الصفحات

2013/06/29

على بعد خطوات من موقع الانفجار.. بقلم: قاسم مسعد عليوة



على بعد خطوات من موقع الانفجار

شهادة حول حادث الانفجار بميدان الشهداء ببورسعيد
مساء الجمعة الموافق الثامن والعشرين من يونية 2013م.

قاسم مسعد عليوة
  
     كنت ومعى عدد من قادة العمل السياسى ببورسعيد وعدد كبير من المواطنين البورسعيديين على بعد خطوات من موضع الانفجار الرهيب الذى فى العاشرة من مساء اليوم 28 يونيه 2013م. وأودى بحياة صحفى شاب وأصاب عددًا من المتظاهرين، بعضهم إصاباته جد خطيرة.

     ما إن وصلت المسيرة، التى نظلمها ونظلم بورسعيد إن وصفناها بالحاشدة، فأغلب سكان بورسعيد شيوخًا وشبانًا، رجالاً ونساءً، خرجوا فى جمعة المهلة الأخيرة ضد حكم الأخوان المسلمين، وبعدما أجلسنا جورج اسحق الذى سار معنا فى المسيرة منذ بدايتها، إلى جوار الخيمتين اللتين تتصدران النصب التذكارى لشهداء بورسعيد (المسلة) وتتوسطان مكان الاعتصام المحتشد بالآلاف المؤلفة، تركت الناشطين محمد إسماعيل الأقطش وبدر البيدى مع جورج اسحق والمحيطين به ووقفتُ أتحدث قليلا فى المنطقة القريبة من موضع الانفجار مع بعض أصدقائى من قادة النشاط السياسى ببورسعيد: إسماعيل مناع، محمد الحديدى، نصر الزهرة، محمد يونس، ومعنا ابنتىّ البدرى فرغلى زينب وصباح وأحفاده؛ وإذ بنا نرى ضوءًا أخضر ونسمع صوت صفير تبعه على الفور صوت انفجار رهيب وهرولات وصرخات من سيدات وأطفال وشباب وشيوخ محاطين بأدخنة وغبار.

    صحفى شاب فـُصلت رأسه عن جسمه، وآخرون مصابون بتهتكات فى أجسادهم وكسور وجروح قطعية، وبعضهم إصابته عصبية. سحب بعض الشباب مصابًا بصدمة عصبية إلى خيمة العيادة.. صيحات تنادى الطبيب والممرضين.. المصاب شاب حديث السن.. مُسح وجهه بالماء ونُشِّط جهازه التنفسى بالضغط على صدره والتهوية له.. آخرون منطرحون أرضـًا فى موضع الانفجار.. شخص لحيم.. بطنه يتفجر منها الدم. برأسه إصابة وصدره مثقـَّب وساقاه وأحد ذراعيه كذلك. لم أر وجهه، لكن حاله تؤكد أنها بالغة الخطورة. آخرون نالت منهم الشظايا، منهم من لم يدرك أنه مصاب إلا بعد فترة، ومنهم والد "محمد حمص" المحكوم عليه بالإعدام فى قضية ستاد بورسعيد الرياضى، وكان من لحظات يهتف محمولاً على الأعناق ضد الأخوان المسلمين ونظامهم. مشهد القتيل يُدمى النفس.. لا رأس ولا رقبة.. الساعد الأيمن مبتور، والأشلاء مبعثرة ، منها ما ارتطم أو التصق بملابس القريبين، فانلته ممزقة عن جزء من الصدر مجرح مدمى وثمة حروق.. نساء فقدن أعصابهن. يذهبن ويجئن. يهذين.. أهدئهن.. أذكرهن بالله، وأهون عليهن الحادثة.. من تلتقط أنفاسها منهن تدعو على مرسى وتستمطر اللعنات على الأخوان المسلمين.

    استطلع الموقف.. صندوق عربة فشار مفصول على الأرض.. ما الحكاية؟.. "شمروخ انضرب وإجه فوق أنبوبة البوتاجاز بتاعة عربة الفشار". "الشمروخ انضرب من الرصيف باتجاه الخيمة اللى قاعد جنبها جورج اسحق فاتخبطت فى أنبوبة البوتاجاز". "لا.. دى حاجة اترمت وعملت دخنة وشرار ونار زى صواريخ الأفراح.. الناس اتلمت تطفيها راحت متفجرة فيهم". "لا يا حاج.. دى قنبلة موقوتة".

    جاءت بعد فترة سيارة الإسعاف، بعدها سيارات الشرطة والجيش، ثم وصلت فرق البحث عن المفرقعات.. معهم الكلاب المدربة.. وهَلَّ قادة الأمن: "أخرجوا من الميدان".. "لو سمحتم".. "اتفضلوا".. اخرجوا برَّة".. "يا للا اخرجوا، بنقول اخرجوا".. "أخرجوا علشان نعرف نشتغل"..

     طوق أمنى وعمليات مسح كامل، وأنباء عن العثور على آثار قنبلة محلية الصنع، وأخرى عن اكتشاف قنبلة ثانية تم تفكيكها.. قيل: ألقى مجهول بقنبلة بدائية فى حقيبة بلاستيكية سوداء بها كمية كبيرة من البارود مما وجه الأذهان إلى أنها صاروخ أفراح بسبب اشتعال البارود قبل الانفجار.. وأشيع أن هذا النوع من المتفجرات تستخدمه حماس فى عملياتها، ويستخدمه كذلك المنقلبون على بشار الأسد فى سوريا.. حتى كتابة هذه الشهادة لم تصدر تقارير بالحقيقة لا من الصحة ولا من الأمن.. والناس ما عادت تثق بأى جهاز حكومى.

     علمت قبل كتابة هذه الشهادة أن اسم الشهيد الذى توزع جسده أشلاءً هو صلاح الدين حسن، وأنه يعمل مراسلاً لجريدة لجريدة "شعب مصر"؛ كما علمت أن من أصحاب أكثر حالات الإصابة خطورة، ذلك اللحيم الذى لم أر وجهه.. إنه الدكتور شريف صالح عضو مجلس إدارة النادى المصرى.. دكتور شريف كان حاضرًا معى فى المؤتمر الأول لحركة الدفاع عن الجمهورية بالنيابة عن البدرى فرغلى لانشغاله بإضراب أصحاب المعاشات، وتكلم فى المؤتمر وناقش بحضور وذكاء، وحرص يومها على التقاط صورة تذكارية له مع المستشارة تهانى الجبالى ونقلنى فى سيارته حتى مشارف ميدان التحرير، ومن المصابين إصابات بالغة أيضًا محمد محمد أبو سمرة من أهم إصاباته: كسور فى عظمة الفخذ الأيسر والساق، وتهتك بالعضلات، وجروح قطعية بالساعد الأيمن، ونقل إلى الإسماعيلية لحرج حالته.

    ومن المصابين: خضره خليل حسن، ويوسف السيد الشامى، وأحمد محمد أحمد، وعادل محمد شحاته (أبو حمص)، وأحمد خالد، بالاضافة إلى كمال مصطفى حسن، وشعبان ابو الوفا.

     الغريب أن مدير الأمن كان قد وجه فى صباح اليوم الشكر للمتظاهرين لسلمية التظاهر ولمحافظة المتظاهرين للمنشآت العامة، ثم جاء هذا الانفجار.

قاسم مسعد عليوة                                                                                                                                        الجمعة الموافق 28 من يونيه 2013م.

هناك تعليق واحد: