفاته".

مسح ربُّ القرد بكفه على رأسه حتى تمططت جبهته وطالت صلعته فصاح القرد:
- "السوبرمان"!

ثم وضع ربُّ القرد دائرتين حول عينيه مرسومتين بإبهاميه وسبابتيه فصاح القرد:
- "الكناوي"!

قاطع الرجلُ السائلُ سيولة ال"بروفة"، موجها السؤال للقرد مباشرة:
- أفهم أن هذه ألقاب تطلقها على فنانين ومثقفين إما صُلْع أو لَهُمْ نظارات. لكن، أنت، أيها القرد الهجّاء، بهذه الصّلعة المقرفة وهذا الوجه البشع، ما اسمك؟
- أنا "عَبْزْفْ"!

استدار الرجل نحو ربِّ القرد، مستفسراً:
- هل هذا هو اسمه، "عَبْزْفْ"؟!

أومأ ربُّ القرْدِ بإيجاب استفز السائل الذي بدأ احتجاجه على تسمية حيوان باسم مُهين:
- هذا إجحاف في حق القُرُودِ والقِرَدَةِ. أليس من حق القرْد أن يستفيد من اسم مقبول، على الأقل كأسماء الكلاب: بوبي، ديك، دوغي؟ أنا، شخصيا، أشعر بالاشمئزاز من هذا الاسم؟
- كيف تشعر بالاشمئزاز من "عَبْزْفْ" كاسم مرشح لنيل جوائز هذا الأسبوع؟
- الجوائز على ماذا؟ على هجاء الفنانين والمثقفين؟!

تأفف الرجل الذي بدا نادما على اليوم الذي لاقى فيه قردين ينتميان إلى نوعين من الأحياء:
- إذا كانت الجوائز مُسْتَسْهَلَةً إلى هذه الدرجة، فاليقين الذي بدأ يتشكل أمامي الآن هو أن "عَبْزْفْ" ليس فقط اسم فَرْد أوْ قِرْد وإنما هو علامة ثقافة جديدة تنخر العظام في صمت وتستشري في الدماء في غفلة من الأحياء الذين سيجدون أنفسهم ذات صباح قِرَدَةً خاسئين ينتظرون مواضيع للهجاء، وَأكُفّ للتّصفيق، وَسِياطا لرَسْم الحدود!...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق