الصفحات

2012/03/06

هوَّ "شَنَب" أبو زيد؟! / أحمد محسن العمودي

هوَّ "شَنَب" أبو زيد؟!
 أحمد محسن العمودي
في فيلم كوميدي قديم، إسمه "30يوم في السجن" -وهو قائم على حادثة حرق شنب شيخ قبيلة بالخطأ- يقول فريد شوقي، عندما جاءه وفد قبيلة "النجْعاوية"-وهي قبيلة صاحب "فَرْدَة" الشارب المحروق- بعد حادث حرق شارب كبيرهم على يديه كما يضنون، مطالبينه بإسم مجلس قبيلتهم، الذي اجتمع خصيصا لهذا الشأن، بتعويض كبير أو الويل والثبور!
فما كان من فريد شوقي إلا أن قال لهم: (طز).. "ياعم صلي ع النبي، يطلع إيه المجلس الهُزُؤْ دا إللي بيجتمع عشان شنب! هوَّ شنب أبو زيد"؟!

ونحن هنا بين يدي واقعة تُقارب حدّ التطابق مع سياق الكوميديا السابقة، مع بعض الإختلاف التفصيلي، وروح فكاهة "أبي الطيب المتنبي" السوداء تتخلها حين قال:
أغاية الدين أن تحفُّ شواربكم ** يا أمة ضحكت من جِهلها الأممُ

والذي حدث في مكة المكرمة أن شابا سعوديا دخل إلى صالون الحلاقة، وطلب حلق لحيته، فجلس وبدأ الحلاق -وهو مصري الجنسية- يقصها له، بينما كان الزبون يعلك في فمه قطعة لبان (علكة)، ويبدو أن يد الحلاق تأثرت بانحرافات الفك من مضغ اللبان بعض الشيء، فمال المقص إلى شارب الزبون، وقص قسماً من الشعر، فتغير شكل الشارب، فغضب الزبون ودخل في ملاسنة مع الحلاق، وتطورت إلى عراك بالأيدي أدى إلى إصابة "صاحب الشارب" في أنفه. ومن ثم وصلت إلى المحكمة التي ستبدأ بالفصل فيها، بعد أن تم حجز الحلاق لـ 8 أيام، وأُفرج عنه بكفالة، إذ فشلت محاولات التصالح بين الطرفين، بعد أن قدّم الحلاق 10 آلاف ريال كتعويض، لكن "صريع الشارب" رفضها في إصرار على الحكم الشرعي من المحكمة في حق الحلاق.
أي أننا أمام حلاق –مغترب لأجل لقمة العيش- مُهدّد بخراب بيته بسبب (فردة شنب)! ففي حالة الإدانه، سيُحكم عليه بشهرين سجن، وغرامة عن الإصابة، وربما يتبعهما -بحكم القوانين هناك- إلغاء لإقامة عمل الحلاق وتسْفِيره لموطنه!!

كم أشعر الآن بالتعاطف مع الحلاق المسكين، وقلبي معه، وقدمي فوق "فردة الشنب" المحلوق.. التي أضحكتنا وأضحكت علينا، وأردد مع فريد شوقي:
- هو كان شنب أبو زيد!!

وحيث أني من عائلة فُطرت على الشوارب وتقديرها حق قدرها، فمثلاً.. أول ما يقابلك من أبي إذا التقيته هو شاربه الكث الشعيرات والسواد، والذي يحرص حتى بعد أن جاوز السبعون –أطال الله عمره- على تشذيبه بعناية وصبغة، لدرجة أني لم يحدث أن ضبط شعرة بيضاء واحدة لتكون كقمر في ليل شاربه. فوجدتني أضع نفسي مكان "صريع الشارب"، وبعد لأيٍ وجهد كي أعيش لحظة أن إحدى فرْدَتَيْ شاربي طُرِحَتْ أرضاً، كما حدث للزبون السعودي، وجدتني أصل -بلا تصنّع- إلى أنّ ذلك لو حدث بسابق إصرار وترصد، دون اي مجالٍ لإحتمالية الخطأ فيه، فإني متخذا طريق:
"لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى...
أما لو كان خطأ محضا غير مقصود -كما في حالة صاحبنا "صريع شاربه"- فإن الأمر لن يتعدى (صالون الحلاقة) مهما عَظُمَ. وهو لا يستحق السعي لتجريم المخطئ عن غير قصد، وخراب شأنه. وسأُردد:
- هو كان شنب أبو زيد؟!
ثم أنها بضعة أيام وسيُعاوِد النمو ثانية في "تبات ونبات.. وربما يخلف صبيان وبنات".

وعلى ذكر "شنب أبو زيد"، كي نُدْرِكَ الفرق اللوجستي بين شواربنا وشاربه:
فشارب أبو زيد هو من عينة الشارب الذي جاء ذكره في كلمات المقطع الأخير من الأغنية الشهيرة (يا صلاة الزين) التي غناها زكريا أحمد من ألحانه وكلمات الشاعر بيرم التونسي، واشتُهِرت بصوت سيّد مكاوي:
أبا سعدى فارس معدود على صيته بايت محسود
وفي صوته شاب المولود على دراعه يقفوا سبعين
على شنابه يقفوا صقرين على كتافه يبنوا قصرين
يا صلاة الزين علي أبا سعدى يا صلاة الـزين.

فهكذا شارب وإلا فلا، ودونه الرقاب بكل تأكيد، وإلا أين سيقف الصقرين لو هَوَتْ فرْدَتيْهِ أو حتى فَرْدة واحدة؟!
ثم إن مثل هكذا شارب قد يكون هو مصدر قوة "أبا سعدى" المهولة -مثل شَعَر "شَمْشون الجبار- والتي جعلته يُقِفُ سبعين على دراعه، ويبنوا قصرين على كتافه!
وبالتأكيد أن شارب صاحبنا "صريع شاربه" ليس مثل شارب أبا سعدى، والتأكيد عندي يأتي من أنه كان يعلك لبان (علكة)، فلو كان مثل شارب أبا سعدى لطار الصقرين من حركتهما جراء هذا العلْك، والذي سيجعلهما يبدوان -في اهتزازهما- أقرب لخصر راقصة منه إلى مهوى صقرين.



شاعر يماني مقيم بمصر
ahmed_alamoudi24@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق