الصفحات

2012/02/24

الانترنت وتأثيرها على الميل نحو القراءة بقلم: السيد نجم


الانترنت وتأثيرها على الميل نحو القراءة
بقلم: السيد نجم

لقد شكلت التقنية الرقمية الجديدة قوام الحياة اليومية للأفراد (وان اختلفت من مكان إلى آخر, ومن دولة إلى أخرى)، أصبحت "المعرفة" تقود إلى الثروة والتحديث من خلال "الإبداع" و"الابتكار" سواء في المشروعات الاقتصادية أو الثقافية.
وفى مجال الإبداع الأدبي، شهد العقد الأخير من القرن الماضي أول قصيدة، رواية/قصة رقمية عالميا، وعربيا في أوائل القرن الجديد. وبرز السؤال حول طبيعة "النص الرقمي" وهويته مع ضرورة البحث عن جوانب النقد والناقد الرقمي الجديد، وقبل الجميع ماذا عن القارئ/المتلقي/ المستهلك/المتصفح.. هل من اشتراطات للقارئ الجديد وللقراءة؟

*ما اللغة؟.. لعل الاقتراب من معنى أو تعريف اللغة، هو التعرف على كونها وسيلة- بحسب تعريف اللغويون والفلاسفة- أي من خلال "الوظيفة"، وظيفة اللغة.. حيث هي وسيلة التواصل والتماثل بين الأفراد والجماعات. فهي شفرة الاتصال وصورة تمثل الأشياء والعالم والكون كله إلى أنفسنا. فباللغة نتعارف معا ونتعامل أكثر عمقا، وبها نعلم تصنيف الأشياء.
إلا أنه من المتفق عليه أن هناك قراءة للموسيقى والفنون التشكيلية وغيرها، دون الحاجة إلى الأبجدية (غير الموظفة أصلا في إنتاجها).. وقد أصبحت هي نفسها من مفردات اللغة الرقمية في مجال "الإبداع الرقمي".

*ما القراءة؟.. هي عملية إرادية، متفق على قواعدها، لفك طلسم ما، وتحويله من رمز إلى معنى ودلالة متفق عليها سلفا، وهو المعنى البارز في قراءة اللغات، سواء المعتمدة على الشكل "مثل الهيروغرافية" و"المسمارية" و"الصينية"، أو المعتمدة على "حروف الأبجدية" فقط التي عرفتها أغلب اللغات في العالم فيما بعد.

*المعرفة واللغة والإبداع.. وقد حاول البعض تعريف "الإبداع" بكونه الإتيان بالجديد، وهو تعريف غامض، فليس كل جديد يعد إبداعا.. لعله تعريف ناقص لم يعط الإبداع الفني والأدبي دلالاته (الإبداع الجمالي).. ذلك الجمال الذي هو نتيجة ملاكات أعلى (التفكير) والتي تميز الإنسان عن غيره من الكائنات. ومع معطيات الرقمية أو التكنولوجيا الجديدة في الاتصال والإعلام، بكل وسائطها المرئية والمسموعة والمكتوبة والممغنطة والالكترونية، ماذا عن حال الإبداع فيها؟ وما تأثيرها على المتلقي؟ وهل هناك مفهوم جديد للإبداع بالنظر إلى هذا المعطى الجديد، وبالتالي كيف نقرأ معطيات "الإبداع" الجديد والمتاح أيضا؟

*عناصر الإبداع الجديد.. وسائط التقنية الرقمية، هي: الصورة-الصوت-اللون والرسم، ثم الحركة، وتجيء الكلمة في النهاية (بعد أن كانت قبلا "الكلمة" في المقدمة). وهو ما يعنى أن "النص الرقمي" متعدد الأدوات، ومتنوع، يخاطب الأحاسيس والمشاعر ولم يتخل عن العقل. سوف نتناول عنصر "الصورة" أكثر تفصيلا، نظرا لسيادتها على التقنية الجديدة في كل المجالات، حتى سمى العصر الجديد ب"عصر الصورة".

-"الصورة" نصا ثقافيا..
الآن لا يمكن تصور الحياة المعاصرة من دون الصور. فالصورة حاضرة في الأسواق وفى الوسائل التعليمية, وعبر الإعلام والفنون المرئية, وأخيرا على شاشات الكمبيوتر.
تعريف الصورة ودورها.. يشتق المصطلح من كلمة لاتينية تعنى "محاكاة", وفي المجال السيكولوجي مترادفة مع: "التشابه", "النسخ", "إعادة الإنتاج", وفى العربية تعنى "هيئة الفعل", "الأمر وصفته". أما الصورة الرقمية المولدة بالكمبيوتر فقد أدت إلى تحولات جذرية في الثقافة الإنسانية, نظرا لدورها كمعلومة, مع سهولة الحصول عليها والتعامل معها, ثم تخزينها وإنزالها.

-علاقة الصورة بالاتصال الأدبي.. لأن الصورة واحدة من أهم وسائل الاتصال, فقد وضع "شارل بالى" الصورة الأدبية في الاتصال الشفاهى جوهر المجاز, واعتبر المجاز معيارا للتميز بين المكتوب والمنطوق. كما أن الأنثروبولوجيون يعتمدون على الفولكلور الشفهي بوصفه مفاتيح لفهم أفضل للثقافة. أما وقد كانت "الصورة" من خلال البحوث الأدبية محددة بالوظيفة الاستعارية للصورة اللفظية. أصبحت "الصورة" في مرحلة تالية تعامل بوصفها "نصا ثقافيا".

*الصوت معضد للصورة في اللغة الرقمية.. يعد الصوت وسيط هام بين الإنسان والبيئة التي يعيش فيها، وهو عادة يقسم إلى صوت مرتفع وآخر منخفض.. أو أصوات منفرة وأخرى محببة. وقد بدأ الموسيقى "شيفر" دراساته حول كون الصوت مجال هام في الاتصال، أو "الاتصال الصوتي". وقد تبعه في البحث "تروا"، الذي خلص إلى أهمية الصوت في كونه وسيلة لتبادل المعلومات.. وخلص إلى أنه عادة يرجع الصوت إلى السؤال: ما أو من؟ أي السؤال عن مصدر الصوت، إلا أنه لاحظ أن بيئة المستقبل، يمكن أن تتقبل أصوات ربما حادة أو منفرة، مثل تلك الصفارة (الصوت الحاد) التي تسبق تشغيل الانترنت، ومع ذلك لا يشعر المستمع بالنفور، لأنها تهىء المستمع إلى الدخول في الشبكة العنكبوتية. وقد أنتج الباحث/ الموسيقى ما يعرف ب "الموسيقى البيئية"، وذلك بأن قام بتسجيل بعض الأصوات الموسيقية، ثم قام بتمديد الموجات الصوتية، فبدت وكأنها تذاع بالسرعة البطيئة وهو ما يجعل المستمع لها إحساسا وكأنه داخلها.

*رؤية رقمية حول الثقافة والأدب.. وفى مجال الكتابة والإبداع يجب الإشارة إلى أن مفهوم الكتابة في أي نص يتم من خلال تحليل بناء النص ذاته.. وهى مسئولية مشتركة بين الكاتب والقارئ معا. كما أن الإبداع تعبير عن الذات ومحاولته للتحقق في هذا العالم دون أن يتخلى عن الواقع الاجتماعي المعاش. وهو ما أبرز التساؤل حول خواص وملامح هذا الإبداع الجديد
*من ملامح البلاغة الرقمية.. تشير د.عبير سلامة بأنه توجد في السياقات النقدية الغربية، والموسوعات، أربعة مصطلحات لتعريف بلاغة الميديا الجديدة، هي: البلاغة الرقمية Digital Rhetoric /البلاغة الإلكترونية Erhetoric/البلاغة المرئية Visual rhetoric/ بلاغة الإنترنت Web Rhetoricفإذا كانت الرقمية وبلاغتها تعني: فن الإقناع في وسائل الإعلام الإلكترونية، أو فن توجيه المحتوى- في أنواع جديدة من الخطاب، كالبريد الإلكتروني، صفحات المواقع، ألعاب الفيديو، المدونات، والصور المعدّلة ليناسب الوسط الذي يُقدم عبره (الإنترنت). البلاغة هنا تهتم بالعلاقة بين الصورة والنص( في الأفلام، الإعلانات، صفحات الإنترنت، الخ)، الصور في البلاغة المرئية تعبيرات عقلية عن المعني الثقافي. يستوعب مصطلح بلاغة الإنترنت جوانب جديدة للدراسة، قد يساعد في تفسير كيفية الإقناع/ التأثير في هذه البلاغة، عندما يُعاد تشكيلها في الوسط الإلكتروني، والأهم أنه يساعد في تفسير كيف يدعم الاتصال طرق التعبير عن الذات والإبداع المشترك؟ فبلاغة الانترنت تقاس علي جانبين:

-الاعتبارات الوظيفية (مجموع ما يجعل الموقع مُستخدما بسهولة، ومُفضلا)، والآخر جمالي (الاعتبارات المرئية، النصية، والتفاعلية(.
-الاعتبارات الجمالية.. قارئ صفحات الإنترنت هو كاتب أيضا- حسبما ورد- و"القراءة" بالمعنى التقليدي ليست شرطا وحيدا لما يحدث عندما نطالع نصا إلكترونيا، لأن ما يُقرأ لم يعد بنية خطية بالضرورة. كما لا تشتغل الكلمات في وسط الإنترنت بالطريقة التي اعتدنا عليها، بل تذوب- مع المحتوى- في التصميم المرئي، سقطت سطوة الكلمات التي ترجع إلى مسيرة الأبجدية الصوتية والتتابع المنطقي للجمل- تراجعت أمام سطوة الأيقونات والصور المحملة بالأفكار والانفعالات، بخاصة أوساط غرف الدردشة/المحادثات الفورية، والمنتديات.
ومن الخصائص الجمالية: وضوح النص في هذه السياقات أفضل من جودته، حيث الجمل الكاملة/ الفقرات المحكمة/المحسنات البديعية تغدو عبئا ثقيلا على النص يهدد استمراره، والتفاهم المشترك متاح بدون صفاء النص واكتماله، كما في حالة الاختصارات المتعلقة بالتعبيرات الأجنبية المتكررة، لوصف أفعال تتخلل الحوار مثل: lol: laugh out loud، أو لتجنب كتابة تعبيرات شائعة، مثل ..IMHO: in my humble opinion .التمرير السريع للأفكار والمفاهيم، في زمن محدود وبضربات قليلة على لوحة المفاتيح، التلقائية، التركيز على اللحظة الحاضرة- مبادئ أساسية في الكتابة للإنترنت، لأن السياق المتدفق يتطلب تعليقات عاجلة، لا يوجد مجال للاستطراد والشرح، هناك ضرورة تقنية لأن يكون التعبير موجزا.
*متغيرات ذائقة الكتابة والقراءة مع معطيات التقنية الرقمية.. لقد أنتجت "الشاشة"/الكمبيوتر والتقنية الرقمية، ذائقة جديدة بالكتابة والقراءة معا، نظرا لتغييرات عديدة جوهرية، ومنها ثلاثة جوانب..(عرضها د. محمد أسليم) ..الكتابة باعتبارها ورشة مفتوحة على الدوام: وهو الجانب الأول، فتح الكمبيوتر أمام الكتابة آفاقا عديدة، (إمكانية إدراج الصورة والصوت في النص المكتوب.. قابلية الاستنساخ السريعة واللانهائية.. تحميل النص على نصوص أخرى كتابية أو سمعية أو مرئية، وتحميلها إلى نص آخر عبر الروابط الشعبية..
بالإضافة إلى إمكانية تحوير الكتابة والنصوص بالإضافة أو الحذف، مما يجعل النص أشبه بورشة عمل لا تنتهي..اختفاء أو تضاؤل دور الكتاب الورقي التقليدي: يعد ثاني المتغيرات المنتظرة وأرى أن هذا الرأي والمنشور في كتابات عربية/غربية عديدة، إلا أنني ضمن من يرون عدم تحقق تلك الاحتمالية لاعتبارات كثيرة، لعل أهمها أن كل التقنيات التي ابتكرها الإنسان الجديد منها لم يلغ السابق عليها، بل استفاد منها.. كما حدث مع اكتشاف آلة التصوير السينما لم يلغ خشبة المسرح، ولا ابتكار آلة الفيديو التليفزيونية، لم تلغ شاشة عرض الأفلام السينمائية.
وان قال البعض أن هذا التحول (إلغاء الكتاب أو السند الورقي) سيتم على مراحل أو على ثلاث مستويات للتوقع: قصير، متوسط، وبعيد..آفاق جديدة للإبداع الأدبي: وهى ثالث المعطيات التقنية. ومن الصعب جدا الإحاطة بجميع هذه الأجناس التي تتوالد كل حين، منها:أ‌- التبادل الشعري.. ب- الأدب التركيبي.. ج- الأدب الشعبي التخيلي (أو ما يجمعه البعض تحت مفهوم «الخيال التفاعلي»).. د- الأدب التوليدي.. هـ- الأدب المشهدى أو الفرجوي.. و) أشكال هجين.. ز- رواية الواقعية الرقمية.. ح- الشعر الرقمي..
*الشاشة وتحولات القراءة: الملمح الأول.. للوهلة الأولى يجب النظر إلى الشاشة باعتبارها جسدا رباعي الأبعاد؛ فبالإضافة إلى الطول والعرض والصفحة، ثمة بُعد رابع غير مرئي بمثابة متاهة أو عمق لا متناهي يتضمن في الحقيقة مجموع النصوص الموجودة في الشبكة. كما أن الملمح الثاني للقراءة.. يتمثل في تشظية النصوص أو القراءة الشذرية. أما الملمح الثالث فهو مشاركة القارئ..
*أخيرا، مع الرقمية بات حلم الإنسان بالتوثيق منذ آلاف السنين؛ وقد أثمر مشروع مثل مكتبة الإسكندرية في جمع المعارف البشرية المعروفة. وحلم الشاعر "لويس بورخيس" بما أسماه بـ «المكتبة الكونية» التي تضم في رفوفها كل كتب العالم. نشير إلى أن الموسوعة البريطانية الآن في علبة من الأقراص الممغنطة، بينما وضعها ورقيا يملأ حوائط ثلاث غرف كبيرة.. وقد نشر قريبا قرص واحد يضم التراث الشعري العربي كله حتى منتصف القرن الماضي، وبعشرة جنيهات فقط!
....................

Ab_negm@yahoo.com



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق