الصفحات

2012/09/21

سلطةٌ مغمسةّ بمقدس بقلم: د. عبدالهادي العجمي

 سلطةٌ مغمسةّ بمقدس
 د. عبدالهادي العجمي
 يعرف ابن خلدون الملك بانه "حمل الكافة علي مقتضى الشهوه والرغبة" وبالتالي فالرغبة والشهوة في الحكم تصل بالحاكم إلى درجة يشعر فيها بأنه مقدس - فأن تكون مقدساً فهذا يعني ألا يساويك أحد ، فأنت مقدس ومطلق.
والحقيقة أنه ومنذ ظهور مصطلح الأسر الحاكمة في التاريخ نجد أن الكثير من هذه الأسر الحاكمة لم تكتفي بالحكم وحسب ، بل أنها شعرت بدرجة من القداسة لها ولأفرادها.
ومن ثم بدأ هذا الشعور بالتقديس يدخل منحنيات أخرى ظهر فيها (الحق الإلهي في الحكم ، ومن ثم الحق الإلهي الموروث)  لأفراد الأسرة للإستأثار بكل مظاهر السلطة و الحكم المطلق ، ومن ثم بدأ شيئاً فشيئاً هذا الحق المقدس يترسخ في صميم تصور أفراد أسر الحكم بعلاقتهم مع أفراد المجتمع (وهم المحكومين بالنسبة لهم) ، وبالتالي بدا أن كل خطاب في معني المنظومة السياسية لا يأخذ في الإعتبار تصورات الحاكم لذاته (المقدسة) وكذلك لأفراد أسرته المقدسة إعتبر خطاب قاصر غير مقبول  ولا يتعاطي مع واقع الحال.
والحقيقة أن تبعات هذا الواقع وترسيخة لا يقع على الأسر الحاكمة (المقدسة ) فحسب ، بل أن بعض مثقفي السلطة اليوم نجده في تناغمة وتصورة وأفكاره يفوق ويتجاوز تصور وافكار  ما يعلنه أفراد السلطة أنفسهم وتقدسيهم لذاتهم .
ولعلى هنا أحاول إستيعاب ماقاله السيد "النصف" في مقابلة له مع قناة العربية حيث قال "إن الأسر الحاكمه خلقت الدولة".
فالحقيقة أن هذا التصور بذاته يسوق لنا ويوضح مدى ما وصل له البعض من تبنى أفكار مستقبحة ومرفوضة (أأسف أن أقول) أنها ترويج واستمرار لفكرة "عبودية الشعب للسلطة"  بل أنها تذكرنا بتجارة الرقيق قديماً ، حيث كان هناك عنصرين فقط هما (السيد والعبد) ، فعبارات النصف تجاوزت العبارات الحديثة حيث تم استبدال مصطلحات مثل" خليفة الله" " وروح الحق" "وسبب الوجود"  التي كانت تستخدم في الماضي بمصطلحات جديدة تخدم السلطة كذلك ، مثل"أبو الشعب "وأبو السلطات" "ومؤسس الدوله" " وسبب النهضه"  كلها ألفاظ ومصطلحات استثنائية جعلت المعطى التقديسي مرتبط بمناط مصلحي للمجتمع" بدل المناط الاستثنائي!
ولان تصورات الأسر الحاكمه المتعلقه بمفهوم الحكم أصبحت اليوم تتعارض بصوره مباشره مع معطيات حقوق الشعوب ومنطق تساوي الحقوق والعدل والمساواة ، فكيف يكون هناك مساواة وعدل والبعض يشعر أنه يمتلك حقوق مطلقة " لمجرد جيناته الوراثيه أي انه بمصطلح مباشر يشعر انه "مقدس"!؟
لقد استطاعت بعض شعوب دول الغرب عبر تجاربها المريرة ومعاناتها من "المقدس" أن تخرج من هذا الوضع بتقديم إمتيازات مالية واجتماعة للأسر الحاكمة ، وذلك في مقابل إزالة صفة القداسة سواء (الدينية أو السياسية)عنها، فأصبحت هذه الأسر المقدسة (سابقاً)  أحد أهم قوى المجتمع الفاعلة (لاحقاً) ، وبذلك استطاع الغرب الحفاظ على طرفي المعادلة متزنة دون مساس أو قلب تركيبة النظام أو الحكم ( هذا طبعاً عند من حافظ علي منظومة الأسر الحاكمة من هذه الشعوب الغربية) !
لذا ونحن في سياق الحديث عن التغيرات السياسية ومطالب الإصلاح الملحة في المجتمعات العربية تبعات ربيع الشعوب (الربيع العربي) ، نجد أن هناك حالة من الانقسام بين الأسر الحاكمه.
فهناك من بادر بإجراء تغيرات كانت حتمية لتدارك المتغير الحالي وهو الثورات مثل (المغرب- الاردن).
وهناك أسر بدت وكأنها غير قادرة على إستيعاب ما يحدث ، وظهرت غير قادرة وعاجزة عن التخلي أو الخروج من بوتقة القداسة أو التقديس  التي تعيش فيها منذ وقت طويل ، وقد يكون فشل أو عجز بعض الأسر عن  التخلي عن هذه الظاهرة له كثير من الأسباب والدوافع بل والظروف ، لكن وإن كنا مطالبن بدراسة هذه الأسباب والدوافع إلا انني لن أتطرق لحصرها جميعاً ، لكن أعتقد أن أهم الأسباب التي تأتي بصورة مباشرة هي إعتقاد البعض  أن النفط والوفرة المالية ستؤمن بديلاً لعملية التغيير وتؤمن لهم الاستمرار في العيش وراء صفة القداسة، وبالتالي التظاهربعدم وجود دواعي حقيقية للتغير.
وبلا شك فإن الكثير من مثقفي السلطة ورجال الدين و أصحاب المصالح  في بلاط الأسر،  لعبوا الدور الأبرز والرئيسي في ممارسة الدور الذي لايجيدون غيره وهو (التضليل) لجعل هذه الأسر (المقدسة) تركن لعدم التغيير أو مسايرة ركبه ، أو حتى التوائم مع ما يجري في بلدان (الربيع) وهذا ما أعتبره على المستوى الشخصي  ليس تضليلاً وحسب من هؤلاء الملتفون والمستفيدون من الأسر الحاكمة ، بل ما يتعدى ذلك ليصبح خيانه منهم لهم .
لكن ليس المستغرب دورهم هذا فقط (فهم لايجيدون غيره) بل المستغرب استمرار تصديق البسطاء لهم .
إن محاولة تغيير هذا الواقع لاشك يتطلب منا أن نكون قادرين على صياغة مطالبنا بشكل واضح بعيداً عن أي موائمات أو مصالح أو لعب أدوار سياسية ، وقد تكون التجربة  (الغربية) الأوربية تحديداً نموذج لإخراج صفة التقديس والقداسة من الفعل السياسي!
وفي النهاية يبقي السؤال ، وهو الي أي درجة ومدى يستطيع (الفعل السلطوي) أن يؤخر استجابات العقل الجمعي للأفراد والمحكومين لمطلب صناعة واقع سياسي جديد؟
 "للحديث عن هذا الأمر قد يتطلب ذلك مقالاً أخر لكنني وأنا أنهي هذا المقال أجدني اذكر بتعريف ابن خلدون للسياسة بأنها "حمل الكافة علي مقتضى العقل والمصلحة!"

استاذ التاريخ
جامعة الكويت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق