الصفحات

2012/07/20

"في ذات صباح " قصة بقلم: عبد العزيز مشرف


في ذات صباح
 عبد العزيز مشرف

         الصباح يشبه كل صباح ، لا شيء يدعو  للعجب ، النوم فى عيون الناس لا يزال عالقاً ، يحاولون دفعه ، يسيرون فى شوارع المدينة مطرقين ، قليلون منهم هم من يتبادلون التحية إيماء أو بنأمة تسمعها العين ولا تفسرها الأذن  ،  وبقيتهم كعادتهم كل يوم مربوطون بخيط خفى يشدهم إلى المجهول ، فلا هم يعرفون ما سيكون ، ولا هم يستريحون من عناء الظنون .

       هذا الجزء من المدينة يجذب كثيرين من راغبى الصمت والتأمل ، يقفون فوق الكوبرى الرابط بين ضفتين ، يطيلون  التحديق فى الماء المنساب  كأن في صفحته إجابات عن أسئلة لم تزل عالقة ، بعضهم يسير خطوات قليلة سرعان ما تتوقف ليديم التحديق فى موجة مفاجئة قافزة تنتهى  كعادتها بتشتت يستوعبه البحر  كله ، فلا البحر يزداد ، ولا الموج يكف عن الجريان .

        وهناك فى أسفل الكوبرى حيث تستطيع أن تطأ الماء بقدميك ، وتغترف منه بيديك ، هناك شاطئ ضيق بالكاد يسع عدة كراسى مصفوفة فى خط مستقيم يفصل بينها مناضد بلاستيكية صغيرة تتسع كل منها لصينية شاى واحدة ، وأحجار يتخللها الماء فتراها غارقة حيناً ، وحادة جارحة حيناً ، هناك يجلس  أشتات من البشر : صياد بصنارة يلقيها آملاً  سمكة ولو صغيرة تشعره بالإنجاز والزهز ولو أمام ذاته المقهورة ، لكنه ولفترة طويلة لم يجن غير انقطاع  الخيط ، أو إمساك الشص بعوالق ونفايات البحر ،  إلى درجة استرعت انتباه من حوله من الجالسين  دفعت أحدهم لأن يقول : " شكلك كده هطلع لنا غريق "  ، ويمر وقت ويغيب كل فى عالمه ، يحتسى الينسون والشاى بعض رواد الشاطئ ، ولا يزال صاحب الصنارة لم يخرج غير إحباطه كل مرة ، وإذ بمركب من مراكب الإنقاذ النهرى  بضابطها وجنوده يرسون على الشاطئ تحت الكوبرى ويسحبون من الماء جثة شاب فارع الطول  فيضعونها  ويطلبون ما يسترونها به ، يفزع الجالسون ويبقى بعضهم يعاون  أو يشاهد لأول مرة فى حياته غريقاً خرج للتو من الماء ، حالة من الدوار تنتاب الجميع ، تدور الأفكار فى رءوسهم بسرعة الضوء ، وتبرق أمام أنظارهم  مشكلاتهم كلا شىء ، فأمام الموت ، أمام جسد  فارع متين غارق لا شىء سوى الصمت .
          كان النهار قد سار حثيثاً ، ودبت الحياة الصاخبة فى كل مكان ، والتهمت بقايا السكون الذى كان ،  وضاعت نظرات نحو الماء وسط ملايين النظرات كما تضيع موجة وسط اليم بين ملايين الموجات ، ولم يلتفت أحد إلى الجسد الممدد تحت الكوبرى ملفوفاً ببطانية مهترئة ،  لكن الصباح تحت الكوبرى  لم يعد ككل صباح .

        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق