الصفحات

2013/04/26

حوار مع الروائي المصري أشرف العشماوي

حوار مع الروائي المصري أشرف العشماوي
حاوره/ عبد القادر كعبان 
 الجزائر
تتميز حركة السرد الروائي عند المصري أشرف العشماوي بالتنوع و الدهشة و هذا ما نلحظه من خلال باكورته الروائية "زمن الضباع" التي تدور أحداثها على لسان الحيوان في غابة افتراضية غير محددة للمكان و الزمان. أما عمله الروائي الثاني صدر تحت عنوان "تويا" فلم يتخف في هذه التجربة وراء الرموز و الإستعارات كما فعل سابقا بل واجه القارئ بما يجول في خاطره دون أدنى خوف او قلق. صدرت له مؤخرا رواية ثالثة بعنوان "المرشد" و التي أثارت جدلا كبيرا في الساحة الأدبية لما تكشفه من جرائم سرية و تصاعد التيارت الدينية المتطرفة و من هنا كان معه الحوار الآتي:
أولا.. كيف يقدم أشرف العشماوي نفسه للقارئ؟
بداية اود ان ارسل من خلالكم  رسالة تحية الى قارئ الاعمال الادبية بالجزائر واعتقد اننى محظوظ لكون ناشر كتبي يعرض رواياتى عندكم .. انا اسمى/ اشرف العشماوي وعمرى 46 سنة  متزوج لدى ولدين هما عمر وعلي اهديتهما روايتى الاخيرة بالمناسبة ..  و اعمل قاضيا بمحكمة  الاستئناف بالقاهرة .. انا قارئ يهوى الكتابة اردت ان افكر مع الناس بصوت عال فكتبت ما يدور بوجدانى وونقلت ما بداخلى من مشاعر ولا اعتبر نفسي اديبا وانما روائي اجد ذاتى ومتعتى فى كتابة الرواية دون غيرها من الوان الادب فهى معشوقتى الاولى والاخيرة .
هل يمكن أن تحدثنا عن أولى تجاربك في عالم الكتابة؟
اولى تجاربي كانت عبارة عن خواطر شخصية منذ 15 عام ثم بدأت فكرة الرواية الاولى تنتابنى تروح وتجئ الى ان اكتملت عن الاسد الكامن بداخل منا ويمثل قيم الحق والخير والضمير وغيرها ..  كان لدى تساؤلات كثيرة لماذا لا يخرج ؟ ولماذا يجعله البعض يضعف ويموت حتى اذا ما راى مجرد خيال قط قفز مذعورا لعدة امتار للوراء ؟! هل هناك اسود مزيفة وهل يمكن ان يموت الاسد بداخلنا؟ .. اسئلة كثيرة حاولت الاجابة عنها من خلال رواية رمزية عن ثعلب صغير يعيش فى غابة ويعمل فى عرين الاسد فيصحو ذات يوم ليجد القابع على العرش خرتيت وليس اسد بينما من خلف الستار تدير الضباع الامور وتتحكم فى كل شئ فيضطر بحكم عمله ان يصطدم بها من خلال رحلة طويلة وعشرات الحيوانات التى قابلها الثعلب فى محاولته لاخراج الاسد الكامن بداخله الى ان تحدث المفاجأة فى النهاية. ولكن بعد ان اكتملت الرواية فى عام 2010 لم اقم بنشرها كان لدى تخوف غريب من مواجهة القارئ الى ان التقيت مصادفة بالكاتب الكبير انيس منصور فاعطيته المسودة وطلبت رايه فى إلحاح ، وبعد 3 اسابيع حادثنى هاتفيا لمدة دقيقة قال لى انشر ما كتبت واترك القضاء فبداخلك موهبة يجب ان تخرج للنور ثم اغلق السماعة !! بالطبع فرحت جدا ثم تعرفت على ناشرى الذى تحمس وظهرت الرواية فى مارس 2011 ولاقت قبولا كبيرا من النقاد والكتاب والقراء الحمد لله .
 
بمن تأثرت في بداياتك؟
عندما كنت اكتب مقالات منذ سبعة اعوام بانتظام فى بعض الجرائد والمواقع الاليكترونية تاثرت باسلوب الصحفى القدير سلامة احمد سلامة ولم اتخلص من تقليده  ولكن فى الكتابة الادبية اى الرواية لا اعرف بمن تأثرت هذا سؤال يصعب الاجابة عليه بسهولة  فانا قرأت لكثيرين من العمالقة عربيا وعالميا وطبيعى ان اتأثر بهم ومن المؤكد ان الاستاذ نجيب محفوظ ترك شيئا عميقا بداخلى وايضا جارسيا ماركيز وباولوكويلهو ومن المؤكد ايضا ان الدكتور علاء الاسواني له تأثير ايضا فأنا اكن له احتراما وتقديرا كبيرين واحب كتاباته  و ارى انه احد الذين غيروا شكل الرواية فى العصر الحديث واعادوا القارئ المصرى للمكتبات ولعادة القراءة حتى لو اختلف البعض على تقييمه ادبيا فهو صاحب اسلوب مميز ومدرسة خاصة . دعنى اقول لك شيئا اخر اننى نفسي سالت هذا السؤال لاكثر من اديب مصرى كبير ممن اعرفهم شخصيا ففاجئونى بأنهم يرون ان  لى اسلوبا مميزا وطريقة مختلفة ..على اى حال التقليد لم و لن يولد ابداعا  ابدا  ومن يقلد اليوم لن يصمد حتى الغد وسيحترق بسرعة جدا .
كيف بدأت التفكير في كتابة روايتك الأولى "زمن الضباع"؟
التفكير فى الرواية الاولى لاشك جاء من مشاهدات وخبرات متراكمة فانا بحكم وظيفتى كمحقق جنائي فى قضايا رأى عام ثم قاض بعد ذلك على مدار اكثر من 20 عام شاهدت الكثير من الانماط البشرية المتباينة وكانت فكرة الاسد المكبوت على مدار سنوات فى مصر تلح على عقلى كثيرا حتى خرجت على الورق  .. الرواية قد تبدو بسيطة فى فكرتها وربما يظن القارئ انها تقليد لرواية مزرعة الحيوانات لجورج اورويل او كليلة ودمنة لبيدبا ولكن الواقع انها مختلفة تماما بشهادة الجميع وانا تناولت الفكرة من زاوية اخرى وان كنا نشترك فى الرمزية من خلال الاستعانة بالحيوانات لنقل الافكار والمعانى .
لماذا اخترت طريقة السرد على لسان الحيوانات في اول عمل روائي؟
فى البداية كنت ساكتب رواية بشخوص طبيعية ولكن راودتنى فكرة الحيوانات والرمزية المستمدة منها ووجدت ان قماشتها فى الكتابة اعرض وتعطينى فرصى لكى اقول كل ما اريده بحرية اكثر ولا تنس هنا  اننى قاض وكتبتها قبل ثورة يناير بعامين او ثلاثة .. اعتقد اننى عملت حسابا لهذا الامر من داخلى ولجأت للرمز لهذا السبب ايضا . ولكنه لم يكن السبب الرئيس . وعندما بدات اقرأ عن الحيوانات قبل الكتابة اندهشت فكم من الحيوانات لها خصائص وصفات متماثلة تماما مع الانسان وهو كان احد الاسباب التى شجعتنى على استخدام طريقة السرد على لسان حيوانات.
لماذا ابتعدت عن آلية الترميز في روايتك الثانية "تويا"؟
طبيعة الفكرة واماكن الرواية وابطالها والموضوع لا تسمح بالرمزية التى استخدمتها فى رواية زمن الضباع وكما تعلم ان الرواية هى حالة شعورية تصيب الكاتب فيعبر عنها على الورق وتويا كانت حالة ابتعاد عن الواقع الذى بدا لى ضبابيا فى فبراير 2011 صحيح ان الثورة نجحت فى خطوتها الاولى ولكن لا احد يجيب على السؤال الصعب : وماذا بعد ؟ وراهنت بينى وبين نفسي على استمرار التخبط لفترة وقد حدث فكتبت تويا قصة رومانسية بسيطة هادئة فى احراش كينيا بين طبيب مصرى وفتاة افريقية بدائية وكانت المفاجاة انها وصلت للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العالمية للرواية العربية . التقدير والتكريم الغير متوقع شئ اكثر من رائع
ما هي أهم الركائز و المبادئ الأساسية للرواية في نظرك؟
هذا سؤال صعب قد يحتاج الى متخصص للاجابة عنه بصورة تفيد القارئ ومن المؤكد انه سيكون افضل مني، ولكن دعنى احاول الاجتهاد وفقا لمفهومى هناك اللغة والاسلوب وتنوع المفردات و القواعد الخاصة بالبناء الدرامى والحبكة والتركيبة النفسية والاجتماعية والشكلية لابطال الرواية والتمهيد والتصاعد والعقدة وحلها.. وايضا  لابد من تحديد ماهية الأفكار الرئيسية التي كنت تريد القراء ان يدركوها ويتخيلوها معك ويفكروا فيها بعد القراءة بمفردهم بعيداً عن النص الخاص بك اى بعيدا عن الحكاية الاصلية ويمكننى تعريف الرواية إنها فكرة أو مجموعة أفكار يريد الكاتب إيصالها إلى الناس، وهي تمثل حجر الزاوية التي تبنى عليها الرواية وموضوعها وشخصياتها وأحداثها هي تجسيد لهذه الفكرة وإقامة لهذا البناء.
 
كيف ترى واقع الروائي خصوصا بعد ثورة 25 يناير؟
الروائى فى مصر بعد الثورة شخص مهموم جدا بالشأن العام ولكنه للاسف لا يستطيع ان يكتب عنه فى رواياته ولكن يلتف حوله وقد يبحث فى الماضى ليسقط على الحاضر لأن الكتابة عن الثورة الان لن يكون مفيدا من الناحية الادبية من وجهة نظرى باستثناء المقالات ،  حتى فى روايتى الاخيرة عندما اضطررت ان اتناول احداث ثورة يناير كتبت صفحتين فقط وعلى استحياء  وكنت مضطرا بحكم التسلسل الزمنى لاحداث الرواية ، الامر يحتاج لسنوات من التأمل والدراسة والاختزان ثم اختيار زاوية معينة للرؤية ثم الكتابة بعد ذلك عن هذا الحدث الاكبر فى مصر ولكننى من ناحية اخرى  اخشى على الادب والثقافة ان يتعرضا للقمع والمصاردة والتضييق فلا توجد ضوابط واضحة المعالم فى الدستور الجديد تخص الثقافة فكلها عبارت مطاطة مثل ان الدولة ترعى الثقافة والمثقفين بما يخدم المجتمع ومصلحته ..! من الذى سيحدد مصلحة المجتمع ؟ وما المعايير فى خدمة المجتمع ومن يضعها ؟ وما هو شكل المجتمع الجديد بعد الثورة ؟ كلها امور لم تتضح بعد وتثير لدي مخاوف كثيرة .
يصف الروائي الكبير ابراهيم عبد المجيد روايتك الأخيرة "المرشد" بأنها ملحمة أدبية رائعة ستصيبك بالدهشة و لن تستطيع أن تتركها من يديك. حدثنا عن هذه التجربة الجديدة؟
فكرة رواية المرشد كانت معى منذ الايام الاولى لتنحى مبارك وبروز التيارات الدينية على الساحة ولكننى لم اكتبها فى حينه وكتبت رواية تويا فقد كانت الاخيرة مسيطرة على تفكيرى اكثر ،  ثم فى شهر يناير من عام 2012 بدأت ارسم شخصيات رواية المرشد واستغرق ذلك عمل يومى لمدة شهرين بعدها عملت يوميا لاول مرة فى حياتى لمدة 9 شهور حتى انهيت الرواية فى ديسمبر من نفس العام ومثلما قال عنها استاذى ابراهيم عبد المجيد انها مشوقة فى القراءة فيبدو انها كانت كذلك فى الكتابة فلم اترك الورق يوما واحدا وكانت سلسة جدا وان كانت مجهدة بالطبع . وبعد ان انتهيت منها وسلمتها للناشر لم يكن متبقيا على معرض القاهرة الدولى للكتاب سوى شهر تقريبا وكنا فى ندوة واحتفالية بمناسبة وصول تويا لقائمة البوكر ويومها اخبر ناشري الاستاذ عبد المجيد باننى قدمت له مسودة رواية جديدة فاخذها وحدثنى هاتفيا بعدها بيومين قائلا بضحكته الشهيرة : يا مستشار انا معرفتش انام بقالى يومين بسبب رواية المرشد .. ولانه غير متعود على السهر ولكن فيما يبدو ان الرواية جذبته وطبعا هذا احساس جميل وشهادة رائعة من استاذ واديب متمكن وشعور يزيدنى ثقة فيما اكتبه والحمد لله لاقت الرواية قبولا لدى القراء ووصلنا للطبعة الرابعة فى اقل من شهرين الى ان تم تزويرها مؤخرا فى طبعات رخيصة وهو ان كان نجاح معنوى لأى روائي وفرصة للوصول الى شريحة اكبر من القراء  فهو على جانب اخر خسارة مادية ولا شك على الناشرين
أي رسالة أردت إيصالها عبر هذا العمل الروائي و لمن؟
باختصار شديد ان التاريخ يعيد نفسه ويكرر احداثه ونحن لا نتعلم من اخطائنا وفى كل مرة يضبطنا التاريخ متلبسين بالغفلة مع ان الزمن لا يغير الناس وانما يكشف حقيقتهم تباعا وفى نهاية الرواية احببت ايصال رسالة للمصريين واشقائنا المواطنين العرب الذين هبت عليهم رياح الربيع العربي بأن الثورة لم تكتمل ولا تزال دول كثيرة من دول الربيع ذاتها  حبلى ببذور الثورة وكأن شيئا لم يكن ورواية المرشد تتناول فترة دقيقة من تاريخ مصر بعد نكسة يونيو 1967  حتى الشهور الستة الأولى من ثورة يناير 2011   من خلال قصة رجلين  ينتميان لقرية واحدة فى صعيد مصر أحدهما فاسد يسرق  تاريخ بلده و يستنزف حضارة أجداده والأخر ارهابي متطرف يستغل الدين و يزيف التاريخ لتحقيق مطامعه السلطوية ويسعى الى التحكم فى مقدرات وطن بأسره فيبدوان كطرفى المقص كلاهما مشدود للأخر بحكم الجذور والنشأة وكونهما يعملان مرشدان للشرطة أيضا للابلاغ عن جرائم يرتكبها اخرون مقابل غض الطرف عن جرائمهما ولكن كل منهما يسير فى إتجاه من أجل تحقيق أطماعه ومآربه عازفاً لحنا منفردا خاصاً به فى خسة ووضاعة حتى يلتقيان تحقيقا لمصالحهما الخاصة فتمكنا من قبض كفيهما على مصر لتصور لنا سرقة ممنهجة لوطن على مدار 45 سنة  . واقدم فى الرواية رحلة صعود من القاع للقمة لبطلى العمل الادبي ..وجارى تحويلها لمسلسل تلفزيونى حاليا .
هل من أسماء لروائيين "واعدين" برزوا في السنوات الأخيرة في مصر؟
نعم كثيرون اذكر منهم على سبيل المثال محمد عبد النبي الذى وصلت روايته رجوع الشيخ الى البوكر هذا العام  واحمد عبد المنعم مؤلف رواية رائحة مولانا وهى متميزة على مستوى السرد وشيرين هنائي مؤلفة صندوق الدمي وعمرو الجندي الذى تخصص فى روايات الجريمة  وكلهم مبدعون حقيقيون وقد لا تسعفنى الذاكرة الان للاسف  لتذكر اخرين فارجو قبول عذرى .
كلمة ختامية؟
بقدر ما فرحت بوصول روايتى تــويا الى قائمة جائزة البوكر الطويلة للرواية العربية جنبا الى جنب مع قامات ادبية شامخة مثل واسينى أعرج وربيع جابر وغيرهم من  الروائيين العرب الا ان فرحتى برأى القراء فى رواياتى عند لقائى بهم فى ندورة او حفلات التوقيع  اوحتى بالمصادفة تفوق فرحة كل الجوائز فالقارئ عندى يجئ فى المقام الاول دوما فهو مقياس النجاح الحقيقى لأى روائي . واتمنى ان التقى جمهور الجزائر فى وقت قريب .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق