الصفحات

2013/01/01

التسامح الإسلامي وتحقيق المصالحة الوطنية بقلم / أحمد علي صالح محمد


 التسامح الإسلامي وتحقيق المصالحة الوطنية

بقلم / أحمد علي صالح محمد

التسامح في الإسلام يصون أرواح الناس ويأمر بحُسن مُعاملة عموم الناس لذلك فإنه أصبح ضرورة من ضرورات الـعصر علي مستوي الأفراد والجماعات داخل الوطن الواحد 0

ولا شك أن مصر كانت حزينة عندما تعرضت كنيستي مارمينا والعذراء بإمبابة بمحافظة الجيزة لأعمال الحرق والتدمير من قِبل مخربين والتي أسفرت عن مقتل 15 مواطن مصري وإصابة المئات بالمستشفيات وكذلك في محافظة أسيوط جنوب القاهرة كادت أن تقع مجزرة بين مسلمين ومسيحيين لولا تدخل العقلاء من الطرفين بعد تبادل لإطلاق النار بين الجانبين 0

هذا في الوقت الذي دُمرت – من قبل - كنيسة صول باطفيح غرب القاهرة بعد ثورة 25 يناير وأعادت القوات المسلحة بناؤها من جديد وقبل الثورة بأيام كنيسة القديسين بسيدي بشر بالإسكندرية والتي تعرضت لتفجير انتحاري أسفر أيضاً عن مقتل العشرات من المواطنين المصريين ومئات الجرحى ، والتي حلت الذكري الثانية لها منذ أيام 0

كما أن الأحداث الأخيرة التي شهدتها مصرنا الحبيبة والتي منها علي سبيل المثال لا الحصر : التظاهر أمام المحكمة الدستورية وتعطيل عملها ، والاعتصام أمام مدينة الإنتاج الإعلامي لأكثر من عشرة أيام ومنع بعض الإعلاميين من دخول المدينة لأداء عملهم حتي لو كنا مختلفين معهم في الأفكار والقناعات السياسية ، كما أن أحداث الكر والفر بين المتظاهرين المؤيدين والمعارضين أمام قصر الاتحادية ليست ببعيد وقد أسفرت عن استشهاد العشرات من أبناء المصريين ، كل هذا يجعلنا نتساءل : أليس كل ذلك أدعي لنبذ الخلافات والدعوة إلي التسامح والحوار ؟ !!!!!

ولا شك أن هناك آداب كثيرة أمر بها الإسلام وعلي رأسها تأمين كل من يطلب الأمان حتى ولو كان من الأعداء فالمُستأمن لا يُؤذي أياً كان بل تجب حمايته في نفسه وماله وعرضه ما دام في دار المسلمين .

وقد حذر الإسلام أتباعه من الغدر والاعتداء علي الآخرين يقول تعالي : ( ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) ( سورة البقرة من الآية190 ) .

ويروي الطبراني عن معاذ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من أمن رجلاً فقتله وجبت له النار وإن كان المقتول كافراً ) ( معجم الطبراني الكبير ) .

فالأصل في الشريعة استتاب الأمن والسلام بين الناس ، أما العنف والغدر فهي أمور يأباها الإسلام ويرفضها ، فالتسامح معناه الاعتراف بالآخر واحترامه ، إنه وحده الكفيل بتحقيق العيش المُشترك بين أبناء الوطن 0

وما أحوجنا ونحن نعيش تلك الأيام العصيبة التي يمر بها الوطن لمثل هذا الخلق الجميل خلق التسامح والذي تحلي به سيد الخلق محمد صلي الله عليه وسلم ، الذي تسامح مع أعدائه وفي لحظة انتصاره حين قال لهم بعدما دخل مكة فاتحاً لها : ماذا تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا : أخو كريم وابن أخو كريم ، فقال قولته المشهرة : اذهبوا فأنتم الطلقاء .

هكذا فعل رسول الإسلام بأعدائه ، فما بالنا ونحن المصريون أبناء وطن واحد ، نستظل بسماء واحدة ، وتقلنا أرض واحدة ، وجمعتنا ثورة واحدة ، تلك الثورة العظيمة التي كان المسلمون والمسيحيون – علي السواء – يد واحدة ، يحرس بعضهم بعضاً عند أداء الصلوات أو القداس . 

فالإسلام أقر بأن الناس جميعاً علي اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم انحدروا عن أصل واحد فأبوهم جميعاً واحد هو آدم وأمهم جميعاً واحدة هي حواء قال تعالي : ( يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء ) ( سورة النساء من الآية 1 )

ومن المعروف عند أولي العلم أن الحرية الدينية حق للمسلمين وغير المسلمين ما داموا يعيشون في وطن واحد تحت سماء واحدة وعلي أرض واحدة وتجمعهم مصالح مشتركة ، فتجمع الجميع القاعدة الشرعية الإسلامية التي تقول : " لهم ما لنا وعليهم ما علينا " وهذا يحمل الجميع علي القول الطيب والعمل الحسن وعلي القيام بكل ما من شأنه التعاون والإخاء الإنساني ، فكل من يحمل الجنسية المصرية يتساوي مع غيره في الحقوق والواجبات ، فالاختلاف في العقائد لا يمنع التعاون لأن الذي يُحاسب علي العقائد هو الله وحده 0

إن دستور علاقة المسلمين بأهل الكتاب وخاصة المسيحيين يتبين في قوله تعالي : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ) ( سورة الممتحنة الآية 8 )

فقد رخصت الآية الكريمة للمسلمين البر والصلة قولاً وعملاً لغير المسلمين ، بالإضافة إلى مجادلتهم بالتي هي أحسن ومحاولة إقناعهم بالحكمة والموعظة الحسنة يقول الله تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) ( سورة النحل من الآية  125 ) .

وهذا مثال آخر يضربه لنا رسول الله صلي الله عليه وسلم للتسامح وقبول الآخر فيستقبل وفد نصارى نجران ويسمح لهم بإقامة صلواتهم في مسجده ، بل يقبل صلى الله عليه وسلم هدية من المقوقس حاكم مصر وهي الجارية– السيدة ماريه القبطية - التي تزوجها وأنجبت ولده إبراهيم ، ثم وقف فقال : ( استوصوا بالقبط خيرا فإنَّ لي فيهم نسباً وصهراً ) والقبط هم المصريين المسيحيين 0

تلك الروح الجميلة التي أرساها وبني دعائمها محمد صلي الله عليه وسلم بأقواله وأفعاله ، والتي يجب أن تتحلي بها جميع القوي السياسية الإسلامية منها والليبرالية والمدنية .

ومن المعروف أن النزاعات الحالية بين هذه القوي لن تحل الموقف الشائك أصلاً ، بل علي العكس قد تزيده اشتعالاً ، ويجب أن يتذكر الجميع شيئاً واحداً أن مصر هي ذلك الوطن الغالي علينا جميعاً الذي نفتديه بكل غال ورخيص لأنه يدفعنا – وببساطه – إلي مصير واحد .

ولقد شهد كثير من مُفكري وفلاسفة الأديان الأخرى بسماحة الإسلام وقبوله للآخر وتعايشه معه ونجد ذلك في مؤلفاتهم وأبحاثهم يقول القس ميشون الفرنـسـي : إن المسيحيين تلقوا عن المسلمين روح التسامح وهي أقدس قواعد الرحمة والإحسان عـند جميع المواطنين ، والتي يجب أن يتحلي بها جميع المصريين مسلمين ومسيحيين علي السواء .  

فإن اتحدنا وتعاونا وتسامحنا مع بعضنا البعض وقبل بعض الاختلاف مع أفكار غيره سنهزم عدونا الذي يتربص بنا الدوائر وينتظر الفرصة للانقضاض علينا عندما نتفرق أو نتشرذم أو نتعادي أو يحمل أحدنا الحقد علي أخيه ، ومن وجهة نظري لمواجهة ذلك علينا أن نتحاب ونتواد ونتآلف ونتعاطف ونكون أمة واحدة حتى نستعيد عظمة هذه الأمة من جديد كما كانت من قبل .   

أحداث الإسكندرية – التي حلت الذكري الثانية لها منذ أيام ، بالإضافة إلي قرية صول وإمبابة وأسيوط هي البداية الحقيقية للتسامح ونبذ التعصب الذي لن يؤدي إلا لمزيد من العنف والدمار ولكن التسامح سيفتح آفاق جديدة للحوار والتعايش بين أبناء الوطن الواحد لأن في ذلك سعادتنا جميعاً وبإمكان وسائل الإعلام والاتصال في الـمجـتـمع أن تـضّلـع بدور بنّاء في تيسير ثقافة الحوار ونشر قيم التسامح ونـبـذ التعصب والخلافات بين أبناء الوطن الواحد لأنهم نسيج واحد وبناء واحد مثلما كانوا متوافقين  ومتحدين في ثورة 25 يناير .

ومن المبادئ الرئيسية التي يجب مراعاتها في عملية الحوار ضرورة تسهيل تدفق الأفكار وتشجيع  الاتصال بين أفراد المجموعة حيث أنه عادة ما تتضارب الاهتمامات والآراء. لذلك يستلزم الأمر  خلق فهم مشترك للمشكلات الرئيسية التي تواجه المجتمع وتشجيع مداخل جديدة للعمل الجماعي بالإضافة إلى تحديد الاحتياجات ، وتعبئة الأفراد وتوحيد أصواتهم من أجل القيام بالإصلاح وإحداث التغيير المنشود.

ويسبق ذلك القيام بعدد من الأنشطة لتهيئة وتعبئة المجتمع للحوار والتي تتيح الفرصة أمام منظمات المجتمع المدني والمجتمعات المحلية وممثلي الجهات الحكومية للاشتراك في حوار على المستوى المحلي للتشاور حول القضايا ذات الاهتمام المشترك من خلال ممارسات تعتمد على المشاركة والشفافية والمساءلة .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق