الصفحات

2013/05/17

"آه ... يامه" قصة بقلم: مـــاجدعبدة



آه ... يامه
 بقلم: مـــاجدعبدة

غرفة صغيرة متواضعة فى بدروم أحد المنازل العتيقة، وسرير حقير تعلوه طاقة صغيرة ترصد أقدام المارة الذين يروحون جيئة وذهابا فى الحارة الشعبية التاريخية، وأم غالى الأرملة العجوز التى فقدت زوجها فى ريعان شبابها، ومن وقتها صار غالى ابنها الوحيد هو كل ما تملك... جلست أم غالى تطل برأسها من طاقة الحجرة بعد رحلة من المعاناة، فقد اشتد عليها المرض وهى تنتظرغالى ابنها الوحيد وهو قادم من عمله، فقد طلبت منه أن يأتى لها بدوائها المعتاد، وطلبت منه أن لا يتأخر عليها، فهوعيناها التى ترى بها بعد أن ضعف نظرها من البكاء، وهو عكازها الذى تتكئ عليه بعد أن خارت قواها بسبب المرض,  توفى زوجها وترك لها غالى طفلاً رضيعاً أفنت عمرها فى تربيته, لم تتزوج حتى تستطيع تربية غالى دون تقصير, أصابها المرض فقد كانت تعمل طوال النهار فى تنظيف البيوت، وتسهر طوال الليل محنية على ماكينة خياطتها المتهالكة, كبرغالى وأصبح هو كل شيئ لوالدته، فلقد أفنت عمرها وصحتها من أجله، ولم يكن لغالى أحداً غير أمه التى هى كل ما يملك.
قلقت الأم فلم يكن غالى معتاد التأخير على والدته، وهى محتاجة للدواء ولكنها كتمت عن نفسها قلقها بقولها  "كل تأخيرة وفيها خيرة" ثم ابتسمت متذكرة غالى، وهو صغيركيف كانت تحمله، وهو يحاول الصعود فوق كتفها، ويحاول أن يدخل يده فى فمها عنوة, تذكرت عندما كبر قليلاً، وكانت تمنعه من اللعب فى الشارع مع الصبية خوفاً عليه، تذكرت عندما كبرليصبح شاباً يافعاً، وقالت له "انت كبرت يا ابنى، ولازم نخطبلك بنت عمك، وكفاية تعبك معايا لحد كده، شوف نفسك بقى" لكن غالى رفض بشدة  بالرغم من حبه الشديد لابنة عمه، فهى فتاة أحلامه التى يذوب فى هواها  "خطوبة إيه يا امه؟! وجواز إيه؟! .. أنا حعيش طول عمرى خدام تحت رجليكى، وبعدين يا امه ما انتى عارفه.. العين بصيرة والإيد قصيرة"
ظلت تتذكر، وظلت مبتسمة إلى أن رأت مجموعة من الأيادى تضع جثة وحيدها.. لقد مات غالى!!
ظلت الأم مبتسمة، تلك الابتسامة التى لن تغادر وجهها إلى الأبد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق