الصفحات

2012/09/25

"معاق و عاق" قصة: حسين محمّد أمين



معاق و عاق

حسين محمّد أمين*

طال انتظاري قدومه وقت أحسست بآلام الولادة وهتفت له بالإسراع،فبادر بنقلي إلى المستشفى أحد الجيران.
لم يكن في تأخره مشكلة بعد وضعت الحمل،لكنّي أعلمت من ذي قبل أن الطفل سيعاني احتمالا راجحا من شلل نصفي ، جمجمت ذلك في صدري ابتعادا عن التسويف و كراهين حملي على الإجهاض علوا وقهرا.
توارد الضيوف و جاؤوا من كل أوب تهنئة لنا بالمولود ،فإذا دخلوا جعل يحمله بين يديه رئاء وسمعة ويتجاهر بزخرف حبه واستلطافه له كلاما باطلا،وإذا غادروا نبذه في العراء وتوارى،أمامهم هو رحب الباع والذراع،ومن ورائهم هو منه خلاء وبراء.
كان هذا حديث أمي إلى إحدى صديقاتها،أدركته من حيت هي لا تدري يا أكرم،لم يكن أبي يلتفت لفت أموري على الرغم من حاجتي الملحة آنذاك.ومع ذلك،لا أدين له بحقد أو ضغينة،فهل لك بي عظة وعبرة؟
يا أيمن ،والدي أعور،فقد إحدى عينيه في عنفوان شبابه،وضعفت حدّة الأخرى،تخجلني مصاحبته أمام الملإ ،ويخجلني كلام أصحابي عنه بواحا، حتى أن الدّهر قد أخنى عليه والزمان قد أتى على حاله.
حديثي مع أكرم ذو شجون،إذ أكشف له كلّ مرة ما يختلج جلاجل نفسي،ذلك أن الإعاقة هي ما يجمعني بوالده ونظرته ازدراء لعاهته واستخفاف بإعاقته بعد أن آض سواد شعره بياضا،وأكرم في ذلك عن موقف الحق لزور.
أخذ أكرم للسفر أهبته بحثا عن ظروف أحسن ،بعد أن حفّته الحاجة و أدقعه عيش ضنك مع والده الذي
تدهورت صحّته إلى أن وافته المنية بعد أن ترك لي وصيّة أحملها إلى ابنه أكرم.
بغتة ،دخل أكرم كاسف البال، آصدت الباب دون أن أجد عزاء له ،ملامح حزينة لوفاة والده ، ونادمة لفرطه في أذاه وتفريطه في مناه، والعظة في تلك الوصية التي كتبها له على فراش الموت يقول :
يؤسفني أن أغادر دون أن أراك ،وحتى إن رأيتك فلن أبصر نور وجهك...لكن أفلا تستذكر قوله تعالى:''فإنّهَا لا تعمَى الأبصَار و لَكن تَعمَى القلوب التي في الصدور'' صدق الله العظيم.
*الجزائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق