الصفحات

2012/12/14

يده في يدي ..!! قصة بقلم / محمود أحمد على


يده في يدي ..!!
قصة بقلم / محمود أحمد على

القصة الفائزة بالمركز الأول في مسابقة الدكتور طه حسين(متحف رامتان) لهذا العام
مهداة :
إلى ضحايا ماسبيرو
الولد  "أسامة" – جارنا – ابن الأستاذ "سمير" .. دائماً يعاندني، بل ويضطهدني في كلامه وحركاته ؛ رغم أنه أصغر مني في السن والطول والعرض ..لقد حاولت في مرات عديدة أن أغير من موقفه هذا .. ولكني في كل مرة أفشل ..لقد تعجبت من اضطهاده الشديد لي ، ولماذا أنا بالذات دون غيري ..؟!! رغم أنني لم أرتكب في حقه أي شيء يغضبه .. بل هو الذي يستفزني للغلط ، وكان آخرها أول من أمس عندما وقف أمامي كعمود نور خرب ؛ ليعترضني ، مانعاً دخولي الشارع وهو يقول  بأن بيتنا هو البيت الوحيد في الحارة بأكملها الذي به مسلمون ، ويجب علينا أن نرحل من هنا ..عندما سمعته أمه يقول ذلك .. أسرعت إليه .. أمسكته من أذنه وراحت – بشدة – تضغط عليها بإصبعيها وهو يصرخ ويتقافز من شدة الألم ..بل والأكثر من ذلك عندما عرف والده الأستاذ " سمير " بما قاله ، أمسكه هو الآخَر وأقسم بالله والمسيح أن ( يمده ) على قدميه حتى يطرد تلك الأفكار الغريبة من داخل رأسه ..
$ $ $ $
عجبت لأمر أسامه ، رغم ما يراه من حب وصداقة بين الأسرتين .
فأبوه دائماً يأتي لوالدي بعد صلاة العصر حاملاً بين يديه (الدومينو) وكرسياً خشبياً ، وما أن يراه أبي حتى يخرج هو الآخر حاملاً بين يديه كرسياً و (ترابيزة) صغيرة .. يجلسان أمام عتبة دارنا يلعبان (الدومينو) وصوت ضحكاتهما يكاد يرج البيوت من حولهما ..حتى أمه الست " تريزة " لم تتوقف يوماً عن دق بابنا ؛ كي تذهب بصحبة أمي إلى السوق ليبتاعا الخضار كما تعودا منذ سنوات ، حتى اعتقد بعض النسوة اللاتي لا يعرفنهما أنهما أختان توأمتان .
وفي ميعاد الغداء ، وبعد أن ينضج ( الطبيخ ) تطلب مني أمي أن آخذ طبقاً مما صنعته يدها كي أوصله إلى جارتها المحبوبة الست " تريزة ".. وما إن ترني حتى يتهلل وجهها فرحاً وهى تقول :
( ريحة الحبايب هلت .. )
تأخذ مني الطبق .. وبدورها تعطيني طبقاً مملوءاً بخضار الغداء ، وهي تعلن أسفها الشديد :
( ربنا يهديه ..)
تقصد بدعائها ابنها " أسامه " لأنه يرفض أن يدخل بيتنا
$ $ $ $
يبدو أن الولد " أسامه " لم يتب عن عناده معي ؛
برغم ما فعله أبواه من قرص في الأذن ومد على الأرجل ، فبعد خروجنا من مدرسة الإنجيلية الإعدادية .. كان " أسامه " يتقدمني ، ويبدو أنه شعر بوجودي خلفه ، وما إن وطأت قدماه مدخل الحارة حتى أخرج من جيب حقيبته أصابع الطباشير الواحد تلو الآخر وظل يرسم على جدران المنازل (الصليب) ولم يكفه ذلك بل راح يخرج لسانه لي من حين إلى آخر حتى انفجر بركان غيظي  ،  على الفور وجدتني أخرج – أنا الآخر – أصابع الطباشير الواحد تلو الآخر ورحت أرسم الهلال ..أغضبته فعلتي ..فأمسك حجراً ورماني به .. تفاديته وتنحيت جانباً ..أسرعت إليه .. وضعت رأسه أسفل إبطي وأوقعته على الأرض ، ورحت أضربه ضربات عديدة في جسده ، علا صراخه .. تجمع أبوانا .. ضربه أبوه .. وضربني أبي بشدة .
$ $ $ $
لم أعد التفت لما يفعله " أسامه " ؛ لأنني قررت تجاهله تماماً ..والفضل يرجع في ذلك إلى أبى ، فبعد أن ضربني أبي
أجلسني أمامه وراح يقول :
( يا ابني الآية الكريمة بتقول " لكم دينكم ولي دين" )
لم أفهم ماذا يقصد ..
عاد يقول :
( يا حبيبي همَّا ليهم دينهم.. واحنا لينا دينَّا .. المهم بيجمعنا حب واحد ، ووطن واحد ، وهنفضل حبايب ، والنبي الكريم وصى على سابع جار ، وهما أول جار ، الحيط في الحيط .. )
يوم ........
يومان ......
أسبوع ......
أسبوعان ....
يراني " أسامه " فيلفت وجهه في اتجاه آخر ، وأنا مثله تماماً لا أريد النظر إليه ، حتى حدث ذات يوم أن جاءني من يخبرني بأن هناك من يضرب الولد " أسامه " .. تبسمت ، وقلت لمن جاء يخبرني :
- أحسن خليه ياخد على دماغه ..
ولكني عدت وتذكرت حديث أبي ..
( بيجمعنا حب ، ووطن واحد ، وهنفضل حبايب .. )
فأسرعت إلى مكانه ، لا أدري كيف وصلت ، كل ما أذكره أنني أمسكت بمن يضرب " أسامه " وضربته في وجهه _ رغم أنه يكبرني في كل شئ _  فعاود وضربني ضربة قوية أوقعتني أرضاً ، رحنا نتبادل الضربات فيما بيننا ، حتى جاء " أسامه " من الخلف ودفعه بشدة فأوقعه على الأرض ، وتكاتفنا ورحنا نضربه ضربات عديدة متتالية ، لم يصمد أمامنا طويلاً فهرب مسرعاً ..
أسرع " أسامه "  وجاء لي بالبن من البيت ؛ كي يوقف الدم المتساقط من وجهي ..!!
$ $ $ $
بعد أن شفيت تماماً ..
جاءني " أسامه " وفي يديه علبة من الطباشير ذات الألوان المختلفة ، ودعاني للخروج معه إلى الشارع ، ففعلت بعد إلحاح شديد منه ، فتح علبة الطباشير .. قسم ما بها إلى نصفين نصف له  والآخَر لي ، ثم راح يرسم فوق جدار المنزل الصليب ، وغمز لي بطرف عينيه ، على الفور فهمت مقصده ورحت أرسم الهلال وهو يحتوي الصليب ، وأصابع يدى تتشابك في يد " أسامه " .

عضو اتحاد كتاب مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق