المنهج الموضوعي في النقد الأدبي
عودة روح العمل الجماعي للمصنفات النقدية
صدر عن مكتبة الآداب بالقاهرة العمل النقدي الجديد للدكاترة سيد قطب وعبد المعطي صالح وأحمد يحيى وأحمد عبد العظيم وعلاء عبد المنعم، ويحمل العمل عنوان "المنهج الموضوعي في النقد الأدبي: تيمة الرحلة في السرد والشعر نموذجًا"، ويمثل الكتاب الذي يقع في 248 صفحة إحياء لروح فرق العمل الأكاديمية على مستوى المصنفات النقدية، ويوضح أ.د/ سيد قطب فلسفة الكتاب في مقدمته فيقول " تبدأ الدراسة الموضوعية للنص الأدبي باختيار أحد المفاهيم الواضحة في العمل, ذلك المفهوم الذي يمثل القضية المحورية في غالب الأمر, والقضية المحورية هي "التيمة": THEME" , إنها تلك الفكرة التي يناقشها النص ويضع لها البنية التشكيلية ويكرس لها العناصر الفنية, بالتالي لا يمكن بحال من الأحوال الفصل بين الدرس الموضوعي والأبجدية الجمالية للنص الأدبي باعتبار المفهوم أو المعنى أو المقصد الفكري للعمل يسري في القنوات التعبيرية وتؤطره البنية النصية كما يجري السائل في مساراه وداخل إطاره, ومن هذا المدخل تعد المعالجة الموضوعية للإبداع قراءة تحليلية دقيقة للتشكيل الفني والأسلوبي وتحديد للأطر التعبيرية التي تتشكل فيها الأفكار وتتخذ منها القضايا وحدات تنصب فيها الرؤى والدلالات والمواقف الأيديولوجية والخلفية الثقافية التي يستظل بها المجتمع, لذلك يمكن القول إن المناهج النقدية المختلفة ربما تتجاور معا تحت مظلة منهج واحد في الظاهر, لكن القارئ الذي يقوم بتفعيل آليات التحليل يجد نفسه في أرض منهجية أخرى لوهلة وكأن هناك نوعا من التناص العلمي يلتقي مع التناص الإبداعي أو كأن الأصوات المنهجية تتقاطع في الأداء وهي تنسج خطابها مثلما تتعدد الأصوات في العمل الإبداعي.
والمعالجة الموضوعية للنص, أيا كان الموضوع الذي يتناوله الباحث, يمكن أن تكشف عن رؤية كلية للتجربة الإنسانية, لأن الموضوع له مركز دلالي يستطيع الدارس الانطلاق منه وتحديد الدلالات الهامشية والإيحائية التي تدور في مجالات حول هذا المركز, وعن طريق رصد الأفق الدلالي كاملا تكتسب الخريطة التي بدأت منها الدراسة ملامحها الواضحة وتوضع الخطوط الخاصة تحت بعض التضاريس (النقاط) التي تقود إلى غاية المعالجة, وتزداد ألوان الدلالات المركزية عمقا, ويحدث نوع من الترابط بين المعاني والبنى التشكيلية كان خافيا في البداية, مثلما تظهر الخطوط الرابطة بين شبكة المعاني, وتصل الدراسة إلى مركز آخر أكثر ارتفاعا يمكّنها من الإطلال على العقل المبدع وسياقه الثقافي وأبجديته التعبيرية وطريقة عمل إدراكه في رصد تجربته الشعورية على نحو مستقر في الرموز البيانية.
إن عناصر الموضوع تمتد أمام الدارس في خط أفقي (على المستوى التركيبي), لكنها تضع أمامه في خط رأسي مواضيع أخرى (على المستوى الاستبدالي) يجد الباحث فائدة كبيرة في مناقشتها لأنها متعالقة بالموضوع الذي اتخذه مدخلا للدراسة, كما أن التقابلات الثنائية تفرض نفسها في كثير من الأحيان لأن الرؤية الإنسانية تدرك الشيء بنقيضه, فتضفي المعالجة الثنائية القائمة على مفهوم التقابل ثراء على الدراسة وتزيد من عمقها وصحة نتائجها, بالتالي نجد المنهج الموضوعي يفيد من نسق النظرية اللسانية حينما ينتبه الدارس إلى علاقتي التركيب والاستبدال, ويدرك أن الأفكار دوائر متداخلة ومتقاطعة ومتماسة كما هو الحال في نظرية الحقول الدلالية, مثلما يفيد ممارس المنهج الموضوعي من النظرية البلاغية العامة أو الدعم التصنيفي البنيوي لها إذا وضع في الاعتبار أهم مفاهيم النظرية البنيوية وهو الثنائيات المتقابلة, ولا يمكن تجاوز دلالة البنية بحال من الأحوال في احتواء الرؤية الإبداعية للموضوع, وهذا أمر مطروح في البنيوية التكوينية يضع أمام الدارس رافدا منهجيا يفيد في المعالجة الموضوعية, وإذا كانت دائرة القراءة النصية تكسب التحليل الموضوعي آليات اكتشاف العمل الأدبي من داخله وعبر أطره, فإن دائرة القراءة الإنسانية تفتح الأفق النصي أمام الدراسة الموضوعية فتقدم القراءات الحضارية والتاريخية والاجتماعية والنفسية والأسطورية دعما قويا للباحث الذي يعالج الرؤية الإبداعية كما تنعكس في موضوع بعينه.
إن إفادة المنهج الموضوعي من مناهج النقد المختلفة سواء في المقولات أو بعض التقنيات الإجرائية لايعني بحال من الأحوال أن القراءة الموضوعية تنقصها الدقة أو تلجأ إلى تيارات منهجية أخرى لاستعارة آليات تفتقدها, وإنما يعني أن التحليل الموضوعي يتميز بالمرونة ويمنح الباحث أفقا رحبا للحركة ولا يغلق مجال العمل مكتفيا بمعالجة خلية نصية أولية بمعزل عن نسيجها الكلي أو عملية إنتاجها التداولية, ولا شك أن الأقوياء لديهم دائما الثقة التي تمكنهم من التحاور مع الآخرين باعتداد والتفاعل معهم بقناعة للوصول إلى نتائج أفضل , ولكن الباحث الذي يهرب منه خيط المعالجة النقدية فيلتمس من منهج آخر المساعدة دون أن ترتبط تلك المساعدة بموضوعه أو دون أن يفيد هذا الدعم في الوصول إلى الرؤية الإنسانية التي ترى العالم على نحو ما وهي تغزل نسيج العمل الأدبي وتضع لمساتها في جنباته, فإن نتيجة معالجته لن تكشف الرؤية الإبداعية أو تفسر العملية الإدراكية التي تتم في رحلة تشكيل العالم النصي وتسكين المعاني في رموزه.
مجهود أكتر من رائع
ردحذف