الصفحات

2012/03/19

" المثقف الديكتاتور " بقلم: أحمد طوسون

 المثقف الديكتاتور
أحمد طوسون
أشد أشكال الديكتاتورية خطورة ديكتاتورية المثقف.. ذلك الديكتاتور الناعم الذي يبتسم في وجهك ويتلاعب بحروف اللغة وبلاغتها
فهو لا يمتلك قوات لفض الشغب ولا قنابل مسيلة للدموع أو غاز أعصاب أو قناصة يربضون فوق أسطح المؤسسات الثقافية ليقنصوا ضحاياه.. رغم ذلك يستطيع أن يصيب ضحاياه بالسكتة الإبداعية والقلبية في كثير من الأحيان.
وبقدر ما عانت مصر من حكم الديكتاتور عبر تاريخها الطويل، عانت بصورة أكبر من الديكتاتور المثقف الذي جرف عقل هذه الأمة وضميرها عبر حقب من الزمن ووأد أجيالا بعد أجيال من الكتاب والمبدعين يمكنك أن تجد حطام أجسادهم على مقاهي المثقفين بوسط البلد أو بمحافظات وأقاليم مصر.
فالسيد الديكتاتور الذي عادة ما يجلس على مقعد مؤسسة ثقافية ما سواء أكانت صغيرة أم كبيرة لا يرى إلا نفسه ولا يرى إلا حظوته وشيعته من المقربين.
وخطورة الديكتاتور المثقف لا تقتصر على أفعاله المباشرة التي أدت إلى إقصاء الحقيقيين عن المشهد .
فطبيعة الديكتاتور أن يجمع حوله الضعاف والمرضى بأشد علل النفوس ويقصي الأصحاء ذوي النفوس الآبية وكلمة الحق الصادقة.. لكن الخطر الأكبر الذي خلفه سيطرة الديكتاتور المثقف يتمثل في جيل من الصامتين المنكفئين على الذات ونرجسيتها وعلى الإبداع الشخصي دون مشاركة فاعلة في قضايا الثقافة والعمل العام والوطن.
ولن ينصلح حال الثقافة المصرية إلا إذا استعادت هذه الفئة من الكتاب والمثقفين والفنانين رغبتها الجامحة في المشاركة والتغيير والوقوف ضد ثقافة الديكتاتور وتابعيه وأن يتعاملوا من منطلق أن مؤسسات الثقافة مسئولية كل مهتم وكل مبدع وفنان في هذا الوطن.. ولا ينتظر أحد دعوة من مسئول أو مختص لأن المسئولين في بلادنا لا يرون إلا تحت أقدامهم ولا يرون إلا صورتهم في مرآة السلطة التي تضخم المسئول و تقزم ما عداه.
يجب أن يتقدم المبدعون والمثقفون والفنانون الصفوف ويقوموا بدورهم الذي توارى في سنوات حكم مبارك وأعوانه لأن صمتهم الذي طال سيجعلنا نعيد إنتاج مبارك ونظامه من جديد.
وربما نعيد إنتاج ما هو أسوأ في ظل وجود تيارات تعادي الإبداع والثقافة وتحاول أن تلقي بتهم من نوعية التكفير والضلال على كثير من أشكال الفنون.
إن قوة مصر الحقيقية في ثقافتها المتجذرة عبر التاريخ وفي كاتبها المصري القديم الذي كان نبع حضارتها عبر الزمن وجعل مهنة الكتابة تحتل المرتبة الأولى بين المهن.. الآن انقلب الحال بأهل الإبداع والثقافة وصاروا عبئا على الحكومات والأنظمة التي حرصت على تجويع الثقافة ليظل صوتها خافتا ناعما أمام فساد وإفساد الحكومات والأنظمة.
ألم يأن الوقت بعد ليتحرر الصامتون من صمتهم؟!

هناك تعليق واحد: