قراءة فى مشروع الدستور المصرى الجديد المطروح للاستفتاء الشعبى عليه
قاسم مسعد عليوة
نعم.. سم غزير فى عسل قليل..
هذا هو مختصر رأيى فى المسودة النهائية للدستور المطروحة على الشعب للاستفتاء عليه
فى ديسمبر الحالى.
مواد قليلة أعدها مواداً جيدة
مثل المادة رقم (47) الخاصة بحق الحصول على المعلومات والبيانات والوثائق، ونرجو
ألا يأتى القانون الذى سينظم الحصول على هذا الحق فيجرده من محتواه، والمواد أرقام
(49-50-51-52) التى جعلت إصدار الصحف بأنواعها وتنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات
السلمية، تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية والأحزاب والنقابات والاتحادات
والتعاونيات بمجرد الإخطار. وإن كانت هذه
حريات منتقصة فلم يحظر مشروع الدستور حبس الصحفيين لأسباب متصلة بمهنتهم ، ولم
يفرض على الحكومة حماية الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية، ومن
المواد الجيدة، من رأيى، المادة رقم (127)
بالقيود المفروضة بموجبها على قرار حل مجلس النواب.
لكن المسودة حافلة بالمواد
المائعة والفضفاضة والمعطلة للحريات، ولى على سلبيات هذه المسودة ملحوظات لو
ذكرتها تفصيلا لاحتاج عرضها إلى كميات كبيرة من الأوراق لذا سأكتفى بذكر قليل من
الأمثلة لأوضح فداحة الكارثة التى ستقودنا إليها هذه المسودة إن أقرت. منها على
سبيل المثال نفى المادة الأولى فى المسودة النهائية للدستور شخصية مصر وهويتها
الخاصة بها، واكتفت بجعلها جزءا من الأمتين العربية والإسلامية. قد يرد بأنها مادة
تؤكد على معانى الوحدة، وأقول إن الوحدة لا تكون بمحو الهوية المصرية فى تاريخيتها
وكينونتها وإنما تكون فى إطار التنوع، وهذا مبدأ جدلى معروف ومستقر، ولا أعرف سببا
لهذا الفعل سوى القصد وتبييت النية.
ولم ينص فى مشروع الدستور على
انتخاب شيخ الأزهر وكذا انتخاب هيئة كبار العلماء، وإنما نص فى المادة (4) على
اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء وفقا لما يحدده القانون؛ والأوجب أن يتم
النص على اختيار شيخ الأزهر وأعضاء هيئة كبار العلماء بالانتخاب.
وجاء فى نص المادة (8)
"تكفل الدولة وسائل تحقيق العدل والمساواة والحرية، وتلتزم بتيسير سبل
التراحم والتكافل..." والحقيقة أن هذه المادة المرواغة التى تبدو فى ظاهرها
جميلة لكنها تشى بخبث من صاغها، إنها مادة تتيح للمسئولين فى الدولة التهرب من
تحمل المسئولية فهى إنما تتحدث عن كفالة وسائل وتيسير سبل، أما الفعل نفسه فالدولة
ليست مسئولة عنه. لا عن تحقيق العدل والمساوة والحرية، ولا ضمان التراحم والتكافل؛
الصحيح والواجب هو أن تكون الصياغة كالتالى: " تلتزم الدولة بتحقيق العدل
والمساواة والحرية وإشاعة التراحم والتكافل...".
وتفتح المادة (10) الباب لنشأة
تنظيمات من نوعية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وغيرها، بدعاوى الدين والأخلاق
والوطنية، كما يتيح النص فى نفس المادة غلى التوفيق بين واجبات المرأة نحو أسرتها
وعملها العام الفرص كل الفرص أمام من يريد الحد من تعليم وتوظيف الإناث؛ وقد يكون
من المفيد إيضاح أن حقوق المرأة غير مبرزة فى هذا المشروع؛ وقد خلطت المادة (11)
بين ما لا يخلط، وانتهجت نهج التعميم المخل وأوضحت عدم فهم القائمين على صياغة
مشروع الدستور لمعنى الثقافة ولا لأهميتها أو دورها فى بناء المجتمع؛ والتعريب فى
المادة (12) بالطريقة التى صيغ بها قد يكون عائقا للتقدم. أنا مع التعريب، وكل
وطنى مخلص معنى بالتعريب، لكن لا يكفى أن يقال فى هذه المادة أن الدولة "تعمل
على تعريب التعليم والعلوم والمعارف" وفقط، لكن من الضرورى التأكيد على
ألا يكون التعريب سببا فى تبرير
التخلف.
وربط الأجر بالإنتاج (مادة 14)
فيه إساءة كبيرة للعاملين، لأن العنصر البشرى مجرد عنصر وحيد من عناصر الإنتاج
الذى تتدخل فيه عناصر أخرى أكثر تحكما فى سير العملية الإنتاجية، والأوفق هو ربط
الأجر بالأسعار؛ ولماذا الاستنثاء من الحد الأقصى للأجور ألا يفتح هذا باب الفساد
على مصراعيه؟..
المصيبة الكبرى هى إباحة مشروع
الدستور لنظام السخرة. نعم السخرة.. أليست السخرة هى الإجبار على العمل، رضى
العامل أم لم يرض؟.. هذا المشروع بقانون أباح للحكومة الأخذ بهذا النظام المشين
المهين لآدمية المواطنين (المادة 64) ونصها ـ ولاحظوا الخداع الصياغى ـ "ولا
يجوز فرض أى عمل جبرا إلا بمقتضى قانون"، وهل كان نظام السخرة الذى شهدته مصر
يتم إلا بقانون وصادر عن جهة الحكم؟..
ومن كوارث هذا المشروع الإبقاء
على مجلس الشورى الذى طالما طالب الشعب والثوار بإلغائه، ليس هذا فقط بل مُنح هذا
المجلس سلطات صيغت بارتباك ورتبت علاقة مهزوزة بينه ومجلس النواب (بديل مجلس
الشعب) ومؤسسة الرئاسة؛ واحتفظ لنواب المجلسين بوظائفهم أو أعمالهم ولم يقترب من
الأجور التى يتقاضونها من الجهات التى يعملون بها (مادة 84)، وبهذا يكرس الرشوة
التى كان يمنحها النظام،الذى نتمنى أن يبيد، للنواب ليفرض عليهم التبعية للجهاز
التنفيذى الذى يقبضون رواتبهم منه ويفترض أنهم يراقبونه ويقومونه.
وأغلب المواد الخاصة برئيس
الجمهورية (الفرع الأول من الفصل الثانى من الباب الثالث) تكرس لدكتاتورية الرئيس
وفيما يلى ما يدلل على ما أقول سواء من المواد الواردة فى هذا الفرع أو غيره، فرئيس الجمهورية هو رئيس السلطة التنفيذية
(مادة 132)، ويختار رئيس الوزراء (مادة 139)، ويضع السياسة العامة للدولة (مادة140)،
وهو المسئول عن الدفاع والأمن القومى والسياسة الخارجية (مادة 141)، ويرأس
اجتماعات الحكومة متى شاء (مادة 143)، ويبرم المعاهدات الدولية (مادة 145)، وهو
القائد الأعلى للقوات المسلحة (مادة 146)، وهو من يعين الموظفين المدنيين
والعسكريين ويعزلهم (مادة 147)، ويعلن حالة الطوارئ (مادة 148)، ويعفو عن عقوبة
المحكوم عليهم ويخففها (مادة 149)، ويدعو الشعب للاستفتاء (مادة 150)، وهو الذى
يعين عشرة فى المائة من أعضاء مجلس الشورى (مادة 129)، ويعين أعضاء المحكمة
الدستورية العليا (مادة 176) ويعين رؤساء الهيئات الرقابية كلها (مادة 202) ويرأس
مجلس الأمن القومى (مادة 193) ثم فوق كل هذا لا نائب له، فهل هذه
صلاحيات وسلطات محدودة كما يروج الأخوان المسلمون ومؤيدوهم؟
وهل رأى أحد فى التعميم وغياب الضوابط مادة
تتعامل مع الجيش، ركيزة الأمن الوطنى، مثل المادة رقم (مادة 195) التى نصها "وزير الدفاع هو القائد
العام للقوات المسلحة، ويعين من بين ضباطها"؟.. من يُعين هو القائد الأعلى
للقوات المسلحة الذى هو رئيس الجمهورية، لكن من هم الضباط الذين سيتم الاختيار من
بينهم؟.. النص بهذه الكيفية يتيح اختيار وزير الدفاع، الذى سيصبح القائد العام
للقوات المسلحة، من حديثى التخرج من أى كلية حربية، أو من المساعدين أو صف ضابط
انتقلوا، بسبب الأقدمية أو أية ترقية عارضة، إلى سلك الضباط، مثلما تسرى على حامل
أية رتبة من رتب الضباط. هل يعقل.. جيش مصر يصبح هذا هو حاله؟!.. يضاف إلى هذا، وهذا قليل من كثير، إباحة المادة 198
محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية.
وإذا كان الدستور قد أبقى على المادة
الثانية فى دستور 1971م. بنصها، فقد قيدها وقيد مشروع الدستور كله بالمادة رقم 219
(الفصل الثانى ـ أحكام انتقالية من الباب الخامس)، وهى المادة التى تعرِّف مبادئ
الشريعة الإسلامية، فهى "تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية، والفقهية،
ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة"، وعليه من الممكن أن ترتفع
الأصوات للأخذ بعقوبات الرجم وقطع اليد والجلد، فيتعطل تنفيذ (المادة 36) التى لا
تجيز تعذيب المقبوض عليه أو ترهيبه أو إكراهه إو إيذاءه بدنياً أو معنويا، وتصير
مجرد حلية دستورية غير مطبقة فى مجتمع
يسوده الفقر والجهل والظلم وفقدان أبجديات العدل الاجتماعى وفى وقت يفوق ما يتحمله
المجتمع ما كان سائدا فى عام الرمادة.
ويضاف إلى هذا، والتأكيد ما زال قائما بأن
هذا قليل من كثير، شيوع عبارات من قبيل "تكفل الدولة"، "تعمل
الدولة"، "يرعى رئيس الجمهورية"، "يرعى رئيس الوزراء وأعضاء
الحكومة"، "يرعى النائب بمجلس النواب ومجلس الشورى" فى ثنايا
الدستور واليمين الدستورية، وجميعها تعبيرات مراوغة تتيح الهروب والتنصل من
المسئولية، فضلاً عن كونها محملة بمعانى الاستعلاء على الشعب، فبينما هم فى موقع
خدمة الشعب، وبتعبير آخر هم خدام الشعب، إذا بهم ـ بحكم الدستور ـ هم سادة الشعب
ورعاته، وهذا إرث من الدساتير القديمة كان ينبغى مع ثورة مثل ثورة يناير أن يُرفع
من الدستور ويُزال.. وحسبى هذا القدر فالباقى كثير.
الأربعاء 12
ديسمبر 2012م.
قاسم مسعد عليوة
المقال ملئ بالمغالطات المقصودة ... مثلاً وعلى سبيل المثال فقط تأسيس دكتاتورية الرئيس ... فالفرق واضح بين سلطة التعيين وسلطة الاختيار ... فرئيس الجمهورية له سلطة التعيين أما سلطة الاختيار فهي لمؤسسات مثل مؤسسة القضاء .. تختار النائب العام ... فيوافق الرئيس ..
ردحذفالأخطاء الواردة في المقال كثيرة ومتعمدة لتبرير رأي لا يستند إلى المنطق في التحليل و لا الشفافية في عرضه