الصفحات

2012/12/27

عبدالغفار مكاوي يموت وحيدا على شوارع الأسفلت..بقلم: فؤاد قنديل


  عبدالغفار مكاوي يموت وحيدا على شوارع الأسفلت                          

فؤاد قنديل

لم يحضر غير العشرات القليلة عزاء المفكر والشاعر والمترجم والكاتب والمسرحي الكبيرعبد الغفار مكاوي ،

ولا أظن الشتاء هوالسبب ولا أظنها السياسة ، كما لا أظن حال البلد المنقسم والساقط في هوة الإقتصاد المنهارهو

السبب  ، فليس هناك ما يمنع من وداع رجل رائع ونبيل بحجم وعطاء الدكتور عبد الغفار مكاوي ، وقد تصورت

أنني ربما لا أجد مكانا في القاعة وأن الآلاف سيكونون هناك ولن يتخلف أحد ..وبينما كنت أتأمل وجوه الحاضرين

المتناثرين تذكرت أن للراحل مسرحية من فصل واحد بعنوان " الحصان الأخضر يموت على شوارع الأسفلت "

فتأكدت أنه الذاك الحصان ، ثم تذكرت في لحظة بديعة من تلاوة القرآن لشيخ موهوب يقلد الشيخ الطبلاوي مسرحية

أخري بعنوان "زائر من الجنة " فترقرت في العيون دموع .

تعرفت بالدكتورعبد الغفار عام 1971 ودعوته كي يتحاور مع شباب الأدباء في الندوة التي أسستها بشارع شبرا

وكنت مدرسا للفلسفة في مدرسة بنات قريبة ، وكان قد أصدرمنذ شهور كتابه الهام " ثورة الشعر الحديث "

الذي أزعم أن كل مثقفي الوطن العربي شبابا وشيبا قد أوسعوه قراءة، وما يزال هذا الكتاب يقبع في صدر

المكتبات الخاصة والعامة. وكان قدلفت انتباهي للمرة الأولي بعد قراءتي لكتابه  " سافو .. شاعرة الحب

والجمال عنداليونان" متأثرا بشكل ما بكتاب رائدالثقافة المسرحية دريني خشبة "أساطير الحب والجمال عندالإغريق"

الذي كتبت عنه مقالا في مجلة الفكر المعاصر عام 1966..

في الندوة لمست مدي ما يتمتع به من تواضع وحياء وعذوبة وهدوء وحب الاستماع والخلق الرفيع مع الموسوعية والميل إلي

التغيير والثورة دون ضجيج ، فهو ثائر صامت ومتمرد خجول ،ويؤثر التواري رغم العمل الدءوب  .

تابعت بشغف مسيرته بعد ذلك كمترجم كبير ومفكر عميق الرؤية وصاحب دراسات نقدية لافتة ، مثل "مدرسة الحكمة "

و" قصيدة وصورة " و"عصور الأدب الألماني "و"النظرية النقدية لمدرسة فرانكوفورت " و " الحكماء السبعة "،

وإبداعه الأدبي الذي تجلي في عدد من الروايات والمجموعات القصصية ،وقد ترجم من الشعر والمسرح الألماني

 الكثير عدا كتب أخري

        في مجالات متنوعة ، لا أحسب أن التاريخ الأدبي يمكن أن يتجاهلها إذا كان قد تجاهلها بعض المثقفين ، ولذلك

أطمع ألا تتجاهله بعد رحيله المؤسسات الثقافية المصرية ، راجيا أن يصدرتوجيه محدد وواضح من الدكتور وزير الثقافة

بإعادة جمع أعماله ، وطباعتها لتكون بسعر زهيد بين أيدي القراء ، ولا يفوتنا في النهاية أن أقول إننا بدم بارد

نقصر في حق أعلامنا ، وقاماتنا العلمية والثقافية السامقة من حيث التعامل والتقدير وطبع الأعمال وتداول الأفكار

وتقريبها من البسطاء والأجيال الجديدة ، وبهذا لا أظننا نسيء فقط ونقصر في حق الأعلام ، لكننا نسيء ونقصر

أيضا في حق الشباب والنشء، فمتى يحين الوقت كي نرسخ لهذه الرؤية في آليات ثابتة ترفع مستوي الوعي

لدي الجماهير المحرومة ؟. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق