الصفحات

2012/08/30

كلام في الرواية (1) إعداد: خيري عبدالعزيز


كلام في الرواية (1) 

إعداد: خيري عبدالعزيز


أولا الثيمة في الرواية
    إن كانت الحياة شاسعة متداخلة ومتصارعة بالأحداث بشكل خارق علي مدي أبدية زمنية وشخصيات منذ بدء الخليقة وأمكنة من أقصي الشمال إلي أقصي الجنوب ومن أقصي الشرق إلي أقصي الغرب بل وممتدة أيضا إلي الكون الفسيح, وان كانت الثيمة الكبرى للحياة كما نفهما أو الموضوع الأكبر والهدف منها هو صراع الإنسان مع نفسه ومع قوي الطبيعة الظاهر منه والخفي, فإننا نستطيع أن نقول أن الرواية هي حياة مصغرة لها ثيمة وشخصيات وخط زمني وأمكنه وأحداث وصراعات..
     والثيمة هي موضوع الرواية, علي سبيل المثال "الوحدة, الانتقام, الفقد, الفقر,الحب, اكتشاف الذات, المرض, الخيانة.. الخ" إذن فهي احدي الموضوعات الكونية التي لا ترتبط لا بالزمان ولا بالمكان وكذلك لا ترتبط بطائفة بعينها أو طبقة اجتماعية إنما هي أحد القضايا الكونية الملازمة للإنسان منذ بدء الخليقة, فالكاتب الفرنسي الشهير "فيكتور هوجو" انشغل بثيمة البؤس الإنساني (موضوع البؤس) وتناولها في الكثير من أعماله حتى اكتملت الفكرة تماما لديه وجاشت بها نفسه فكتب رائعته "البؤساء" إذن فالثيمة هي القضية الكبرى التي تشغل الكاتب, وهي قد تشغله لسنوات عديدة ويتناولها في العديد من أعماله بشكل مختلف ويسلط عليها الضوء من زوايا عدة, بل وقد لا يتناول غير هذه الثيمة طوال حياته, وهذا ربما دون قصد منه, ولكنها مؤثرة عليه, ولا يتحرك قلمه ويسترسل إلا بها..
     ومن المؤكد أنه لن يستطيع كاتب أن يكتب رواية ذات بال ما لم يكن موضوعها بالغ الأهمية بالنسبة له, ومؤثرا في تفكيره ووجدانه, فالكاتب أنغوس ولسن يقول عن روايته "الحديقة البرية": إن الحافز لكتابة رواية ينشأ من رؤيا متوحدة لحظوية للحياة .. بمعني نقطة تماس بين واحدة من الثيمات العديدة الممتلئة بها الحياة ووجدان ذلك الكاتب؛ فتؤثر فيه وتشغله لتصير هي الثيمة المؤثرة والباعثة والموحية له للكتابة  لفترة محددة أو ممتدة أو لعمل واحد أو لأعمال عدة..
    والثيمة التي تتملك الكاتب لا تأتي من فراغ, بل هي نابعة من جذوره وتربيته ونشأته وثقافته وتكوينه النفسي والفكري في الأساس, ولذلك فمن السهل أن يتوحد مع تلك الثيمة فيما بعد لتتلبسه وتصبح هي باعثه اللحوح لتحريك قلمه؛ فمثلا قد يمر كاتب ما في صغره بمرض ما خطير ويعاني معاناة جمة ثم يكتب الله له الشفاء, ولكن من الوارد جدا أن تظل ثيمة المرض قابعة في عقله الباطن تحتاج لأقل حركة لتطفو علي السطح, قد تكون هذه الحركة مجرد مشهد لطفل مريض, أو ربما كلمة, أو حتى نظرة تحرك البركان الساكن؛ لتصبح ثيمة المرض هي الباعثة لأعماله المقبلة. وكلما كانت الثيمة قوية عنيفة مؤثرة في وجدان الكاتب كلما كان لديه حظا أوفر في النجاح..
     ووارد جدا أن ينطلق عمل روائي لكاتب تسيطر علية ثيمة ما من مجرد مشهد واقعي في الحياة؛ فيشرع الكاتب في غزل خيوط روايته علي ذلك المشهد متأثرا بتلك الثيمة, وموظفا لها مفردات العمل الروائي من شخصيات وأحداث وصراع وحبكة وأزمنة.. الخ..
يتبع إن شاء الله
المراجع:
1-             صنعة الرواية "دايانا داو بتفاير"
2-             كتابة الرواية من الحبكة إلي الطباعة "لورانس بلوك"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق