الصفحات

2012/11/01

شطحة صوفية ..قصة: محمد نجيب مطر



شطحة صوفية
محمد نجيب مطر
ما هذا التخلف العقلي الذي يمارس باسم الدين، لا يمكن أن يرضى الله لعباده تلك المذلة والجهالة، هل من الدين أن يرتدي المرء ثياباً مهترئة وأن يتجنب الناس وأن يعيش عالة على الآخرين وألا يغتسل باسم الزهد في الدنيا والاستعداد للآخرة، لا يمكن أن يفتح المسلمون ثلثي العالم في ربع قرن ويقيموا نهضة عظيمة سادت الدنيا لقرون ودفعتها لمستويات عالية من الحضارة والتقدم وهم بهذا التطرف الغبي في الهروب من الدنيا.
كان يصرخ بذلك في أعماقه وهو يشاهد حلقة الذكر والجميع يرددون ... الله حي ... ويعلو صوت أحدهم فجأة وكأنما لسعه عقرب .. نور ... الله .... نور .... فيرد آخر على بعد ... موجود في كل الوجود...فيرد ثالث .. نور على نور ... فيرد رابع ...يا لطيف الطف بنا.. والبخور يشكل سحابة تحتوي الجميع ولد رائحة أضفت على المشهد سحراً عجيباً.
جلس على البساط يتفرج عليهم وهم يميلون إلى اليمين وإلى اليسار على إيقاع دف شبه منتظم، ويدورون حول أنفسهم في دائرة صغيرة وفي نفس الوقت يدورون حول زعيمهم في دائرة أكبر، وجلس يستمع إلى أحدهم وهو يحكي عن المعجزات المزعومة لأولياء الله من الصالحين، وكيف أنهم يسيرون على الماء ويكونون في عدة أماكن في نفس الوقت، ويظهرون في أنحاء متباعدة في لحظات وكأنهم يوقفون الزمن، بمعنى أن يكون الولي في طنطا ويختفي ليكون في أسوان بمجرد اختفائه.
وأن هناك أناس أمثالنا يحملون نفس أشكالنا وأسمائنا لكنهم متعاكسين معنا، وإذا تلامسنا معهم نفنى جميعاً ونصبح هباء منثوراً.
تذكر كل هذا أثناء محاضرة الفيزياء الذرية في كليته، فلقد أخبرهم الأستاذ المحاضر أن مكان وجود الالكترون وهو جسيم صغير جداً في الذرة لا يمكن تحديده بدقة، فهو يمكن أن يكون في عدة مواقع في نفس الوقت تقريباً، ولهذا يعبر عنه بنسب احتمالية، فهو يمكن أن يكون هنا بنسبة خمسين في المائة ويمكن أن يكون هناك بنسبة ثلاثين في المائة، ويمكن أن يكون في مكان ثالث بنسبة العشرين في المائة المتبقية، وأنه قد يكون هنا في لحظة ويكون في مكان آخر بعيد جداً عن المكان الأول في اللحظة التالية، أي أنه ليس هناك زمن للانتقال.
وأكمل المحاضر في ثقة وهو يشرح معادلات بلانك في ميكانيكا الكم أن هناك في المعادلة طاقة سالبة وهو شئ جديد لم يألفه البشر ولم يقل به العلم الكلاسيكي، وأن ذلك يعني ببساطة أنك لو ركلت كرة في اتجاه المرمى فستندفع الكرة في وجه من ركلها وفي عكس اتجاه المرمى واستنتج من ذلك أن هناك أجسام متعاكسة في الذرة، فهي متعاكسة في الشحنة ولكنها أيضاً متعاكسة في الكتلة، فإذا تماست تلك الكتلتين تعادلت الشحنات وذلك طبيعي، ولكن الغير طبيعي أن الكتلتان تختفيان وتنطلق ومضة وتتحول الأجسام إلى موجة تنطلق في الفضاء ولا شئ غير ذلك.
رأي في الذرة الالكترونات تدور حول نفسها وكأنها الدروايش تردد على إيقاع منتظم وسريع  ... الله حي ... الله حي .... ووجدها تدور حول النواة كما يفعل المريدين حول القطب، وهي موجودة في سحابة وفي أماكن مختلفة في نفس الوقت كما يفعل أولياء الله من الصالحين، وتنتقل بلا زمن كما يفعل الواصلين، ووجد نفسه يقوم من مكانه ويقف ويفرد ذراعيه في الهواء ويدور حول نفسه وفي نفس الوقت يدور حول منضدة المحاضر وهو يصرخ ... الله حي ... الله حي ... موجود في كل الوجود .... نور على نور ...يا لطيف .. يا لطيف... والكل ينظر إليه في دهشة وانبهار، ثم سقط مغشياً عليه وهو يردد حي ... حي ...حي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق