الصفحات

2012/12/29

حين يجتمعون الشعراء في عزا وات الحبيبة يعيش الموت، ويحيا في ضوء الشعر.. بقلم: هدلا القصار


حين يجتمعون الشعراء في عزا وات الحبيبة
 يعيش الموت، ويحيا في ضوء الشعر 
بقلم/ الكاتبة والشاعرة هدلا القصار
وكأننا كنا بحاجة ماسةٍ للتحليق بفضاءٍ يتسع للغات الطيور المجنحة بألوان الحزن القائم، بين سيسولوجية الوطن، وسيكولوجية الشعب، وبين قذائف الكلمات التي أطلقوها الشعراء على غربان الزمن، لنكسر بحروف حضورهم حواجز غربة الروح التي جمعت صهيلِ شعراء تركوا قبلات حروفهم في المخيلة، لنتلمس جهازهم الذاتي.... قبل أن نترك حضورهم المتجلي على مصنفات الفكر والإبداع الجميل .
 شعراء لامسوا الألم الغزي وزرعوا أرضها لغة الشعر، كي تظل بندقية الكلمات شريكة القلم أبدا، وليظلوا الشعراء  يصرخون الشعر من ضلوعهم ... واقفين خلف تألق الكلمات ووقفات المعاني... عبر " منتدى الأدب و الفن و الفكر التقدمي " الذي جمعنا بالأديب والشاعر المتمرد توفيق الحاج، والشاب الهادئ والمتميز محمد الزقزوق، اللذان شاركا جراح الأديب والشاعر الجدلي الفلسطيني سميح محسن، الذي أتي من نابلس إلى غزة ليشارك هذه المدينة صراخ الصمت في بوح شذا الشعر، ويفرد بساط الكلمات، على رهيف إبداعات نصوصه التي تحمل نفساً حكائياً، فوق  طبقات أوراق تركت لغة الشاعر تأخذ راحتها بجرعات شعرية، تسرب الواقع والوقائع، بطريقة سردية، تنقلية،...لنستلذ من قصائده الهاربة من ادمع البلاء...، إلى ابتسامات محنية بأفكار ضبابية تحجب المسافة بين الشفاه، وحروف الشاعر سميح محسن، بأجنحة المظللة رحلة تنبض بمواجع الأصدقاء :

لكم أيها الأصدقاء

(1)
لكم أيها الأصدقاءُ الأحبةُ أن تعتبوا
فغزةُ تغرقُ بالنارِ
تؤنسها عتمةُ الوحدةِ القاتلةْ
(2)
لكم أيها الذاهبونَ إلى الموتِ
في عتمةِ الوقتِ
أن تبحثوا عن أنيسٍ يُهَوِّنُ وقعَ الصواريخِ
فوقَ سطوحِ المنازلِ
بيارةِ البرتقالِ
حقولِ الورودِ
صفيحِ المخيمِ
دورِ العبادةِ
والنبتةِ الذابلةْ

حمل الشاعر سميح محسن أورق صفصاف حقوق إنسانية الإنسان، في جو جدلي مع الموت والحياة .... هذا الموت الذي صوره الشاعر كصهيل حصان غير مروض ... يقتسم صحوت أقلام شاعريته، كلما راقصته حمرة الدماء على صور الأم، والابن، والشاب، والشيخ، اللذين حولوا قصائده إلى أمواج عامرة بمصابيح الشموع على أرواح من رحلوا فوق سطور الألم الغزية وندائه في سطوره :

(6)
تشبّثَ في يدِهِ بالشهيقِ الأخيرِ
وأمسَكَ بالوقتِ
من طرفِ الخيّطِ
طائرةٌ في بياضِ الفضاءِ ترفُّ
على جنحِ ليلٍ سيدخلُ في عتمةِ الروح والبيت
دماءُ الصبيّ التي التصقتْ في شظايا الصواريخِ أنَّتْ
على وَجَعِ القلبِ حينَ توقفَ نبضُ الحنينِ إلى دُميَةٍ
ظلّ يمسكُ أطرافَها اليابساتِ
وفيها تشبّثَ حتى الزفيرِ الأخير
لهُ الآنَ أنْ يستفيقَ على عجزِنا
أن ينامَ قريباً من اللهِ
يمضي إلى نومِه آمناً، مطمئناً
لَهُ الآنَ أن يستفيقَ
ويُعْلِنَ منّا براءَتَهُ
غزّةُ الآنَ عادَتْ تُدَثِّرُ أطفالَها بالشظايا
ولا تستريح

ليل
لغزةَ مقلةٌ تمتدُ من عينيّ امرأةٍ {{أسمّيها البلادَ}}
إلى ينابيعِ المياهِ تفجّرت من تحتِ إبطِ سحابةٍ
رسمت تضاريسَ الجليلِ،
وتعتلي نيسانَ،
تفرشُ أرضَهُ بالتوتِ والحنّاءْ
تفيضُ دماً
ودمعاً
كلّما مرت غماماتٌ محملةٌ بأطنانِ القذائفِ والمنايا

لغزةَ مقلةٌ تمتدُ من عينيّ امرأةٍ
تُمَشّطُ شعرَها في الليلِ
تصبُغهُ بماءِ الوردِ والدحنونِ

ربما كان الشاعر لم ينتهيِ بعد من رسم لوحات ما تواجهه مدينة غزة، التي رسم على جبينها خرائط الموت وتراتيل المواجع .... في قبلات نصوصه المحملة بصرخات موزعة بين ألواح الوطن، وبين غزة وولديها الطفل الذي لم يذهب ابعد من ثدي جذوره، بكلمات تتلوى من عمق الجرح المتناثر على توابل قصائد الشاعر سميح محسن، الذي لا ينضب من نهر حروفه الموغلة في قضايا المجتمع الفلسطيني، وهويته المصبوغة بلون الدم،  وبين أنواع الرصاص ....الموزع بين  قصيدة " لكم أيها الأصدقاء" وقصيدة " آمناً مطمئناً" و" ليل" و " إنْ لَمْ تُثِرك دماؤهمْ" حيث حلق الشاعر، كطائر أتم صراخ الوجع الإنساني ورغبته التي أصبحت كبقايا مركب تحطمت تحت شمس دخلت قدرها ....،  وخرجت من سخونة حكايات أخذت تلك الصور والأسماء من توابيت ذكرى موتانا ليقول لهم في:
قصائد قصيرة جداً

على صدرِ غزةَ علّقتُ قلبي، ونمتُ،
على نَبضِها في الصباحِ أقومُ من النومِ
أفتحُ عينيّ
وأضبطُ إيقاعَ يومي
على نَبضِها أحتسي قهوتي
تارةً تُنعِشُ القلبَ، تَمنحُهُ الدفءَ
أخرى تكونُ مبلّلةً بالدماءِ
وثالثةً مرّةً في المذاقِ
ورابعةً باردة،
وخامسةً دونَ طعمْ...
صباحكِ مجدٌ وعزّة...

على شاطئِ البحرِ تفردُ غزةُ ذاتَ صباحٍ جديدٍ جدائِلَها
كيّ تُنظّفَها من بقايا الرّصاصِ،
وتَضحكُ في سرّها...
بعدَ ليلٍ طويلٍ من القصفِ تنجو من الموتِ
تَنظرُ للبحرِ
والبحرُ يضحكُ في وجهِها...

يُشكّلُ سربُ الحمامِ غلافاً لقلبِ المدينةِ،
سَدّاً أمامَ القذائِفِ والطائراتِ
سواترَ تحمي البناياتِ
من حِمَمِ النّارِ
سربُ الحمامِ يصيرُ لطفلٍ كَفَنْ...

لِأُمّي التي شيَّعَتْ بينِ قافِلتينِ من الشهداءِ بَنيها
أخرُّ لها راكعاً
ساجداً لَها،
لستُ أعني هنا غيرَ غزةَ،
هذا العلو،
وهذا الشموخُ،
وإنْ كانتِ الآن تمشي على الرملِ حافيةً دونَ نعلْ ...
لقدْ خَلَعَتْ نعلَها
قدْ يكونُ لأمرٍ جَلَلُ ...    
}{على مَنْ على رأسِهِ بطحةٌ أنْ يحاذرَ}{

يرقص الشاعر فوق الكلمات، كوتر عود ناي زرع في جوفِ عصفور يرفرف إلى ما يشاء، يرتل الشاعر محسن، بذاكرة تغني حمائم الشعر الممشط على إيقاعه الإنساني، المنثور على بياض أوراق حقوق الإنسان الفلسطيني، الذي يمطر أمنيات جديدة بعد كل وعد ليتحد بتراب أجساد التحفت بملائكة السماء:  

لَها،
لستُ أعني هنا طفلةً غيرَها،
تنحني في السماءِ ملائكةُ الرّبِ طَوعاً لَها،
في المساءِ اطمأنتْ،
وقالتْ بأنّ الصواريخَ تخطئُ أهدافَها في الظلام،
وكانَ مساءُ المدينةِ قد عادَ من نزهةٍ في شواطئِ غزّة،
كأمّ رءومٍ أعدّتْ حليباً لدُميتِها
هَدْهَدْتها
ونامَتْ على حِجْرِها في سكينةْ،
وفي غفلةٍ صَعَدَت للسّماءِ
مكللةً بالبياض...
على شرفاتِ مقابرهم يجلسُ الشهداءُ وحيدينَ هذا المساء...
وحيدينَ يسترجِعونَ تفاصيلَ ما أحدثَتْهُ الصواريخُ في مشهَدِ الحربِ،
لا ينظرونَ إلى شاشةِ التلفزيونْ،
لقدْ ضجروا
ليسَ من مَشْهَدِ القتلِ
بل من أحاديثِ ساسةِ هذي البلاد...

أزيزُ الرّصاصِ يُغَطّي سَماءَ المدينةِ
يَرسمُ شارةَ نَصْرٍ على جَبْهةِ البَحرِ
يجْفِلُ سربُ الحمامِ
يطيرُ،
يَحطُّ على سَطحِ بيتٍ تَقَوّسَ بالأرض،
أنينٌ لِطفلٍ تَدثّرَ بالرّدمِ
صوتُ شَهيدٍ يُهَدّهِدهُ
كيّ ينامْ....

مَطَرٌ على الأبوابْ،
صباحٌ غائمٌ بالغيبِ
والشهداءُ ينتظرونَ قَهوَتَهم
على وَجَعِ الغيابْ

وراءَ جِدارٍ تَشبَّثَ بالرّيحِ
طفلٌ يراقِبُ مِنْ كوةٍ بالجِدارِ
اصطفافَ الكِبارِ
على صَهوَاتِ الخِطَابةْ
بكى، عندما أسقطوا أمّهُ
أختَهُ
جَدّهُ
عمّهُ
خالَهُ
وأباهُ الذي ماتَ وهو يُجمِّعُ أشلاءَهم،
من نصوصِ الكتابَةْ
بكى، واختفى
غابَ في غابةٍ من كآبةْ

ها كم الأديب سميح محسن، لم يحاول أن يلبس ثوب غير ثوبه ليلاقي الآخر في منتصف الطريق، بل اتخذ طريق التعبير عما يجول في كاميرا عيناه ومشاعر قلبه الذي يحمل إنسانية الإنسان، وجوده على الأرض التي تحمل دمائه، في صدى مشاعره وثقافته الوطنية التي احتضنت سحابات الأنا واتحادها بالآخرين، لينقل همومه وما جال في خاطره من أفكار وتطلعات سامية، إنسانية صوفية، تعبر دهاليز العقل الذي رسم معالم طريق الواقع على ارض كنعان ....
*********

( يقول الشاعر البلجيكي " دونات شاينر" أن للشعراء أوطان، فهناك شعراء تجذبهم أجواء المدينة والحياة فيها ... وهناك شعراء تشدهم الأحاسيس الإنسانية في دواخل الإنسان..، وهناك شعراء تجذبهم المشاعر الثورية...النضالية، وهناك من يدخل عمق وطنه، وجذوره، وبيئته) .
كما جاء في نص الأديب والشاعر المتمرد والجريء توفيق الحاج، الذي شارك الشاعر سميح محسن، مرحبا بإقامة الصلات على السياسة والسياسيين، ومن تسيسوا بمفاتن كاذبة، وعلي المجتمعات المتكالبة على الكراسي, وبائعي المواقف المغلفة بالنفاق، في قصيدة تحمل من عشرون عاماً، لكنها ما زالت تصهل شذرات تلك المواقف التي لم تبتعد عن امتدادها حتى يومنا بعنوان (انتصار الأسئلة)  وهذا العنوان قد يكون انتصر على أسئلة الشاعر، الذي تنبئ بتلك الأسئلة .... وقد تكون هذه الأسئلة ما زالت منتصرة على شفاه الأوراق التي احتملت عشرون عاما، دون صدى لانتصار الأسئلة التي وردت في قصيدته :
انتصار الأسئلة
1
الوقت يسرقنا..
تنهشنا بذاءات الرماد
لا أكابر..حين تسلبني مزاريب السياسة كل صبح..
لا  أكابر..
هاهمو..نهبوا التهاليل..البدايات.. الضفيرة
وامتطى وطني لعاب المدعين..
أهل الفخامة والزعامة والإمامة..
والحكايات المثيرة..!!
2
أعذروني..
إن تكن مني القتيلة هذه المرة ..ليلي غجرية..!!
ما عدت أحتمل القوافي..
ما عدت أحتمل الليالي
ما عدت أحتمل البلاط ،وسجدة الشعراء..
حبا في العطايا المخملية..!!
وبهذه الصرخات المحمرة الوجه، والعينان الذاهبتان للبعيد، وبصوته الخشن أطلعنا الأديب والشاعر توفيق الحاج، على خط سير ذاك التاريخ، وخصوصا تاريخ الفكر الضالي، والسياسي، الذي قيمه الشاعر من خلال هذا النص كنوع من تحليل العقل العربي ومكوناته، وبنيته الثقافية، واللغوية، والأخلاقية، وقضايا مستقبل سليم معافى من مفاوضات ما زالت نائمة مع أهل الكهف .
3
يا رفاقي..
هلا سألتم نهركم عند التجلي..؟!!
كم من الأسماء فارق في مسارات الهوية..؟!!
كم من الأمراء باعوا.. ،واستفادوا ..
من دهاليز القضية..؟!!
4
اغفروا لي انفجاري..
في مواويل تعشش في زوايانا خرافة..
نحن بأنفسنا بنينا..كل أصنام البطولة ،والبلاغة، والحصافة
وجعلنا من تلاميذ القوافل ..أنبياء
وبكينا .. حين أدركنا المسافة..!!
5
أخشى عليكم ..
أخشى على نفسي..
من العزف  الغبي على وتر المحبة..
الصدق  والإيمان بالثورات لا يكفي ..
ولا تكفي المحبة..
علمتني جذوة الغزوات..
أن لا شيء أقسى من وساوس جائع استأنس الأوجاع..
وأضاع العمر بين الجائعين..
جرحي الأكبر..حلمي
نشوتي الأخرى التي ذهبت بعيدا
بينما خدم المليك من الشمال إلى اليمين
ومن اليمين إلى اليمين
الصاعدين النازلين
الحاصرين الغائبين
الملحدين المؤمنين..
يسرقون ،ويهربون ،ويدعون..
أنهم آباء كل الثائرين..!!

لكي لا يستغرب المتلقي أمام هذه النبوءة الزمنية، للشاعر توفيق الحاج، الذي وضع محتويات العقل السلطوي، نقول له: بان لا يستغرب هذه الواقعة، لان لكل كوكبة مكانة ولكل حكاية نورها، ومعناها، في علامات من يجاور السارد ورسائله الدالة على ما تيسر من ضلوع الشاعر، لنرى أنفسنا أمام اعتبارات تعني بالكلم الأدبي، والخصائص المميزة باللغة والأسلوب الجمالي... وفق رؤية مؤرشفة دالة للحظات مخبأة في صدر الشاعر توفيق الحاج، للرفاق الذين تاهوا وراء العولمة والخصخصة والبهرجة ..... 
6
يا رفاقي..
اسمحوا لي أن أمزق عنكمو صلف الثقافة
بعض من الترف المضلل.. لونه أجمل ..
لكن..
طفلنا المحروم يعرف..
آن للصادق وعد..
بينما للكاذب ..مليون ارتجافه..!!
7
آمنت جدا.. ان الشاعر الثوري شبهة..
وبراعة الزحف المنمق فوق جمر الضاد شبهة..
ومراودة الأماني دون وعي الشوق شبهة

يبحث الشاعر توفيق الحاج، عن من يتوحد مع مفهوم، فلسفته، وعمق تفكيره، اتجاه القضية التي أصبحت في خزائن بورصة العالم، والمتلاعبون بتجارة القضية الفلسطينية في الماضي، الذي ما زال يتلوى في اضطرابات حتى هذا الجيل ...

8
جئنا إلينا..
كي نمارس لهونا..
ونعد نضالنا التحتي في الغرف الوثيرة..
لحظة..يتضاءل المخدوع ..يسأل
كيف طاوعني شراعي..
أشرب الكاسين..
أهذي.. تحت اضواء الشموع
يا الهي..
كيف طاوعني شراعي..
وفي المخيم من يموت..
ومن يجوع..؟!!
يا الهي..
صور المآدب لا تساوي كف رمل من بلادي..
مهما تباكت..
فالدماء هي الدماء
والدموع هي الدموع..!!

9
لا ..
ليس حقدا..أعلن العصيان
من حقي..
أن ازدري الأصنام
ألا أشارك في سجود الذاهلين..!!
أن أبين..
كيف يخدعنا ..بريق الأغنية..؟!!
خذوا مثلا..
أولياء العشق في المنفى أرادوا
شهوة الأعشى تبول على سطوع الشنفرى
أرادوا.. عروة بن الورد يسجد ليزيد..
شاكرا..!!
أمراؤنا..
نحتوا البحار المعدنية
احتسوا خمر البغايا..
في كؤؤس الوطنية..
يا رفاقي..
أصبح الشعر حشيشا..
بيع من أجل  القضية..!!


وهكذا رأينا أن الشاعر، الذي لم يكن من بين الذين يبحثون عن الأضواء، وليس هو من بين اللذين يتنقلون كل يوم من مرحلة إلى مرحلة، ولا هو من احد المغمورين...، بل ما زال في نشاطاته الأدبية المتنوعة ..... وما زال ملتزم بحمل ثوابته القيمة، الآتية من الزمن النشط إلى زمن انعدم فيه صدق النضال الصادق ... فهو يمثل الاتجاه الأدبي القريب من الفلسفة الميتافيزيقية، العقلانية التي تجمع بين " المختلف والمؤتلف،" في الأخيلة الفكرية التي تدلت من سيمفونية "انتصار الأسئلة" وتكهنه للمفاهيم، في رحلة العزف على أوتار الزمن الشبيه بأسئلة الحاضر، المرتبط بالماضي، الذي عاش ومات في مهبط وحي الشعر والحكمة ...

وهكذا يذكرنا الأديب والشاعر توفيق الحاج، أن تلك الكلمات التي سبق وتنبئ بها... ما زالت تشبه ما يحصل على ارض الواقع.. ، ليطلع عليها ناشئ هذا الجيل الجديد، وليروا وما يدور من تحت الطاولات، وخلف الستائر المبهرة

10
قمر ..كما الشاطر حسن
كنا نصلي للخلاص بأغنياته
عشنا نثرثر كل شيء عن مزامير تلاها للبيادر
اكتشفنا فجأة ..
أن منقذنا ..توظف في شؤون المدح
يحمل صورة الوالي..
ويهرع في اتجاه السرب ليلا ..
ويغادر..!!

11
فرح.. كما عرس الشجن
أهدى إليه حزبه..
بعض نكهته، وال المعرفة
نادى طويلا بالتمترس ،والأغاني النازفة
رغم التشاؤل..
شاخت بدايته  فاهدي طعنة للدرب
عللها ..
بانحناء الاغنيات.. امام قصف العاصفة..!!
لا ..
لا..يارفاقي..
هذا هارب..
شكله الاممي غافلنا..
فاخجلنا انهزام الاغلفة...!!

11
لا تدهشوا..
بيننا نفر.. يجيد الغوص  في كل البحار
يراقص ألف غانية ،وينسى..
يدعى الحرص على شرف السبايا..
يطلب الحرب..
ويأسى..
ثم  يؤذن بالفرار..!!
بيننا.. من لا يزال يبيعنا وهم السلام
وبيننا ...من مزق الوطن الغريب لأجل ليل ..
قطعتين..!!
لمن..؟!! وكيف يامولاي..؟!!
أين..؟!!
يا ذا الحطام.. أنعى مصالحة تموت..
،والكل يشنقه السكوت..!!
بينما الأمراء ،والتجار ،والفجار ،والأنفاق، والأزلام تهتف:
يحيا الانقسام..!!

12
فليهنأ وا..
بقصائد المدن التي لم يعشقوها مثل روحي المحبطة..
فليفرحوا .. بموائد الإفتاء في بصرى الغبار.. الساقطة
وليرسموا..خطو العراة اللابسين..مطابع الأمراء..
اللاجئين إلى العواصم أغنياء..
مهما تدور الخارطة..!!

13
كذبووووووووا
وقالوا... ألف ملحمة عن الوطن النهار
سرقوا قصائدنا..
سحلوا أغانينا..
قتلوا أمانينا..
وقالوا :قاتل الله الحصار..!!
كتبوا... على نغم  المدافئء..
وصفا لبرد الاعتقال..
وحكوا فضائل نفيهم..مجد الخطايا في النضال
دوما ..اعدوا شعرهم..
رقصوا على حبل المواقف.. ،وارتشوا
قبضوا لكل قصيدة ثمنا..
وكانوا في دفاترنا...
رجال..!!
جعلوا لبيت الشعر سعرا في الدواوين المضيفة
أثروا دعاة ..لاهثين
وراء طاغية .. ،وجيفة
هاهمو.. في جوعنا امتشقوا
الفنادق ،والكواكب ،والقطيفة
لو أنهم صدقوا..
وكانوا بين أنات الأزقة ،ووصايا الراحلين
لو انهم صدقوا..
وكانوا وحي أبناء الحجارة..قبل قطف الياسمين
لكنهم ركبوا حكايانا
تباكوا.. في وداع العاشقين..!!

14
يا رفاقي..
تكلم وجوه الراقصين ..الحالقين ..الملتحين
على بساط المرحلة..!!
تكلم  قواف فارقت أحلامنا..
والقافلة..
هذا البريق المتباهي..
هذا الصراع على الفتات..
هذا اللهاث..
سينتهي عند انتصار الأسئلة
سينتهى..
عند انتصار الأسئلة..

********
لم يبقى لدينا سوى أن نلج بزوايا نزهة الشاعر الشاب محمد الزقزوق الذي تستفز حبر القلم  الذي شدته كهولة الشعر، وتسلق في سماء المخيلة كنورسه يبحث عن اصطياد المهد من غابات ليل مخبأ في خزائنه الساهرة فوق أوراقه، المستسلمة لحلم يقظته، وأطراف رؤيته التي منحته الإبحار في عرش يفوق مخيلة شاعر تهيئ للشعر....

في إطلالة خفية حمل الشاعر الشاب صهيله الغني بدلالات وصياغات محكمة البيان، في تراتيل صوفية مبدعة، تليق بحزن شاب اغتيلت مواهبه الشبابية بين حرب وحرب، وبين موت وموت، وبين قرار سياسي وبيان، والقصف والطائرات، وبين العزاء والعزاء، وبين النظرة وحزن القلب، بحروف تحمل فاكهة الإبداع، وبجمالية ذائقة التي نقلها للمتلقي، عبر مفرداته المغمسة بشهد المدى المكبل بالخوف على "غزة" في مجموعة حكايات من الحرب:

تَـــخـوف
أخشى أن تُصبِحينَ نُصباً تِذكاريا ً أو مزاراً لهُواةِ المغامرة يأتونَكِ من شتى بِقاعِ الأرض لالتقاط الصُورِ التِذكارية أو كِتابة قصص الدراما و المُغامرة أو رُبما مكاناً لِلبحثِ العِلمي أو مُختَبراً للفِزائين , أخشى أن يَنزعَ عنكِ المؤرخون بزتك العسكرية ويُلبِسوكِ ثِياب الأمم المتحدة كوني بخير يا مَدينتي الصغيرة

وكأنه الشاعر محمد الزقزوق، ينام ليكتب، ويكتب ليهدأ ما في داخل حروفه السرمدية  المقتحمة أبواب التأمل والصمت حيث يرفع الشاعر لجام الشباب لينتزع من الوجود أدواته ومفرداته التي بإمكانها أن تجمعه بمن سبقه من الشعراء عمرا.... يعيش في حيرة تساؤلات تحمل عبير الأنفاس المتكئة على ظله، المرتسم فوق تابوت الورق، كغدير توضأ للصلات .... بسطوة مرارة الحزن والغضب
المتجلي على توظيف مفرداته المنتشرة في منازل الجار والأخ والصديق والشاب والعجوز وحب الحبيبة في جسد غزة، إلى  تحول كرمال فارس اقتحم الشعر، وتواشيح أوتار الوفاء، في صوت يخفق كصدر دوري يبث غدير التساؤلات :


تَســـــاؤل

كَيفَ تَتَسعُ أماكِنُكِ الضَيقة لضَجرِ العاطِلينَ عن العمل ولِصَخبِ سياسيوكِ الجدد , الحَربُ ضَيفَتُكِ المُعتادة تُكرمينها حتى البذخ يَومين أو أكثر تَترُكُك وقد اتفقتما على زيارةٍ أخري , يا مدينتي الصَغيرة كيفَ تُناوئين وكأنكِ أكبر مُدنِ العالم , أليس منَ الظُلمِ أن تَكونين أنت وحدك آخر المُدنِ التي ما زالت تَعرف قيمة الحرية وتدافع عنها , حبيبتي سَتكونين سيدة المدائن وجميلة الجميلات

أما في مقطوعة " قادة الحرب "  تحرك الشاعر محمد الزقزوق، في دائرة من جداول الشعر، ورغبات تطوف بحوارات شريدة، ليسطر أناه في جسد مدينة "غزة" في حوار مبتور الإجابة، المبحرة في لمعة عيناه الغائرتان السابحتان، في أغوار مواقف يترنح  في صوته المتجه نحوى مدينته التي تموت وتحيا أمام أعين القادة :    
قادة الحَرب

مَدينَتي الصَغيرة من يَصُدُ الضَرباتِ عَنكِ الآن هم صِغارك , يا لهم من بارِعون حتى بَعد أن يَموتوا تَبقي دمائَهم تقاتل الجُناة , أخبريني كيف أمسك هؤلاء الصِغار بِيدكِ عندما أردتِ أن تَتَجاوزي الطَريق ما قَبل الآخرة نحو النصر , وكيفَ هدءوا من روعك كُلما على ضجيجُ الحرب , ها هم يقودون المَعركة وكروش نعاج العرب ما زالت تكبر أكثر وأكثر , هم أسطورتُك الضاربة في أعماقِ الأرض

بين الموت والضوء المنعكس على تماوجات متعبة انفرد الشاعر الشاب محمد الزقزوق" الذي ذهب إلى ما بعد الروح في حروف تروي ما يكفي لجرعات تساهم في أعادة ترميم الأنفس التي تكسرت في معبدها، المتمايل بين البسمة والحزن في صهيل يوحد أصوات الشعراء في صراخ قد كان يجب أن يتغنى بأهازيج الحب والوجد :

صُــــراخ

غَزة أنا الان عاجِزٌ عن التَفكير أو القِراءة أو التَدخين بِالشكلِ المُعتاد كل ما أفعَلهُ الان هو تَأمُلِكِ , يا الله ما هي تِلكَ الأرض التي تَحمِلك أنت وحدك فيما الإنسانيةُ رجلٌ مُسِنٌ أبكَمٌ معصوم العنين مدمنٌ كُلما على ضَجيجك تناولَ جُرعةً منَ الأفيون وكلما ازداد نَزفكِ تَناولَ جُرعةً إضافة يا مدينتي الصغيرة كيف تَتَسعين لِكل هذا , صواريخ , قنابل , دماء, أشلاء, موت , حرب, ضرب, ضجيج, ضجر, صخب, فتور, قوة ., ضعف, ألم , سعادة , نشوة , هدنة , لا هدنة , عرب, جرب, عاشقون , محاربون , سياسيون, إعلاميون , وقت , لا وقت , يا الله كيف لا تصرخين , كفااااااا

وهكذا طاف الشاعر الشاب محمد الزقزوق، في بكائه على الجميلة "غزة" باندفاع وشعور سام،  وآماله تخالطها آثار السنين الهاربة من عوامل الشباب والوجد ... ليتخذ قمر الشباب رفيق درب معاناة شعبه، في موسيقى الشعر  قبل ان يفر العمر من سجن الأيام  
***********

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق