الصفحات

2012/03/25

"غضبة "صمود" من أدباء مصر!" بقلم: مصطفى عبدالله

غضبة "صمود" من أدباء مصر!
مصطفى عبدالله

صداقة تعود إلى أكثر من ثلاثين عاماً تربطني بالشاعر التونسي الكبير نور الدين صمود هي التي خففت من وطأة هذه الرسالة الغاضبة التي وصلتني منه هذا الأسبوع وقررت أن أنشرها لأنها تدخل في الحيز الذي ينبغي أن يطلع عليه كل مثقف منشغل بفن العربية الأول. يقول صمود: "ما دور مصر في عبقرية أبي القاسم الشابي؟ لم ينفك الأدباء المصريون ينسبون لأنفسهم الفضل في عبقرية مشاهير الأدباء التونسيين ولم يريدوا أن يقتنعوا بعدم صحة هذا الرأي رغم الحجج والبراهين التي قدمها لهم التونسيون بحضور الكثير منهم في بلادنا أو بلادهم، وأضرب، لإصرار بعضهم على ذلك أنه عندما استـَشهَد الرئيس المصري السابق بمطلع قصيدة "إرادة الحياة" لأبي القاسم الشابي:
إذا الشعب يوما أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
كتب الناقد المصري المعروف رجاء النقاش مقالا بعنوان (قصة الشاعر الذي استشهد الرئيس به في يوم السلام) نشره في مجلة المصور"المصرية"عدد 3131 بتاريخ ذي الحجة 1414هـ / 13 مايو 1994 ص 8 ولما رأى أن ذلك البيت لشاعر تونسي اسمه أبو القاسم الشابي، وليس لشاعر مصري، راح يتحدث عنه بأنه كان مغمورا في بلاده، وأخذ ينسب الفضل لمصر في تكوينه وصقل مواهبه وخلـْقِه على يد الدكتور أحمد زكي أبو شادي رئيس تحرير مجلة أبولو التي توالى صدورها خلال سنتي 1932/1934 اللتين نشر خلالهما بعضا من قصائده على صفحاتها، وغفل أو تغافل ذلك الكاتب عن شهرته التي نالها في تونس قبل ذلك الشيء الذي دفع أبا شادي إلى مراسلته طالبا منه أن يمد مجلته بشعره ونثره، فقد كتب الرسالة التالية إلى أبي القاسم الشابي:
(14/12/1932: سيدي المِفضال الأستاذ أبو القاسم الشابي المحترم. لجهلي بعنوانكم الخاص بعثت إلى حضرتكم بعنوان (مطبعة العرب بتونس) بمجلة "أبولـّو" فأرجو أن تكون قد وصلتكم.
ونظرا لأنني بين مَن يقدرون مواهبكم الممتازة فأرجو أن لا تـُحرمَ "أبولـّو" نظراتكم الدراسية في الشعر العربي وقصائدكم الفنية. وتقبّلوا أحسن تمنياتي وولائي، المخلص أحمد زكي أبو شادي سكرتير (جمعية أبولـّو).
إذن فقد قرأ سكرتير تحرير مجلة أبولـّو أبو شادي آثار الشابي شعرا ونثرا في مجلة (العالم الأدبي) لزين العابدين السنوسي صاحب مطبعة العرب فراسله على عنوانها، وبما أن هذه المطبعة هي التي طبعت كتاب (الأدب التونسي في القرن الرابع عشر) سنة 1346 هـ 1927م وبعد سنة طبع الجزء الثاني وقد ضم كل مجلد تراجم ومختارات من أشعار ثلاثة عشر شاعرا تونسيا من بينهم أبو القاسم الشابي (المجلد 1 من ص 202 إلى ص 254)، وفي السنة الموالية طبع الجزء الثاني منه، ثم طبع أبو القاسم الشابي في نفس المطبعة كتابه (الخيال الشعري عند العرب) 1348هـ 1929م
وقد نالت قصائد الشابي إعجاب أسرة تحرير المجلة وتجاوز هذا الإعجاب القراء المصريين إلى كافة بلاد المشرق والمغرب العربيين، وهذا ما جعل أبا شادي يرسل إلى الشابي رسالة أخرى بخطه مؤرخة في 13/10/1932 يرجوه فيها أن يكتب مقدمة أحد أهم دواوينه وقد جاء فيها حرفيا عن هذه المقدمة: (...ولكني أُسَرُّ بدراسة من قلمك تصلح تصديرًا لديوان "الينبوع" الذي تقوم بطبعه الآن مطبعة التعاون. وإني مرسل إليك مع هذا الكتاب الكراسة الأولى من هذا الديوان الجديد...)
فإذا طاب لك التفضل بكتابة تصدير لديوان (الينبوع) فيسرني موافاتك بالكراسات التي نطبع منها تباعا تاركا لك حرية التحليل والنقد، ولك أن تـُسهب كما تشاء وأن تضمِّن هذا التصدير زبدة مطالعاتك في الشعر العربي وغيره وما تراه من تطور فيه وما انتهى إليها الآن من منزلة محمودة، بحيث تكون هذه الدراسة بمثابة كتاب عن الشعر عامة وتحليل للديوان خاصة، فنعتز به. وتقبّل يا صديقي النابغة أزكى تحياتي وإعجابي. المخلص دائما أبو شادي).
وقد كتب الشابي مقدمة ديوان "الينبوع" وظلت الصلة متينة بينه وبين أسرة تحربر أبولو وقرائها وظل الإعجاب يتنامى بشعره على صفحاتها، وعندما بلغ خبر نعيه إلى المجلة قرأنا في العدد الثالث المجلد الثالث الصادر في نوفمبر 1934ص 346 هذا الخبر عن وفاته: (أبو القاسم الشابي): في فجر التاسع من شهر أكتوبر الماضي فاضت روح الشاعر التونسي المبدع أبي القاسم الشابي أحدِ أعضائنا النابهين بعد مرض طويل هدّ قواه ولم تنفع في درْئه العناية والعلاج. وقد جاءنا نعيه (مع كتاب منه قبيل وفاته) وهذا العدد على وشك الصدور، فلم نستطع أن نوفيه حقه من الرثاء والتقدير، وحسبنا الآن أن نعزي الأسرة الشابية وأدباء تونس بل وأدباءالعربية عامة في هذا المصاب بشاعر من صفوة الشعراء المجددين قلّ أن يُعوّض).
وبعد هذا النعي ببضع صفحات من نفس العدد نشر أحمد زكي أبو شادي على صفحات 370/372 في باب (شعر الرثاء) قصيدة طويلة على البحر الطويل تحت عنوان "رثاء الشابي" في 36 بيتا منها:
أتــاني كتـــابُ الـــود مِــنـــك وطـَيَّــه*نعِيُّك! يا للروع ينســف أعصــابي!
وفي العدد الموالي الصادر بتاريخ ديسمبر 1934 صفحات 439/460 نجد دراسة عنوانها (أبو القاسم الشابي نظرة في شعره عامة) بقلم حسن محمد محمود وإثرها دراسة أخرى بعنوان (فن الشابي) صفحات 461/470 بقلم نظمي خليل، إلى جانب دراسات وكتابات أخرى في الأعداد الموالية يطول الحديث بذكرها.
فهل يجوز أن نقول عن شاعر بهذه الشهرة في تونس قبل ظهور شعره في بلاد النيل: إن مصر هي التي بوّأته هذه المكانة في عالم الشعر وأن أبا شادي كتب وثيقة ميلاده لأنه نشر في مجلة أبولو - بطلب مُلِحٍّ من رئيس تحريرها - مجموعة من قصائده؟"


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق