الصفحات

2012/10/20

المؤسسات الخاصة والعامة بقلم: عفيف شليوط



المؤسسات الخاصة والعامة
عفيف شليوط

يتساءل البعض أحياناً ، لماذا هنالك مؤسسات ومبادرات خاصة تتطور بسرعة وتتحول الى خليات نحل نشطة دؤوبة ، بينما غالبية المؤسسات الرسمية تكون مجرد بنايات وموظفين ليس إلا . البعض يتساءل ببراءة مطلقة ، ولنترك هؤلاء واسئلتهم البريئة وشأنهم ، أما الذين يطرحون هذا السؤال فهم يدركون الاجابة تماماً ، لكنهم يتوقعون رد فعل من المتلقي ، أو إجابة ساخرة ، أو توجيه نقد لأصحاب القرار .
وهنا الطامة الكبرى ، كيف يتم اتخاذ القرارات لدى المؤسسات الرسمية ، وما هي دوافعها ، فإذا عُرف السبب بطُل العجب .  فالشخص المسؤول في دائرة رسمية ما يقلقه مصلحته الشخصية أولاً ، وكيفية الحفاظ على مركزه وكرسيه ، كما يدرس احتياجات الدائرة المشغّلة له ، لا احتياجات الناس والمجتمع ، لهذا هذه المؤسسات لم ولا ولن تلبي يوماً ما احتياجات المجتمع ، وبالتالي المجتمع لن يشارك في فعالياتها ، وإن شارك فستكون مشاركته محدودة جداً ، وستكون من باب المجاملة أو تحقيق مصالح ضيّقة لأفراد محدودين جداً . وعندها تحدث القطيعة بين المؤسسة والمجتمع ، وستتحول هذه المؤسسة الى مجرد مكان عمل لعدد محدود من المنتفعين ، قاعات فارغة ، جدران لا حياة فيها .
بالطبع موضوع الشخص المناسب في المكان المناسب غير وارد على الاطلاق في هذه المؤسسات ، لأن تقييم عمل هذه المؤسسة لا يتم حسب المعايير المتعارف عليها ، مثلاً : مدى الإقبال على فعالياتها ، حجم الدخل الذاتي ، مشاريع خاصة بهذه المؤسسة ، الأمور التي تميز هذه المؤسسة دون غيرها .  التقييم هنا واحد ووحيد ، ما هي الفائدة التي سيجنيها أصحاب القرار من تعيين هذا الشخص أو ذاك ، في مجالسنا المحلية مثلاً كم سيجلب لنا هذا الشخص من أصوات في الانتخابات القادمة ، وفي أماكن أخرى مدى قدرة الشخص المعيّن على الطاعة العمياء لأسياده ومدى انعدام المبادرات الشخصية لديه ، وكلما كانت مبادراته معدومة أكثر كلما ازدادت احتمالات تعيينه في مركز هام كإدارة مؤسسة رسمية أو أية دائرة .
إذا كان الأمر على هذا النحو ، وهو كذلك ، فلماذا التباكي على عدم إقبال الجمهور على نشاطات وفعاليات المؤسسات الثقافية والجماهيرية الرسمية من قبل المسؤولين ، وأحياناً يلقون اللوم على الجمهور أنه لا يبالي بالثقافة والعمل الجماهيري ككل ، ولا يسألون أنفسهم ماذا قدموا لهذا الجمهور من أجل جذبه وإخراجه من البيت. ألم يسأل هؤلاء أنفسهم لماذا يقبل الجمهور على فعاليات ثقافية وجماهيرية أخرى بينما ينفرون من نشاطات المؤسسات الرسمية ؟ ألم يسألون أنفسهم لماذا مبادرات خاصة نجحت وتجذّرت فعالياتها وأصبحت منافسة للمؤسسات الرسمية التي تتمتع بالدعم المادي والأجهزة وكوادر الموظفين مثل : معاهد للموسيقى ، أندية ومراكز ثقافية مستقلة ، مسارح مستقلة ، مؤسسات لإنتاج البرامج التلفزيونية ، مهرجانات فنية محلية ودولية بمبادرات شخصية ومؤسسات مستقلة تعجز عن تنفيذها مجلس محلية وبلدية.
وحتى الموارد المالية لا يتم الحصول عليها من قبل المؤسسات الرسمية إما بسبب الإهمال وإما بسبب عدم المعرفة. فكم وكم من مجلس محلي لا يقدم طلبات رسمية للحصول على ميزانيات من الدوائر الرسمية ، وحتى لا يوجد في هذه المجالس من يعمل على تجنيد الأموال ، بينما هنالك عشرات الموظفين الذين يتلقون رواتبهم دون أن يجدوا لهم عملاً أو مهمات ينفذونها ، فهنالك التزامات ووعود انتخابية تعهّد بها الرئيس ويجب أن يفي بها ، كيف وما هي المصداقية وبماذا سيعمل هؤلاء الموظفين ، كل هذه الأسئلة تصبح تافهة أمام محافظة الرئيس على نقاء وجهه أمام حلفائه ولضمان مركزه.
بينما في المؤسسات الخاصة المدير محاسب ، وهو في امتحان دائم أمام مجلس الادارة ، فهو يعمل ليل نهار ودون توقف ، لأنه إذا لم يعمل ، لم ينفذ خطة العمل التي تعهّد بها ، سيتحوّل بين ليلة وضحاها الى شخص عاطل عن العمل . المراقبة هنا تختلف ، الأهداف تختلف ، لهذا من الطبيعي أن يكون الوضع مختلفاً ، فلا تعلو مصلحة على مصلحة الناس ، المجتمع  والوطن.
أحياناً ما يصنعه شخص واحد ، تعجز عن فعله مؤسسات بأكملها ، فأمام إرادة الفرد وعزيمته لا يقف شيئاً ، فبإمكان فرد واحد إذا آمن بفكرة وأصرّ على تنفيذذها بإمكانه أن يزيل الجبال . وأمام عجز بعض المؤسسات بميزانياتها وكوادرها وبنيتها التحتية لأنها لا تتحلى بالإيمان بشيء ما ولا تحمل فكرة معينة ، فكيف بها أن تزيل حتى حجر صغير من مكانه.    
       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق