الصفحات

2012/07/10

"جـارنا الرسام " قصة بقلم: ثريـا عبـد البديـع

جـارنا الرسام
ثريـا عبـد البديـع
في البيت المقابل لبيتنا، يسكن جارنا الرسام الكبير، هو فنان مشهور، الحديث عنه وعن لوحاته الجميلة يملأ الآذان، نسمع عنه، لكننا لم نره يوماً، نعرف أنه وحيد؛ لا ولد له ولا بنت، وقد عاش عمره فى مرسمه وبين لوحاته، لا أحد يزوره إلا طبيبه الخاص، وكلَّ عدة أيام نرى مساعده، يأتيه دائماً بحاجياته، ويأخذ لوحاته يعرضها ويبيعها. الناس هنا تعجبهم لوحاته ويتحدثون عنها.. أما أنا فكنت أراها دائماً داكنة، كانت الألوان عنده هي الأسود والبني والأزرق الداكن فقط، كأنه يرسم الليل في كل مرة.
أما صواحبي في المدرسة فقد كن يحسدنني، لأن شرفتي تطل على حديقة فنان مشهور مثله، فهناك دائماً فرصة لأن أراه من شرفتي جالساً هناك، أو أن أسلم عليه هو نفسه مثلاً.. لكن مرت الأيام ولم يحدث أي من هذا ولا ذاك.
ولم أحظ يوماً إلا برؤية أشعة خافتة تخرج من نافذة حجرته، وكنت أتخيل شكل الأستاذ: أنه لا بد نحيف.. شعره طويل وفي عمر أبي أو حتى جدي، فقد كان يسكن هذا البيت من زمن، وقبل أن يأتى والدايَ إلى هنا. وأرى أنه فنان غريب.. فهو بعيد عن الناس وعن الشمس، فلم يفتح لها النافذة يوما!
ذات يوم بينما أنا أجلس فى شرفتي أرسم الشمس قبل غروبها، فكّرت أن أحيي الأستاذ الفنان، فألقيت في شرفته ريحانة من زهرية عندي.. لكنها ظلت هناك أياماً من دون أن يراها، وكررت تحيتي مرات، حتى جاء يوم ورأيت زهرتي مزروعة في أصيص على حافة شرفته.. فرحت، فأخيرا تأكدت بأن هناك أحداً ما، فتشجعت و أرسلت زهرة وزهرة، وفعلاً كنت أعود في اليوم التالي لأجدها مزروعة إلى جوار صاحباتها.. فرحت، أخيرا عرف الأستاذ أنني هنا، ورحت أتخير نبتات مختلفة وأنواعاً جديدة، وأتخيل شكلها، وكيف تكون بعد أيام أو شهور...
عدت أفكر في أن ثرثرة زميلاتي قد تتحقق يوماً، وأن الأستاذ يمكن أن يرى محاولاتي في الرسم.. وأنه قد يدعونا أنا وأسرتي مثلاً لمناسبة ما، فأرى لوحاته ومرسمه لأول مرة.. يا الله! متى يحدث هذا؟ وهل لي أن أحلم هكذا!!
مرت الأيام ولم يتحقق شيء من هذا.. إلا أني كنت ألحظ الرياحين والنبتات وقد نمت وصارت شجيرات، مع الوقت تسلق منها ما تسلق على الجدران حتى ملأت المكان!!
وفي يوم، رأيت نافذته مفتوحة على آخرها.. وظلت مفتوحة تدخل منها الشمس عدة أيام!! واندهشت، وإذا بمساعد الأستاذ يطرق بابنا، ويدعوني لزيارته، مشيت إلى هناك تقفز الفرحة بداخلي.. لأجده قد ذهب.. نعم لم يكن الأستاذ في مرسمه، ولا في أي مكان في بيته.. ذهب تاركاً كل شيء على حاله، خطوت في مرسمه، كان غرفة مغطاة جدرانها بلوحات ملونة بالأصفر، تكاد تضيء، تأملتها، كانت كلها رسوماً لفتاة تشبهني تماماً، تعجبت.. كيف يحدث هذا ولم يرني الأستاذ ولا مرة واحدة!! سلمني مساعد الفنان رسالة منه كتب فيها:
ابنتي العزيزة، أنت أدخلت الفرحة إلى قلبي.. واللون الأصفر إلى لوحاتي، أرجو أن تقبلي هديتي هذه اللوحات، وآمل أن تعجبك، فهكذا رأيتك: شمس
أما بيتي ونباتاتي فأنا أعرف أنك ستهتمين بها وترعينها. إلى اللقاء!
جلست على مقعده مذهولة، قلت فى نفسي: «كم أنت مدهش يا أستاذ! إنها تشبهني تماماً»، وقررت أنني عندما أذهب إليه سأحمل معي لوحاتي، أريه رسوماتي التي رسمتها والتي سأرسمها.
 http://www.arrafid.ae/arrafid/st4.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق