الصفحات

2012/08/15

نهار حسب الله: كيف كَتبتُ روايتي (ذبابة من بلد الكتروني)


شهادة:
كيف كَتبتُ روايتي (ذبابة من بلد الكتروني)*

نهار حسب الله

تشكلت الفكرة في مخيلتي وكأنها جنين في رحم امه.. كانت تتغذى من فكري، وبدأت بالنمو حتى صارت تأخذ حيزاً كبيراً من حياتي اليومية، إلا انني اردت منها ان تُكتب على نحو بعيد عن التقليدية فعملت من خلالها على مزاوجة الواقع بالخيال وتناولت (ذبابة) سجينة في مركز الابحاث بالولايات المتحدة الامريكية تمني نفسها بحرية الطيران وتفتش عنها حتى في قفصها الزجاجي.. الى أن جاءتها لحظة الحظ التي منحتها فرصة الهروب الى سماء الحرية ومن ثم الوصول الى بغداد مصادفة عن طريق طائرة الاباتشي اثناء الحرب العراقية الامريكية 2003 لتكون شاهداً على حجم الدمار الذي حل بمدينة السلام، ولترصد الحرية التي حصد ثمارها اهل العراق عن طريق المحتل.
درست كل شخصية من شخصيات روايتي على نحو مستقل، وعمدت على اختيار شخصيات عراقية بسيطة يألفها القارئ مهما كان مستواه الثقافي والفكري.. ولكن اكثر ما ارهقني هو دراسة فيزياء الذبابة وطبيعة حياتها وهو الامر الذي تطلب مني قراءة كتب ودراسات متخصصة بحياة الذباب لأكون فكرة متكاملة بعيدة عن التناقض.. وبعد الانتهاء من تلك القراءات بدأت أرصد تحركات الذباب على نحو عملي.. وصار همي على مدى أسابيع متتالية متابعة تحركات تلك الحشرة اكثر من اي شيء آخر.
والامر الاكثر صعوبة وخطورة في هذه التجربة الروائية هو دراسة او معايشة الجانب النفسي والسلوك اليومي لجنود الجيش الامريكي في العراق، ولانني لا اكتفي بالقراءة.. استثمرت عضويتي في المركز الصحفي الاعلامي المشترك (C.I.P.I.S) التي تبيح لي الدخول الى المنطقة الخضراء، فضلاً عن علاقتي الطيبة والحميمة بالمستشارة الثقافية في معسكر الازدهار الامريكي في بغداد، والتي ساعدتني كثيراً بالدخول الى قلب المعسكر ومعاينة ومتابعة الجنود عن قرب..
كل هذا وانا لم ابدأ بكتابة الرواية، ولكني كنت منهمكاً بتدوين الافكار.. إضافة او تعديل معلومة كانت تكتب على نحو عشوائي... وخصوصاً تحركات جنود الاحتلال..
كنت اخرج من المنطقة الخضراء ملبداً بالخوف والقلق المزمن الذي يلازمني حتى وانا اعبر جسر الجمهورية سيراً على الاقدام، لا اجيد وصف ذلك الاحساس المركب، شعور بالفرح باكتساب معلومة جديدة تخدم الرواية واحساس بالموت العاجل، أذكر ان رموش عيناني واطرافي ترتجف خوفاً من ان ترصد الجماعات المسلحة دخولي وخروجي من والى المنطقة الخضراء او المعسكر..
كنت اسارع الخطى كلما ازدادت شحنات الخوف بداخلي، واحاول تركيز نظراتي الى نهر دجلة او التأمل في السماء حتى أعبر الى الجانب الاخر الذي كان يمثل لي نصف احساس بالنجاة من الموت ..
أصل الى موقف سيارات الاجرة في مرآب الباب الشرقي وامتطي سيارة (الكوستر) المتوجهة الى مدينة الشعب.. وفور جلوسي على مقعد السيارة وسط فوضى الركاب، اجد اجمل اللحظات حينما كنت ادون الملاحظات التي اكتسبتها من زيارة المعسكر على علبة السجائر..
لا يكتمل الشعور بالنصف المفقود من انسانيتي إلا بعد دخولي الى غرفتي التي كانت تغص بقصصات الورق المبعثرة وعلب السجائر الفارغة من التبغ والمحملة بافكار كنت انظر إليها وكإنها تساوي أيام شبابي كلها.
وبعد اكثر من ستة اشهر من معايشة الجيش الامريكي وبمعدل زيارة اسبوعية تستغرق اكثر ثمان ساعات.. وجدت نفسي محاطاً بفكرة متكاملة تتطلب مني البدء بالكتابة، ولأني شاب ينتمي لاجيال التكنولوجيا، كنت ومازلت افضل الكتابة على الحاسوب.. وذات مساء فتحت صفحة بيضاء وبدأت بالكبس على أزرار لوحة المفاتيح، وهي لحظة ولادة روايتي (ذبابة من بلد الكتروني) والتي عملت من خلالها على انسنة تلك الحشرة.. وجعلها كائن يطالب بالحرية ويكشف عن معاناة شعب مزقته الحروب.
ربما أكون قد جازفت بحياتي لأقدم تجربة متواضعة بسيطة ولكني اردت من خلالها تحليل او تعرية مفهوم الحرية في زمن الاحتلال.. اردت ان اقدم تجربة لها تماس مباشر بأبناء وطني الذين دكتهم المصائب.
ـــــــــ* ذبابة من بلد الكتروني ـ رواية صدرت عن دار الينابيع السورية 2012.
يمكنكم قراءة الرواية كاملة من خلال الرابط أدناه:http://www.adabfan.com/library-direct-sales/9698.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق