الصفحات

2013/05/12

"في المقهى" لمحمد ديب.. هروب من الواقع المعاش بقلم:عبد القادر كعبان

"في المقهى" لمحمد ديب.. هروب من الواقع المعاش
بقلم:عبد القادر كعبان
لا يزال مجتمعنا الجزائري يتخبط في مشاكل كبيرة خصوصا تلك الإجتماعية منها و نذكر على سبيل المثال البطالة و الجوع و أزمة السكن التي أصبحث بمثابة شبح يطارد كل جزائري تحديدا شريحة الشباب التي لم تجد حلا مناسبا لها سوى الهروب من واقعها المعاش.
إن شعور الشاب الجزائري بالتهميش و انعدام العدالة يعد احدى الأسباب الدافعة الى تفكيره في "الحرقة" أو الهجرة الغير الشرعية، و ظهور حالات اليأس و الإحباط على نفسيته حيث يسعى البعض الآخر للإنتحار. أما فئة أخرى من شباب الجزائر تجد ملاذها في الجلوس على المقهى حيث تتخذ من السجائر و الجرائد اليومية المحشوة بالمشاكل السياسية و الإجتماعية ونيسا لها هروبا من واقع مرير حول صورة الجزائر البيضاء الى جحيم بسبب قساوة الظروف.
المعاناة التي نشهدها اليوم تعيدنا الى الوراء من خلال صور تاريخية لا تزال حية من خلال الأعمال الأدبية الخالدة، و نذكر على سبيل المثال المجموعة القصصية "في المقهى" (1955) للروائي الجزائري محمد ديب (1920-2003) الذي إلتزم في كتاباته بواقع الجزائر في تلك الفترة الزمنية، حيث جعلنا نعيش تلك الحياة من خلال قصة رجل عاطل و أب لثلاثة أطفال وجد نفسه يواجه شبح البطالة، و عندما اشتدت محنته لم يجد منفذا سوى الهروب الى المقهى. كان يمضي وقته جالسا ينظر بعيون خفية في ملا مح تلك الوجوه البائسة من حوله، و التي فقدت إحساسها بآلة الزمن. لقد حاول بطل القصة الإحتماء بالمقهى حتى يحضن النوم عيون أطفاله الجوعى و يهد التعب كاهل زوجته المترقبة لرغيف الخبز. بمرور الأيام ألف ذلك الرجل الجلوس في نفس المكان و فجأة عاد الأمل الأخضر الى حياته من جديد بظهور شخص غريب قطع سكونه ليحدث تغييرا في حياته الرتيبة.
لقد أدرك بطل القصة أن الحياة مليئة بالفاجآت العجيبة حيث اكتشف أن ذلك الشخص الغريب قام بالسرقة و هو فعل أملاه عليه الجوع و أزمة البطالة، و في نهاية المطاف وجد نفسه وراء قضبان السجن لجريمة قتل اقترفها دون قصد منه.
هذه الصور التي رسمها محمد ديب في المقهى باتت تتكرر اليوم للأسف الشديد، و كأنه يريد أن يوصل رسالة للمتلقي الذي بات يتنفس هواء البؤس بأن يتمسك بواقع الإنتظار كما فعل بطل القصة، و لكن هذا لا ينفي أن الانتظار لا يعيد الحياة الكريمة الى نصابها و لا مجال للتذرع بالصبر المميت.
لقد عكست حكاية ذلك الغريب حياة المعاناة داخل سجن من نوع آخر على غرار سجن الحياة التي باتت قيمه الإنسانية غائبة في أيامنا و أكبر مثال هو ذلك المحامي الذي حاول الدفاع عن ذلك الشخص الغريب لكن هذا الأخير صرح أن عمل المحامي مجرد تفاهة لأنه لا يدافع عن الإنسان إلا بعد اقترافه للجرائم و عليه ينبغي على الدولة تفهم أحوال الناس و السعي إلى غرس روح التغيير و إلا فإن أيادي الجريمة ستتنامى و ستزداد طولا لا لشيء لكثرة المشاكل الإجتماعية و العقبات اليومية التي باتت تواجه المواطن.
في الختام يجدر الإشارة إلى  أن درجة الوعي هي التي دفعت الأديب محمد ديب لتصوير تلك الآلام بدقة و التعبير عن تلك الآمال بصدق كبير سيجعلان القارئ العربي عموما و الجزائري على وجه الخصوص يتأمل فيما آل إليه و ما ينبغي أن يكون عليه. و من خلال ما تقدم يمكن القول أن محمد ديب قد وظف قلمه بالفعل لفضح مساوئ الإستعمار الفرنسي و لتوعية الشعب الجزائري.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق