الصفحات

2011/12/16

مركز عبد الرّحمن كانو الثقافي يُقدّم أمسيةً عن تاريخ التعليم في البحرين


مركز عبد الرّحمن كانو الثقافي يُقدّم أمسيةً عن تاريخ التعليم في البحرين
كتبت- زينب علي البحراني
في أمسيةٍ جمعت بين المعلومة المفيدة والحقائق المُدهِشة؛ غصّت قاعة "مركز عبد الرّحمن كانو الثّقافي/الملتقى الأهلي" مساء ليلة الثالث عشر من شهر ديسمبر 2011م بالتوّاقين إلى الثّقافة، والباحثين عن المعرفة، والمُهتمّين بتاريخ التعليم في البحرين، ليُنصتوا إلى الباحث/ يوسف صلاح الدّين الذي قدّم مُحاضرةً ثريّة تلاها حوارٌ مفتوحٌ تحت عنوان: " بداية التعليم الحديث في مملكة البحرين"، بإدارة الأستاذ/ فاضل حبيب.
تطرّق الحديثُ إلى حقائق تاريخيّة قيّمة تسلّط الضوء على تفاصيل معروفة وأخرى منسيّة من تاريخ التعليم الحديث في البحرين. منها أنّ التعليم بدأ بداية مُبكّرة جدًا في هذه البُقعة من الأرض قياسًا إلى المناطق المُجاورة، بسبب التلاقح الثقافي والمعرفي بينها وبين دول أجنبيّة متقدّمة علميًا في حينها كـ "بريطانيا" و "الهند"، الأمر الذي جاء بتصوّرٍ حضاري مُتقدّمٍ يستحق الالتفات. وأشار إلى أنّ "مدرسة المُبشّرين" كانت أوّل مدرسة تستقبل الطلاب وتعلّمهم تعليمًا راقيًا في البحرين، ورُغم أنّها جاءت من الخارج إلا أنّها احترمت قيم طلابها والمجتمع الذي تعمل فيه، كما أنّ حرص الآباء على إرسال أبنائهم الصغار إلى "المطوّع" لتحصينهم بتعلّم قراءة القرآن الكريم وحفظه حققت معادلة استفادة أولئك الأبناء من علوم تلك المدرسة دون تأثّر بتوجّهاتها التبشيريّة. كما أشار إلى أنّ "مدرسة العجم" كانت أوّل مدرسة أهليّة على أرض البحرين. قبل أن يدعو ذوي الوعي والمعرفة من الأهالي إلى تأسيس مدرسة نظاميّة غير مدرسة المبشّرين عام 1919م، إلا أنّ الطلب واجه مُعارضة شرسة من بعض رجال الدين غير الواعين، فوقف الشيخ "قاسم المهزع" قاضي الطائفتين في حينها وقفةً لا تنسى في صف تأسيس المدرسة لصالح مُستقبل العلم وبناء الإنسان في هذا البلد، فتم افتتاح "مدرسة الهداية الخليفيّة" للبنين عام 1920م. تلاها طبعُ كتابٍ خاص بتعليم الطلبة عام 1923م، وفي عام 1928م تم تأسيس مدرسة للبنات، تلتهما مدارس أخرى فيما بعد، وظلّ الأهالي يُديرون المدارس حتى عام 1930م، بينما كان مُدرّسو الطلاب من البحرين، والكويت، والسعوديّة، والعراق، ومصر، ثمّ جاء بعدهم آخرون من إنجلترا والهند.
مع ازدياد عدد الطلبة الذي رافقه كساد اقتصادي في تلك الفترة؛ أطلّ العجز الإداري والتعليمي برأسه مُهددًا مسيرة التنمية التعليميّة في المنطقة، لكنّ اكتشاف النفظ بكميّات تجاريّة عام 1932م في البحرين، و تصدير حمولة أوّل سفينة منه إلى اليابان عام 1934م ساهم في دفع عجلة التنمية في مختلف نشاطات البلد الحيويّة، وعلى رأسها التعليم.
وتجدُر الإشارة إلى الأهميّة الكبرى والرّسالة الرّفيعة التي أدّاها التعليم في حينها بأن زاد من الترابُط المُجتمعي بين الأطياف والطوائف دون تمييز، وأكّد على أهميّة دور المرأة في المُجتمع البحريني ووهبها فرصة أوسع لتأكيد ذاتها وكيانها، كما تمّ إرسال ثلاث مُدرّسات بحرينيّات إلى "سورية" في حينها لرفع مستواهُنّ العلمي قبل أن يعدن بشهاداتٍ تؤهّلهنّ للتعليم بأرقى الطرق، ثمّ أرسلت بعدها ثلاثٍ أخريات إلى "العراق" لاكتساب مهاراتٍ جديدة في مجال التربية والتعليم. وكانت البحرينيّة "عائشة يوسف خونجي" هي أوّل خليجيّة تدرس الطب في بلدٍ أجنبي عام 1929م، ورغم أنّها لم تُكمل دراستها هُناك لسببٍ ما؛ إلا أنّ تلك الفترة المعرفيّة التي قضتها في الخارج قد وسّعت مداركها إلى حدٍ جعلها من رائدات التقدّم المجتمعي في البحرين بما قدّمته من نشاطاتٍ ينصبّ أكثرها في إطار خدمة المرأة والارتقاء بمُستواها على مختلف الأصعِدة.
هذا وقد أثيرت بعض الومضات التّاريخيّة الطريفة المواكبة لقضايا المعرفة في الماضي على هامش الحوار المفتوح، منها أنّ الكتب والمجلات والصحف المطبوعة كانت تصل من مصر إلى البحرين عبر الطريق البحري منذ عام 1870م لتتلقفها النخبة القادرة على القراءة في ذلك الحين، ولأنّ السفينة المُحمّلة بتلك الغنيمة المعرفيّة بالنسبة لهم لم تكُن تصل إلا مرّةً واحدةً في الشهر؛ فقد كانت الصحف تأتي على شكل رُزمةٍ كبيرةٍ لتواريخ فائتة بالفعل، وكانوا مع هذا يتلقّونها بشوقٍ هائل ليُطالعوا عددًا واحدًا من أعداد تلك الرّزمة يوميًا إلى حين موعد قدوم السفينة التالية بعد شهرٍ آخر.
وردًا على سؤال أحد الحاضرين للباحث يوسف صلاح الدّين بشأن وجهة نظره إزاء الأسباب التي هبطت بمستوى شغف الطلاب بطلب العلم والمعرفة مما كانوا عليه طُلاب الأمس؛ أجاب الأستاذ الباحث بأنّه يرى أنّ حرص الطالب في الماضي على التعليم ناجمٌ عن إدراكه لقيمته الحقيقيّة بسبب صعوبة حصوله عليه، إذ كُلّما سهل حصول الشخص على شيء زهد فيه. كما أنّ المُعلّم بمهابته واحترامه في ذلك الحين كان قدوةً للطالب في سلوكه، وأنّه هو شخصيًا مازال حتى اليوم حريصًا على سلوكيّات اكتسبها من أساتذته خلال ستّينات القرن العشرين، منها العناية بالمظهر، والشعر، وارتداء ربطة عنق باستمرار قبل الخروج، بل وحتّى الاحتفاظ بمنديلٍ خاص في جيبه أينما ذهب. وهُنا أخرج من جيبه منديلاً قماشيًا أبيض يُشعّ نظافة، مطويًا بعنايةٍ شديدة، ورفعه أمام مرأى الحاضرين، الأمر الذي أثار تعليقات استحسانٍ طريفة.
ثمّ ذكر حكايةً مازالت عالقةً بذاكرته منذ أيّام الدراسة الماضية، وهي أنّ مدرّسًا كان يوبّخ تلميذًا مهملاً في الصف على تقصيره الدّائم، فردّ عليه التلميذُ مُدافعًا:
- أنت تقول ذلك يا أستاذ لأنّك تجد كُلّ شيء جاهزًا في حياتك، وتنال ما تُريده بيُسرٍ وسُهولة.
فأجابه الأستاذ برفقٍ للمرّة الأولى، رُغم كونه عصبيّ المزاج بطبعه:

- مش صحيح الكلام ده يابني.

وشرح له كيف أنّه لا يعيش بالسهولة التي يتصوّرونها، فهو ينقل دفاترهم كلّها على درّاجته الصغيرة إلى مسكنه ليُصححها، وهناك يبدأ عملاً آخر يتمثّل بإعداد طعامه لنفسه، وغسل ثيابه بمفرده، وتنظيف المكانِ في ظروف ذاك الزّمن الصعبة، ومع هذا يحرص على تأدية جميع واجباته تجاه نفسه وتجاه الآخرين بحرصٍ وإتقانٍ شديدٍ دون تهاوُن.
وكم كان من الغريب بالنسبة لأولئك التلاميذ أن يأتي صاحبهم الذي سأل الأستاذ في اليوم التالي بشخصيّةٍ مُختلفة، قوامها الاجتهاد والتّهذيب! الأمر الذي يؤكّد أنّ كلمة المدرّس كانت مسموعة بالقلب والعقل والوجدان في حينها، وكانت له مكانته التي لا يمكن تعدّي حدودها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق