الصفحات

2012/02/17

ثقافة ما بعد الحظيرة!.. بقلم: أحمد طوسون

ثقافة ما بعد الحظيرة!
أحمد طوسون
سألني صديقي في اجتماع لجنة ثقافة الطفل الأخير عن السبب في عدم مقاطعتي لكلمة أحد الكتاب الكبار بعد أن طالت كلمته مثلما قاطعتُ كلمة رئيس الإدارة المركزية للشعب واللجان بالمجلس الأعلى للثقافة مطالبا إياه بأن ينهي كلمته بعد أن أخذ من وقتنا أكثر من نصف ساعة يشرح لنا فيها طبيعة عمل اللجان ودورها، رغم أن أكثر من نصف الأعضاء قضوا أكثر من عشرين عاما بين جدران المجلس ولجانه.. وكل الأعضاء بالطبع من الأدباء والكتاب والمثقفين الذين يفترض فيهم وعيا خاصا بطبيعة اللجان وعملها!
وربما كنت متجاوزا في حق مقررة اللجنة وإدارتها للجلسة، لكنني لم أكن لأتجاوز في حق الضمير الثقافي _كما أراه_ والذي يحتم علي أن أحترم العقول التي أجلس إلى جوارها على طاولة واحدة، والتي من المفترض أنها ستصوغ رؤية ومستقبل ثقافة الطفل في السنوات المقبلة.
فهذه العقول لها وحدها عرض الرؤى والأفكار والتصورات عن آليات التنفيذ، وعلينا جميعا أن نستمع بإنصات مهما اختلفت الرؤى لما في الحوار والنقاش من قيمة توليد الأفكار، أما كبار الموظفين فعليهم أن يكفوا عن الحديث بألسنتهم ومقارعة الكتاب والمثقفين بالفصاحة والشعارات الكبيرة وعليهم أن يتكلموا بالأفعال على الأرض لأنهم يملكون آليات التنفيذ.
وللأسف الشديد بقدر ما نمتلك من عقول لا يستمع لها أحد بقدر ما نفتقد إلى الكادر الإداري الذي يعي قيمة عطائه في تنفيذ الأفكار التي يصوغها المفكرون والأدباء وفي أداء وظيفته على الوجه الأكمل.. سواء أكان المقعد الذي يجلس عليه كبيرا أم صغيرا.
وآفة الثقافة المصرية في العقود الأخيرة أن المقعد الوظيفي داخل المؤسسة أصبح أهم من الكاتب والمفكر والمثقف، وأصبح الكثيرون من المثقفين يسترضون كبار الموظفين وصغارهم في الوزارة وهيئاتها من أجل أن ينعم بعطاء المؤسسة ونعيمها وألا يصيبه سخطها وإعراضها عنه.
فانقلب الوضع واستأثر الموظفون بالكلمات الكبيرة والرنانة ( فأغلبهم من أهل هذه الصناعة ومحترفيها) واكتفى بعض المثقفين ممن ارتضوا الجلوس في المقاعد الأمامية في الحظيرة بالتصفيق الحار من أجل الحصول على مكان في ندوة أو مؤتمر أو نشر كتاب في سلسلة من سلاسل هيئات الوزارة المختلفة أو الحصول على منحة تفرغ، أو السفر إلى مؤتمر في الخارج.. إلخ
وإن كان هذا الوضع استمر لعقود فليس مقبولا أن يستمر بعد أن دفع الشرفاء من أبناء هذا الوطن أرواحهم في ثورة 25 يناير أملا أن تتحرر بلادهم من الفساد ومن أجل فرص عادلة ومستقبل أفضل لبلادنا لن يتحقق إلا بثورة إدارية في كافة القطاعات.
ولعلني أشير هنا إلى النظرة التقليدية لوزارة الثقافة لعمل اللجان بالمجلس.. حيث اجتمع وزير الثقافة ورئيس المجلس مع مقرري اللجان دون الأعضاء كعادة الوزارات السابقة.. ولم يلتفت أحد إلى أهمية عم اختزال اللجان في أشخاص المقررين كما كان في السابق وإنهاء تلك المركزية التي جعلت هوى الأفراد وقدراتهم الشخصية يتحكم في مسار اللجان وأعمالها.. وكان من البديهي أن يكون الاجتماع الأول للوزير مع كامل اللجان والأعضاء ليتعرف على رؤية هؤلاء الأعضاء لمستقبل الثقافة وتصوراتهم عن عوار تشكيل بعض اللجان وما يحتاجه المجلس ولجانه من آليات لتفعيل دوره الحقيقي.
كما من المهم أن أشير إلى أهمية لقاء تيار هوية الثقافي مع وزير الثقافة ورئيس المجلس الأعلى بشأن وضع آليات جديدة لاختيار أعضاء لجان المجلس ودور المثقف المستقل في الرقابة على مؤسسات الثقافة ومتابعة أعمالها واختياراتها وضمان شفافية تلك المعايير.. لكنني فقط اختلف في مطالبة البعض بدور للجنة الثقافة بمجلس الشعب في وضع آليات اختيار اللجان وتشكيلها.
فخلط الأوراق هنا قد يشكل أكبر الخطر على مستقبل الثقافة المصرية.. فالحق في وضع هذه الآليات سيظل حقا أصيلا للمثقف الفرد أيا كان مكانه أو موقعه أو توجهه وللمؤسسات الثقافية والأكاديمية العامة والأهلية، ومن الخطورة ربطه بالسياسي، لأن المثقف سيظل ضمير وصوت الوطن الحر في مواجهة أي سلطة تحاول الافتئات على الحريات وبخاصة حرية الإبداع والثقافة والفنون بشكل عام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق