الصفحات

2012/04/17

خاتم سليمان بقلم: د./طارق محمد حامد


خاتم سليمان
د./طارق محمد حامد*

الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد:
لقد هالني ما آل إليه حال مصر منذ اندلاع الثورة و حتى الآن و تعجبت من هذا التبجح السافر من بعض رموز النظام المنحل و أذنابهم والذي قامت الثورة لتهدم ذلك النظام الذي أدار الفساد علي مدار العقود الثلاثة المنصرمة وجعلنا نرزح تحت الفقر والجهل والمرض ،وتراجع دور مصر الريادي ثقافيا و سياسيا و اجتماعيا واقتصاديا ،فكانت الثورة نتاجا لذلك كله وقامت لتهدم الفساد ولتبني الأمجاد كما قال إمامنا الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالي،وظل المشهد الثوري الوطني في صعود وهبوط حتى أخرج لنا الفاسدون ألسنتهم بترشيح أحد أخطر رموزهم بل و  أكثرهم إمعانا في الفساد  مما يشي بانقلاب علي الثورة بل و سحقها تماما كما تم سحق الثوار في ميدان التحرير من قبل و ردة حقيقية علي كل مقدرات هذا الوطن والتفاف أفعواني علي دم الشهداء ومصابي ثورتنا المجيدة ،و يعود ذلك في رأي إلي عدة أسباب منها :
الأول:عدم إدراك خطورة هذه المرحلة بأبعادها الثلاثة.
البعد الأول :متمثل في المشروع الصهيو-أمريكي،وهو المشروع الذي يقابل المشروع الإسلامي النهضوي وحاول خلال هذه الفترة بشتى الوسائل والطرق لإجهاض المشروع الإسلامي و وما زال يسعي لذلك سعيا حثيثا لا يشعر به أحد  ويبدو أنه قد نجح إلي حد كبير في ذلك من خلال تشويه الوجه الناصع للتيار الإسلامي من خلال دفع البعض لممارسات مخيفة توحي للبسطاء منا بأن الإسلام هو الحدود من قطع يد السارق و رجم الزاني المحصن و حد الحرابة ،إلي غير ذلك وهذا مشهد شائه للإسلام كمنهج حياة و حصره في هذه الزوايا الضيقة من الشريعة الإسلامية( فهو دولة ووطن وحكومة وأمة و خلق وقوة أو رحمة وعدالة و ثقافة وقانون أو علم وقضاء و جيش وفكرة أو جهاد ودعوة كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء) كما يقول الإمام البنا رحمه الله تعالي .
ولقد تم له ذلك من خلال الزخم الإعلامي الكاسح المتحول قبل وبعد الثورة ،فكانوا قبل الثورة يصفقون للنظام ويحنون له الرؤوس و يرتعون في حضنه محققين بذلك أمرين ،الأول مصلحة شخصية و استمرارية فضائية منافقة ،والثاني اليد الطولي في تحقيق المخطط الصهيو-أمريكي لتشويه صورة الإسلام السياسي كما يسمونه.
البعد الثاني:البعد العربي الرافض لربيع التغيير العربي وصعود التيار الإسلامي في المشهد السياسي:وهذا ما وضح من خلال التمويل الوافر لمنظمات أهليه و أفراد بأعينهم لإجهاض الثورة المصرية وهو ما ظهر علينا بالخروج السافر لأمريكان في قضية التمويل المشهورة ضاربة بكل الحقوق السيادية للدولة المصرية الثائرة و الأعراف والقوانين الدولية عرض الحائط ،وهذا المشهد نتاج تواطؤ لمن يمسكون بأزمة الأمور في مصر من السلطة التنفيذية وبعض من القضاة غير الشرفاء الذي تواطئوا علي الوطن  والثورة  ،وهذه سبة في جبين الإدارة المصرية الحالية لا يمحوها التاريخ ولها ما بعدها من نتائج خطيرة إذا استمر المشهد المصري علي هذا الحال وإذا ما تم تنصيب أحدهم –من النظام المنحل-علي قمة الهرم السياسي رئيسا للدولة ،فستعود التبعية البغيضة مرة أخري لأمريكا و إسرائيل ونتحول نحن أبناء هذا الوطن الثائر إلي أذناب و خدم للمشروع النكد .
البعد الثالث:الطبقة الكادحة ومتطلباتهم والأفواه الفاغرة والاقتصاد المصري المنهار بالاستنزاف المستمر:
وهذا البعد هو أخطر الأبعاد علي الإطلاق بسبب تناقص الإحتياطي النقدي والذي ينذر بكارثة علي المستوي الإنساني والإجتماعي محققة لا محالة،وتصور البعض بأن أحدهم قد جاء علي فرس يحمل بيده خاتم سليمان ليحقق الأمن والأمان الإقتصادي والسياسي والإجتماعي لأبناء الوطن وهم واهمون ،لأنه لا يحمل لهم إلا التبعية المقيتة و الإنبطاح أبد الدهر وعلي من عمل علي تحضير العفريت أو إعادة استنساخ وإنتاج النظام السابق بكل أذنابه ورموزه المتبجحة أن يعمل علي صرفه لأنه لعنة علي البلد و قتل سافر للثورة وله ما بعده فلسوف نرزح تحت حكم العسكر و الديكتاتورية المفقرة المهينة للشعوب ،القاتلة للحريات والديمقراطية التي يتشدق بها المتشدقون و يطلقون مصطلح التكويش علي الإسلاميين.
الثاني:من الإجحاف أن يتحمل مسئولية النهوض بالوطن فصيل واحد :وهو ما قام به الإخوان عن طريق الإستحقاق الذي ترامي إليهم من الحصول علي الأغلبية البرلمانية فدفعوا مضطرين لذلك وهو من الظلم البين عليهم وذلك عائد لعدة أمور:
الامر الاول:مصر دولة عظمي في الشرق الأوسط وفي العالمين العربي والغربي ولها مفاصل متعددة و لها استراجيات متشعبة ولها من المشاكل داخليا و خارجيا ما لا يحصي ومن الصعب أو الظلم أن يضطلع بها كما قلنا فصيل واحد ،بل واجب كل الشرفاء و كل أبناء هذا الوطن ان يعملوا علي نهضته و رقيه ليصل إلي مصاف الدول العظمي إقتصاديا وعلميا و تكون دولة ذات سيادة  وريادة عالمية وهذا يتطلب جهدا مضاعفا و يفتقر إلي عقول وجهود كل المخلصين ،فمن  الإجحاف كما أسلفنا أن يتصدر لهذا الأمر فصيل واحد ولا يستطيع ،لأنها تركة ثقيلة وميراثا ضخما  ذا زخم تاريخي ينطوي علي مشكلات متجذرة في أطناب المجتمع المصري .
الأمر الآخر:الثقافة المائعة التي حرص النظام السابق علي غرسها في الشعب المصري من عدم أهلية الشعب المصري للديمقراطية والتهميش المستمر المتعمد لكافة العقول المصرية الجادة و تهجيرها ،عملت علي غياب المجتمع القيمي الذي يرتكز علي الحريات والحوار واحترام الآخر و مبدأ تداول السلطة و احترام دولة القانون ،والترويج لمجموعة من القيم المضادة وهي التخوين و افتراض سوء النية في كل ما يسفر عنه ممارسات الآخرين المختلفة في الأيدلوجيات والأطروحات ،مما أدي إلي التحفز الدائم ضد الآخر و استبداد الأقلية النخبوية ضد الأغلبية التي أتت عن طريق الديمقراطية والإقتراع الحر النزيه وهذا جو مشحون يشي بنتائج مسبقة و أحكام جائرة علي من يتبوأ مقعد السلطة التفيذية ،مما يوحي بالفشل و الإحباط المطبق و التنحي عن الإضطلاع بالمهمة الوطنية المنوط بها هذا الفصيل وهذا فرض كارثي يعمل علي اختطاف الدولة و خنقها لصالح المشروع الصهيو-أمريكي.
الخلاصة :أن هناك عدة رسائل أحب أن أبعث بها لعدة أطراف وهي:
الرسالة الأولي لأتباع الفلول و أذناب النظام السابق:أنتم واهمون إذا اعتقدتم أن الجنرال بيده خاتم سليمان ،بل بيده خاتم الشيطان لتبعية مقيتة و انطاح أبدي للغير ولن تشرق شمس هذا البلد إذا تماديتم في دعمكم المتبجح هذا لاستنساخ النظام السابق بمواصفات سوبر سليمان أو خاتم سليمان .
الرسالة الثانية للنخبة الليبرالية والإعلامية :أرجو أن تثبتوا علي مبدأ واحد فأنتم تتشدقون بالديمقراطية وحرية التعبير و الرأي وتداول السلطة و انتم أول من يرفضها و تستبدون باسمها و ترتمون في أحضان الغرب المغرض و ستعلمون أي منقلب  تنقلبون ،فلتكفوا إعلامكم المغرض عن مصر وعن الشرفاء من أبناء هذا الوطن ،فالديمقراطية ليست برامج التوك شو وليست هي الدولة و لكنكم تكابرون وتزايدون و أنتم أبعد ما تكونون عن الطبقة الصامتة الكادحة لأنكم تعيشون في برج عاجي وكهف الوهم.
الرسالة الثالثة للتيار الإسلامي بكل فصائله :توحدوا في مواجهة المد الليبرالي الماسوني الذي يريدها علمانية سافرة  ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا ،إن الله مع الصابرين .
وصلي الله علي سيدنا محمد والحمد لله رب العالمين.

*ناشط سياسي وكاتب مصري

هناك تعليق واحد: