الصفحات

2012/06/01

شرنقة الجسد حكايات بين التقاطع والانفصال بقلم : مصطفى البلكى


شرنقة الجسد حكايات بين التقاطع والانفصال
قراءة فى رواية شرنقة الجسد لأيمن رجب

بقلم : مصطفى البلكى
يطالعنا العنوان , بنية دالة , كانت تحتاج إلى إنهاء القراءة للوصول إليها.
تبدأ الرواية بحدثها الأول والمتمثل فى موت كبير العزايمة , الموت كحدث له وقع الزلزال , يستوجب أحيانا وقوف النفس للحظات واستدعاء السؤال الملح" ماذا بعد؟ هذه الحقيقة كانت مختلفة عند مستور ابن سيد لقية , هى لحظة كاشفة استوجبت أن يستعيد ذكرياته , يعود إلى المستور من حياته , بينه وبين نفسه أولا ثم بينه وبين صديقه مسعود الراوى , فنرى زبيدة وحضورها الطاغى حتى بعد موتها , ومدى ارتباط مستور بمنامتها , أمامها يكون المولوج وسيلة للمناجاة واستعادة تلك الذكريات , رغم وطأتها , إلا أنه يستعيدها بروح مكسورة , مشفوعة بحبه لبزبيدة الحلم الذى غادره يوم أن بترت ساقه , والتى قبلها وهى البنت التى لم تملك حق الحفاظ على أعز ما تملك  , وما عدا هذا الحدث وما تلاه من تقاطع مشاهد لعطيطو وزوجته صبية , هى فى حد ذاتها كاشفة عن العلاقة بين زوج لا يشبع رغبة زوجته , فتقع أسيرة لملاحقات صابر ابن الجيران , وذلك الجوع يتماس مع رغبة الفرار مع لملوم , هذا التقاطع والانفصال , يشغل النصف الأول من الرواية , أما النصف الآخر فيبدأ بسرقة الصندوق , وما يمثله من رمز دال , وارتباطه بالشيخ يونس الذى عثر على سيد لقية ورباه , وعند موته أوصاه على الصندوق , فظل معه , وعند موته أوصى ولده مستور بالصندوق , وتحت إلحاح ولده , والحاح نفسه , فتحه ذات يوم فوجد بداخله كتابا حمله إلى شيخ الجامع , فاخبره أنه كتاب عن الصوفية , وأن قيمته كبيرة , فطلب منه أن يكون الكتاب أمانة عنده , ويظل الصندوف فارغا فى الحاصل , يراوغ عينى صبية , فتوسوس لعطيطو بسرقته , وأخذ ما به والهروب , فيزعن وهناك فى المولد يكتشفا أنه فارغ , وتهرب صبية مع لملوم , ويخرج هو من جنة الرجل الذى رباه , ويقع مستور فى قبضة الهم , ويموت بعد أن يوصى صديقه بدفنه فى الحاصل , هذه باختصار الخطوط الرئيسية فى الرواية . وفى نهايتها نعود إلى العنوان فلا نجد فيه إلا المعنى الشامل الذى عبر عن شخوصها , الذين عاشوا الواقع , فى مكان كان باهتا لحد ما , فقط عرفنا من مكوناته البيت فى شق الضبعه , والمقهى , ومقام الشيخ يونس , والمدافن فى عرب القداديح , كل تلك الأماكن باهتة , إلا منامة زبيدة كانت حاضرة بقوة فى نفس مستور , ربما هذا الملمح جاء عن عمد , كى يشترك مع الشخصيات التى تشبه اليرقات الموجودة داخل الشرنقة , فيصبح وجودها وجودا فاقدا للمعنى.وبذلك يكون العنوان قد اتضحت معالمه , ومن هذا المنطلق فإذا نظرنا إلى الشخصيات , أمكننا أن نقول إن جل الشخصيات فى الرواية شخصيات ذات تركيبة بسيطة , واضحة المعالم , كلها واقعة فى دائرة الفقر والعوز , تستغل أبشع استغلال إما بعدم رضا ها, كما حدث لزبيدة ومستور وعطيطو حينما تزوج من صبية , أو برضاها كما جاء فى الرواية من مشاهد تؤكد تطوع مستور للنجدة , وتلك الشخصيات ذات التركيب البسيط كانت واضحة فى علاقتها بين من هم ارفع منها , واقصد بها علاقة الغنى والفقير , ورغم أن هذه العلاقة قتلت بحثا , إلا أنها هنا جاءت فى بناء فنى مرتبط بحالة نفسية عالية , يغلب عليها الحزن , تناسقت فيها حكايتا زبيدة وصبية , من حيث الوضع الاحتماعى , والمصير المرتبط بالزوج , فألام جاءت لإلى بيت سيد لقية وهى خاطئة , والثانية وأقصد بها صبية جاءت بنفس الفعل , ونظرا للفقر والعوز , قبل مستور بالأولى والأمور واضحة أمامه , والثانى دفع دفعا من والده إلى صبيه , الشئ الوحيد الذى يباعد بين المرأتين هو خضوع الأولى وتمرد الثانية , وبين الخضوع والتمرد تظهر شخصيتا الاب والابن , وهذا الفرق ظهر واضحا فى مشاهد الحب بين مستور وزبيدة , وعلى العكس تماما نجح الكاتب فى إبراز مدى التباعد بين صبية وعطيطو وليس أدل على هذا من مشهدها مع صابر , ذلك المشهد الذى كتب بحرفية عالية.
ولكى يكتمل المعنى , كان لا بد من الآليات , وهذه الآليات تكمن فى التقنيات التى استخدمها ايمن رجب , فالرواية تعددت فيها التقنيات , وغلب عليها تقنية الفلاش باك , أو استنطاق التاريخ عن طريق المنولوج ,وهذا الشكل كان صالحا لعب فيه الحوار دورا جيدا , عن طريقه عرفنا تاريخ الشخصيات ,وهذا التاريخ الذاتي , رأيناه متفرقا ويشغل جزءا كبيرا من الرواية , يتقاطع وينفصل , مما يجعلنا أن نقول بأن الرواية استخدم فيها التكنيك السينمائي فى التنقل بين المشاهد المختلفة , مما جعل الرواية واقعية فى بناء حداثى , لم ينتهج فى كتابتها الطريقة التقليدية التى تبنى على تتابع الأحداث , إلا أنها أخذت من حادثة موت عزام منطلقا لها , وكما بدأن بالحديث عن الموت انتهت بغلق بيت مستور  , دلالة على موت آخر وهو موت المعنى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق