الصفحات

2011/10/04

يوم آخر

يوم آخر
 أحمد طوسون



اليوم لن أفعل شيئا تقليديا..
لن أقبل زوجتي وطفلي في الصباح.. سأترك شعر لحيتي ينبت بحرية مستمتعا باخضراره الطري، وأحتسي قدحا من القهوة على معدة فارغة ضاربا بتعليمات طبيبي عرض الحائط .
 سأتلصص على جارتي الأرملة وهي تنحني لتقبل طفلها فينفرط عقد رمانها الشهي من قيد سوتيانها الأسود فتشبه سلمى حايك في فيلم زقاق المدق midaq alley"".. سأتحسسها ببصري ونظراتي العاجزة وأعريها قطعة قطعة أمام الجيران الذين يختبئون خلف أبواب شققهم الضيقة يرقبوننا من خلف عدسات أبوابهم إشباعا لعادة التلصص لديهم، ثم أخرج لهم لساني وأهبط السلم درجة درجة، ببطء وتكاسل من لا يرتبط بمواعيد دفاتر الحضور والانصراف.
 لن استخدم المصعد ولن أكون مضطرا لمصافحة البواب وإعطائه بعض الجنيهات من أجل أن يواصل المصعد دورته اللا متناهية في الصعود والهبوط  وسأشتري بتلك الجنيهات زهرة!
 ربما لن أعرف لمن سأهديها وسأضطر ساعتها أن أضعها في منتصف مقعد نظيف خال أمام الكورنيش، كان من المفترض أن يتسع لعاشقين لم يأتيا منذ زمن..
 سأدندن بأغنية قديمة لم أعد أحفظ كلماتها، سأزوم وافتعل بعض الأصوات والترانيم معتقدا أنها تشبه اللحن الذي ما زال يتردد من بعيد في أذني وستعاودني تلك الحالة الشجية كلما سمعت ذلك اللحن الآتي من الماضي كطيف عابر، وسأغالب رغبة الدموع في التساقط كما تساقطت الأحلام وقطع العملة المعدنية التي أغرقتنا بها الحكومة من جيوبي المقطوعة بإشعال سيجارة وسب السائق الذي كاد يدهس قدمي حين سقطت من على الرصيف..
سأسير متجاهلا محطة المترو، ولن أزاحم الركاب في محطة الباص لألحق بحيز يتسع لجسد وحيد في أتوبيس من أجل اللحاق بدفتر صاحب عمل لا يحب أن يرى بعينيه إلا دوران التروس المستمر دون أن يسأل نفسه ماذا تهرس في دورانها..
وأي رجل يجلس هناك خلف دورانها، وهل كان باستطاعته في هذا الصباح أن يقبل زوجته وطفليه ويفعل كما تفعل التروس في دورانها دون أن يفكر في جدوى كل ذلك الدوران الذي يطارد حياته.. بداية من دوران الأرض والأقمار والشموس في أفلاكها، وانتهاء بدوران كل شيء من حوله؟!
سأسير حتى بائع الأعلام واشتري واحدا ، سأرفعه عاليا وأصيح مطالبا بإسقاط النظام.
ولن ألتفت إلى الذين يرفعون أعلامهم وينبهونني إلى أن النظام سقط!


كاتب مصري، القاهرة

خاص كيكا
 http://www.kikah.com/indexarabic.asp?fname=kikaharabic%5Clive%5Ck3%5C2011-10-01%5C310.txt&storytitle=

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق