الصفحات

2012/03/01

"لو قيض لنا أن نعمل.." قصة قصيرة بقلم: الحسن بنمونة

لو قيض لنا أن نعمل..
الحسن بنمونة
الجيلالي رجل في الأربعين . 
لا يزال شابا ، يانعا كشجرة لا تثمر ولكنها تعمر طويلا . لا يعمل لأنه لم يخلق للعمل.
 يقول إن الذي يعمل لأجل نفسه أو للآخرين ، إما أنه غبي أو أناني . ومع هذا فهو دائما يتدبر شؤون يومه دون عناء.
في الصيف لا يعمل لأنه لا يمتلك المقدرة على فعل شيء . النهوض باكرا وغسل الوجه والأطراف ، وتصفيف الشعر ، وهندسة الجسد بهندام يصلح لهذا اليوم أو ذاك ، والركوب في الباص ثم الوصول إلى العمل في مكتب أو شركة ..ونثر السلام وعليكم السلام ،وسماع وشوشات الموظفين والنميمة . آه ، في الصيف تكون الحرارة مرتفعة ، إذا توسطت الشمس كبد السماء ، وسطعت أشعتها على الهامات ، فعرق البدن ،وشعر بالتعب المضني . عندها يرغب هذا الجسد المكدود في ملء المعدة بالماء . الماء . الماء. الماء. يكون التفكير مشغولا بالماء . هذا السائل العجيب الذي يتساوى فيه الفقراء والأغنياء . وبكون البدن قد تراخت خيوطه ، وهي تبدو غير مشدودة بقوة إلى الخرسانة . 
ثم تراه يصيح : الهواء ، الهواء . ويخف إلى البحر ، وإن كان بعيدا اكتفى بحمام بارد لا أثر فيه لنشوة أو لذة .
في الخريف لا يعمل ، فأوراق الأشجار تتساقط لتهوي إلى الأرض .تطأها الأقدام أو تنجر إلى أمكنة مهجورة . يتراكم بعضها فوق بعض ثم تذوي . هذا يثير في نفسه الإحساس بالحزن ، وأي حزن ؟ لا يقوى على التفكير السديد . يكوّر فكرة ثم يسددها ولكنها لا تصيب الهدف ، فيرجع إلى الأيام الخوالي ، ويود لو كان الفصل ربيعا أو صيفا أو شتاء . ولو كان كذلك لفعل كذا وكذا ، ولكنه خريف ، ولهذا تراه مقبلا على النوم لأن فيه سعادة
في الشتاء لا يعمل لأن من يعمل في هذا الفصل إما جبان أو متعطش للدماء . تعمل في حقول فتنغرس قدماك في الوحل ، وتنهال عليك أمطار السماء فتبلل ثيابك وتولج البرد إلى مسام بدنك . كيف نعمل دون بذل أي جهد يذكر ؟ كيف نعمل وقلوبنا متكلسة ، باردة ، متيبسة كالحجر . آه منا ، نحن العمال في فصل الشتاء . نبرد ونتعب لأجل الآخرين ، ولا أحد يذكرنا بخير .
في الربيع لا يعمل ، وهل يعمل من إذا رأى زهرة تتفتح وفوقها نحلة تمتص رحيقها أغمي عليه من فرط الإعجاب . هذه لذة لا تضاهى ، وتلك الطيور إذا زقزقت بعد عيّ ، والأشجار إذا أورقت وأينعت واخضرت ثم تعالت إلى السماء ..وصاحبنا يغمى عليه عادة في مثل هذه الأحوال لأنه يمتلك إحساسا رهيفا .
فإذا وضع رأسه على الوسادة لام نفسه قائلا : آه منا نحن الذين لا نعمل ، ولو قيض لنا أن نعمل لرأيتم الأعاجيب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق