الصفحات

2011/10/30

الصحافة الالكترونية، هل هي بديل عن الصحافة الورقية؟..

الصحافة  الالكترونية، هل هي بديل عن الصحافة الورقية؟..
عمار الجنيدي

ظلّ هاجس البحث عن مساحة أوسع لحرية التعبير يدور في ذهن كل من يسعى مُطالِباً  بمساحة أوسع للتحرك الإبداعي والثقافي والنهوض الفكري والإصلاح بمختلف مستوياته، حتى كان اللجوء إلى الفضاء الالكتروني وإلى المدونات والمواقع التي يمكن بواسطة فضائها الرقمي أن تتيح مجالاً للإعلام الافتراضي كي يأخذ مكاناًً يستطيع فيه رفع  منسوب الحرية والنزاهة والشفافية بالاقتراب من الحقيقة بشكل واسع وسريع ومؤثّر.
بعض الصحف اليومية والأسبوعية تدافعت نحو سباق النشر الالكتروني عبر مواقعها الخاصة، مما جعل  البعض يطرح الصحافة الالكترونية كخصم وكبديل عن الصحافة الورقية، بسبب انتشار المواقع الالكترونية الإخبارية وامتلاكها ميزة السرعة في النشر والانتشار، إلا أن اعتمادها على تضخيم الأخبار والبهرجة والتلميع واستعمال مختلف التزاويق والبهرجة واستغلال بوابة الحريات الإعلامية، ومنافستها حتى على الإعلان، ناهيك عن حواراتها الفجة ومعالجاتها الفورية وشعورها بالتفوق، الخروقات الفردية  والسطو الفكري والإبداعي، حتى حدود القرصنة بمختلف أشكالها، ولهاث الكثيرين للدخول إلى عالم الشهرة، قد جعل الحاجة ملحّة إلى ضوابط ومرجعية أخلاقية ومهنية إعلامية، والتدخل عن طريق وضع ميثاق شرف إعلامي؛ فلم يعد مقبولا أن تظل الصحافة الالكترونية  بلا ضوابط إعلامية ومهنية وأخلاقية، وهي بحاجة إلى ميثاق شرف وقانون ينظم عمل تلك المواقع تشكم به إرادة العابثين والمتصيدين، خاصة بعدما أفرزت  تجربة بعض المواقع الإلكترونية العديد من الانتقادات التي تصبّ في أخلاقيات مهنة الصحافة ودورها السامي في النهوض بواقع الأمة، والتساؤلات التي تثار حول افتقارها إلى الشفافية والمهنية والواقعية وافتقارها  إلى المصداقية؛ ففيها؛ تلجا الكثير من هذه المواقع إلى الإساءة والتشهير بالشتم والردح؛ بإتاحتهم للتعليقات التي تثير بعضها النعرات الإقليمية والجهوية، وبعضها ينتهج طريق التخوين والتكفير بغية تصفية حسابات شخصية، والتي تقود في الغالب إلى انتقادات لا تمسّ المهنية بمصداقية ولا أخلاقية، أو إلى اغتيال الشخصية؛ هذه التعليقات تُنشر في العادة بأسماء مستعارة، حيث يتاح لها المجال أن تنال من سمعة الآخرين دون رقيب أو حسيب، والمتذرعة بحرية الرأي الآخر، فالقارئ يجد حرجا في متابعة بعض التعليقات التي لا يمتّ نشرها لا بالمهنية الإعلامية ولا بالناحية الأخلاقية التي يُفتَرَضْ أن تتحكم بكثير من ضوابط النشر، فالكثير من التعليقات لا تمت إلى الأخلاق أو المهنية، لأنها في انتقاداتها تحمل شهوة القدح باعتباره بوابة للدخول إلى عالم الشهرة والتلميع، واللهاث وراء بريق الظهور والشهرة الإعلامية، وهي بالتالي لا تثري المتابع بسبب فقدانها للمصداقية وانعدام الحرية المسئولة فيها وتضخيمها الأخبار، مما يوقع  هذه المواقع الإخبارية في فوضى الانتشار الذي لا يُعطي للمصداقية فرصتها في التجلّي.

ثمّة مواقع الكترونية تستحق الاحترام والمتابعة بسبب مهنيتها العالية المنحازة للكلمة الطيبة؛ الراكضة خلف الخبر الصحفي بكافة أبعاده الإنسانية مبتعدة في صياغتها للخبر إلى البُعد الأخلاقي الذي يمتح من معين التجربة الإنسانية فتتجمّل عَبرَهُ القباحات ويصير المعنى منحازا إلى بعده التربوي التنويري الهادف إلى إعطاء عِبْرَة ومعنى لينتهي إلى غاية في أبسط عناوينها: "الارتقاء بالكلمة إلى مصاف الإبهار".

وفي المقابل فإننا نلحظ مواقع إخبارية عنوانها الانحطاط والإسفاف والبحث الدءوب عن الرذيلة أينما حطّ ذباب مراسليها، تلك التي تفتقر إلى ابسط معايير النزاهة والشفافية وتفتح ذراعيها للشللية وتمرير المصالح الشخصية والتآمر والانحياز إلى السخافات وإعلاء شأن الانحطاط والرداءة، فكيف يمكن أن نحترم موقعا الكترونيا لا همّ لناشره إلا الإساءة لمن ولا يرقون له، يقتنص معاندة الصحفيين والشعراء والناشطين الاجتماعيين؛ يقنص الهفوات ليجعلها خطايا كبيرة ترقى إلى مستوى الفضائح فينشرها على أنها سبق صحفي في مجال جمع الرذائل والفضائح.

يبدأ مشوار الموقع الالكتروني بفكرة غالبا ما تكون تلك الفكرة سامية ونبيلة، يقبع على أولويات أهدافها مصلحة الوطن وإعلاء هموم إنسانه الطيب، لكنه سرعان ما ينقلب على الأهداف السامية، ليأخذ مشروع الكلمة بالتجيير للمصالح الشخصية والفئوية والشللية ثم تضيق به الحال ليصير إلى لعبة الإقليمية وإقصاء الآخرين ولعبة الإساءة إلى رموز وطنية بالاستقراء ببعض المأجورين لتشويه سمعة من لا يروق له مالك الموقع ومحرره، لتنفرد أمامه مساحة التشهير والتنكيل والطعن والقدح بذمم الآخرين وأخلاقهم وسلوكياتهم، ليشيع الإحباط والإسفاف والخنوع.

وقد ساهمت ثورة التكنولوجيا في انتشار غير مضبوط وكيفما أتفق للإعلام الفضائي والمدونات الرقمية على الشبكة العنكبوتية ؛ فيرى البعض هذه المدونات كإعلام بديل، بينما يرى آخرون شانها المعرفي القليل نتيجة هزال ما تقدمه، ذلك أنها وسيلة سهلة لترويج المعلومات الخاطئة والإشاعة وهي وسيلة سهلة لاغتيال الشخصية، وإن الكثير من المدونات تفتقد للشروط الأخلاقية، فهي تسعى لتشهير وتشويه وتجريح سمعة الأفراد فلا تحترم خصوصياتهم بل تعمد إلى الإمعان إيذائهم حد الإذلال والنفي.

وأصبح (الانترنت) مع امتداد واتساع المجالات المتاحة للشبكة العنكبوتية ملاذا لمن يريد أن يعبّر عن آرائه الخاصة أولا وعن همومه الاجتماعية ثانيا والإنسانية بدرجة مشابهة، فيستخدمون المدونات الخاصة (المسماة بالbloggers) ، لهذا الغرض، ليبثّوا من خلالها أصواتهم وينشروا آراءهم السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية، والتي تشهد في الكثير منها نقاشات ذات سويّة ثقافية ووعي متميز، ومنهم من يخصصها لجمع المقالات المنشورة على المواقع المختلفة والتي تعجبهم، أو لنشر إبداعاتهم الأدبية أو الفكرية أو الفنية.


حركة التدوين تلعب دورا إعلاميا مهما تشكل فيه الرؤية المعرفية حلقة وصل بين وسائل وسائط الإعلام القديمة والجديدة، وهناك من يطلق على المدونات الرقمية مصطلح : "الفضائيات الانعزالية " نظرا للقيمة الإعلامية الهابطة التي تقدمها ، حيث أن معظم هؤلاء المدونين هواة وغير متخصصين بالفعل الصحفي أو الإعلامي فهي لا تضيف شيئا يذكر في مجال الحرية الصحفية ، إضافة إلى أن اللغة الدارجة فيها هي اللهجة العامية السوقية ، حيث تسيطر عليها المضامين العاطفية تصل معظمها حد الإسفاف.

معظم هؤلاء المدونين هم من المثقفين الذين يسعون إلى استقطاب واهتمام الرأي العام بهم وبما يطرحونه من أفكار ونقاشات ومساجلات، مع علمهم الأكيد أن المدونات الرقمية ليس لها في الغالب ذلك التأثير الحاسم في الرأي العام ، كما تفعله الصحافة والأعلام المقروء أو المرئي على وجه التحديد، ورغم أن جلّها تتكون من مبادرات فردية لأناس يبحثون عن منبر خاص بهم، لكن نجاح هذه المدونات مرهون بقدرتها على إحداث تغيير ما أو نقلة نوعية بتأثيرها في المجتمع وبتناولها للقضايا الاجتماعية والاقتصادية التي تتناولها في العادة بطريقة ناقدة حقيقية تتسم بالصدق والموضوعية.
وتشير الدراسات المتخصصة بان الخسائر الناجمة عن الجرائم المتعلقة بجرائم الانترنت قد فاقت في تقديراتها على عشرات المليارات من الدولارات ، ولم يسلم من عمليات النصب والقرصنة لا القطاع العام ولا القطاع الخاص ، لان المواقع العامة والخاصة هي مواقع سهلة وعرضة للانتهاك من قِبَلْ المتسللين، ولأنها مواقع بلا حماية أو لضعف وسائل حمايتها أو لضعف تأمينها ضد عمليات التسلل.
ويمكن تعريف هذا النوع من الجرائم بأنه : كل عمل غير قانوني يستخدم فيه الحاسب الالكتروني في تنفيذه أو تسهّل ارتكابها، وتشمل جرائم التجارة الالكترونية والقرصنة والاختراقات بمختلف غاياتها كالتعطيل أو الإساءة عن طريق تخريب المواقع أو الارتياد أو إنشاء واستخدام مواقع إباحية أو ترويج للدعارة وتجارة النساء والأطفال والمخدرات والإرهاب وغيرها، مما يجعلها غاية في الخطورة فحتى المتخصصون لا يقدرون على إيقافها، فهذا النوع من الجرائم يتطلب دراية ومعرفة متخصصة بتقنيات الكمبيوتر والانترنت، وعليه فهي جريمة دولية لأنها عابرة للحدود ، وهي من الجرائم حديثة الولادة ناجمة عن حمل غير شرعي للتطور التكنولوجي وركوب موجة الجريمة الذكية المفروزة عن ظواهر التَعَولُمْ، حتى اعتبره الكثيرون بأنه الوجه القبيح للتكنولوجيا.

ومع ازدياد خطورة هذه الظاهرة، وتحوّل الأمن الرقمي إلى ساحة قتال عنيف بدل انتشار وشيوع المعرفة وتسهيل الخدمات على البشرية ، خاصة بعد أن تعدّى ذلك إلى التشهير وتشويه السمعة التي تهدد مستخدمي الانترنت، والسطو على الحسابات المصرفية في البنوك وسرقة الأموال؛ حدت ببعض الدول للاستعانة ببعض قراصنة الكمبيوتر والانترنت المعروفين بال HACKER ، لمساعدتها في مكافحة الجريمة، وللحد من ظاهرة الإرهاب ، من خلال الدخول إلى أجهزة بعض المستخدمين ومراقبتهم.

والقصص الكثيرة التي تتناقلها وسائل الإعلام عن عصابات قراصنة الانترنت تبلغ في طرافتها حدّاَََ يقف على تماس الدهشة والإعجاب، من خلال دخولهم غير المشروع لمواقع وبيانات مستخدمي الانترنت وإعطابها أو تشويهه أو تزويرها أو حتى الحصول عليها.
ولا تبتعد المدونات كثيرا بإشكالياتها المختلفة عن ما تعانيه وتفرزه الفضائيات، خاصة عندما يكون البعد الأخلاقي يبث الثقافة الرديئة المشوهة والمستنسخة أو المقلدة للثقافات الأخرى.
إن معيار المنافسة المهنية هي أهم المعايير التي تحكم الحراك الإعلامي، لكن بعض الفضائيات والمدونات الانعزالية قد خرجت من سوق المنافسة، وقد أصبحت الحاجة ماسة للحد من هذه الفوضى الانعزالية، بوجود قانون ينظم هذه الفوضى.
لقد بات التعريف بالمخاطر الأمنية والاجتماعية والاقتصادية للجرائم التي يتم تنفيذها عبر شبكة الانترنت مطلبا ملحا ومُلزِماً لكل من يتعامل معها، حتى لا يُساء استخدامها أو التقليل ما أمكن من هذه الإساءة، ومنها إلى العمل على سن وإصدار قوانين وتشريعات خاصة للتعامل مع هذا النوع من الجرائم، ضمن قانون التزوير والتزييف والقرصنة مشتملة على التعريفات الخاصة بها وفقرات العقوبات المحددة لها بدلا من الاعتماد على اجتهادات بتطبيق القانون الجنائي واشتباهات جرائم المعلوماتية.
لكننا في النهاية لا يمكننا إلا المراهنة على أولئك النفر المخلصين إلى القيم النبيلة والمشتغلين بها والظانين بها الظن الحسن، الساعين لخير الأمة والوطن بحُسْنِ انتمائهم وولائهم إلى الكلمة الخيّرة الطيبة النبيلة التي نروق لسماعها وما يترتّب عليها من خدمات جليلة للوطن وما فيها من خدمة إنسانه التائق لمن ينصره ويقف إلى جانبه في مواجهة إرهاصات وأعباء هذا العصر المكتنز بالمشاكل والهموم والرزايا،، لا من يقف بمواجهته ساعيا للنيل منه وتشويه سمعته والحطّ من قدره طامعا في الحصول على مكتسبات رخيصة.

amrjndi@yahoo.com
Amrjndi.maktoobblog.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق