الصفحات

2013/06/22

حنان البيروتي في حوار مع عبد القادر كعبان



حوار مع القاصة الأردنية حنان البيروتي
من إعداد عبد القادر كعبان من الجزائر
تعد حنان البيروتي من المبدعات التي برز إسمهن مؤخرا بقوة في مجال القصة القصيرة في الوطن العربي. نذكر من مجموعاتها القصصية الصادرة مايلي: "الإشارة الحمراء دائما"، "فتات"، "تفاصيل صغيرة"، "فرح مشروخ"، "ليل آخر"،"ذكرى الغريب"و غيرها، بالإضافة لكتاب نصوص نثرية تحت عنوان "لعينيك تأوي عصافير روحي". كما فازت القاصة بعدة جوائز أدبية نذكر منها على سبيل المثال جائزة البجراوية ،وجائزة ناجي نعمان الأدبية العالمية للإبداع، جائزة الحارث بن عمير للقصة القصيرة و جائزة نازك الملائكة للإبداع النسوي،جائزة "محمد طملية" لأفضل مقالة صحفية عربية وغيرها.
كيف تقدم حنان البيروتي نفسها للقارئ؟
   إنسانة تبحث في زوايا الحياة عن صورة ومعنى ونبض وبقايا إنسان،تجد في الكلمة ملاذا ومساحة للبوح في عالم مختنق وضيق بالحياة،تعيش الكتابة باعتبارها خلاصا ونافذة وفسحة للذات االمسحوقة  في الحياة اليومية،تحاول الكتابة والدخول لمعترك الإبداع ومكابدته بخطى من حلم...
حبذا لو تعطينا لمحة عن طقوس الكتابة لديك و ما سر اهتمامك بالقصة القصيرة تحديدا؟
      كلمة طقوس توحي بترف لا أملكه وليس في واقعي المعاش أو واقع المرأة العربية بشكل عام مساحة لاحترام إبداعها وشرفة بوحها، أو تقدير لمشروعها الإبداعي،ليس لي طقوس معينة أو مشروطة للكتابة، اقتنص الوقت للبوح، أكتب في الوقت الضائع ،وأختلق مساحة لأعبّر عن ذاتي.
      سنوات من البوح ذبلتْ وبراعم من الكلمات يبستْ في البدايات وأنا انتظر مثل طفلة يتيمة على باب العيد، أن تتيح لي الحياة مساحة لائقة لأكتب، لكني اكتشفتُ متأخرة ربما انّ المجتمع العربي لم ينضج لاستيعاب المرأة المبدعة وربما الرجل المبدع أيضا ،واكتشفتُ انّ العمر يهرب مثل سارق وانّ البوح يذبل والكلمات تموت في براري النفس، فبدأتُ الكتابة في أي مكان ومهما كانت الظروف،ووجدتُ آلية لانجاز المطلوب على مراحل مهما طالتْ او افترقتْ أو تعثرت أحيانا -وما أكثرها- ،المهم ان أكتب،في النهاية لا أحد يسألني إنْ لم اكتب ربما ،لكن الكثيرين يسألون ان لم أقم بواجباتي بصفتي أم وزوجة وموظفة وامرأة عربية يفترض منها المجتمع أن تعيش للآخرين ومن خلالهم، وأن تذوب ذاتها بالذات الجماعية لعائلتها وأن تتخلى عن ملامحها الشخصية وتتبنى الملامح العامة للأم والزوجة العربية المصوغة بما يناسب الفكر المجتمعي الأناني والذكوري الى حد بعيد.
اهتمامي بالقصة القصيرة ليس له سر إنها توافق طبيعتي في الالتفات للتفاصيل الصغير ة في الإنسان والأحداث والحياة، ومحاولة الإمساك بخيط الفرح الخفي او خيط الحزن الظاهر لما يحدث في حياتنا وربما كان لطبيعة الظروف الوعرة التي أكتب بها علاقة فكلّ قصة هي مشروع صغير ومنفصل ،وبالتالي يمكن وسط دوامة الحياة للمرأة التي تنهش القيود واقعها وتطال أعماقها بقلق الحياة ومحطات الاستنزاف التي تعيشيها وتكابدها أن تتم مشاريع صغيرة، فيكون خيار القصة القصيرة هو الأنسب،وتبقى القصة هي شرفتي للبوح .
 ما هي المواضيع المطروحة في مجموعاتك القصصية إجمالا؟
    الإنسان في حالات انكساره وألمه ولحظة الفرح اليتيمة والقصيرة دائماً،وبحثه عن نقطة ضوء وسط الظلام  وطرقه لباب الخلاص،والتفاته لنبض الإنسانية الساكن فيه، والطفل المتأرجح  في أعماقنا والذي نهمله وننساه،اكتب عن الشخصية المطعونة والمثقلة بخيبات الحياة لكنها لا تستسلم،لا ابحث عن المواضيع الكبيرة فالعمل الإبداعي لا يكتسب أهميته مما يطرح بل كيفية الطرح وفنيته، أهتم بالتفاصيل الصغيرة والمفارقات التي تعني الكثير وتضيء، ابحث عن زوايا معتمة في النفس،مواقف  صغيرة لكنها مهمة وتملآ زوايا مهملة ومنسية ومهجورة في النفس الإنسانية المعاصرة المنخورة بالوحدة والألم الدفين والحزن القليل المعلن و الكثير المخبوء.
كتاباتك تحمل الوجع و البوح الإنساني.. ماذا تقولين عن ما نشهده اليوم من ثورات في الوطن العربي؟
    الوجع والبوح الإنساني  لا يرتبط بحدث معين وانْ كان بصورة من الصور نتاجها، لا اكتب عن وجع إلا بعد استيعابه ونضجه وحتى يطرق باب الخلاص ،وحتى أحس أنّ ثمة ما يقال،التوقيت لا يهم،المهم أن يقال ما يهم.وما نشهده من ثورات او ربيع أحمر او فصل خامس او ثورة مضادة او انفجار داخلي، لا ادري ما اسمي ما يحدث،لكن الأدب لا يواكب الأحداث الكبيرة ينتظر ان تكتمل وتختمر وتنضج، هو ليس مرآة ولا بيانا أو منشوراً،لا أحبذ أدب المناسبات ولا أميل له،المباشرة واللهاث وراء الحدث ليس هو الأدب الإنساني الذي أحبه وأعيشه واكتبه، ليس من وظيفة الأدب عرض الأحداث مباشرة مثل القنوات الفضائية، الأدب دوره عميق وواعي لا يأتي إلا بعد الحدث، اتألم لما يحدث لكن دموعي خرساء، وبوحي أصغر منه، فالكلمة - كلّ الكلام- لا يوقف رصاصة!
الى أي حد حققت القصة العربية وجودها عالميا؟
 التأثير محدود،القصة العربية تحتاج الى جرعة من الصدق والجرأة ،والكثير من الغربلة، والى إضاءة إعلامية ورصد نوعي للنتاج المطروح وتغطية موضوعية ودعم إعلامي مدروس لتصل، لكن كل ذلك يمر بمراحل بطيئة ،والخطى الجادة يتم عرقلتها.ثمة قصة عربية تستحق ان تكتسب العالمية لكنها تنطفئ وتذوي في العتمة مثل كثير من الجماليات التي نمتلكها ولا نحسن تقديرها.

كيف تعامل النقاد مع نتاجك القصصي؟
علاقتي مع النقد تصالحية، لكن النقد لم يقدم لي المرجعية ولم يضيء لي الدرب ولم يوجهني، ولم يواكب نتاجي القصصي إلا فيما ندر، لا أحفل كثيرا بالنقد المادح السطحي المجامل، النقد الحقيقي قليل ولا يعوّل عليه مع انه مهم ومساعد لو وجد، ولكن للأسف الحركة النقدية في المشهد الثقافي العربي تعاني من أمراض  عديدة أهمها الشللية والمجاملة، فهي ترفع وتعطي الألقاب لمن تشاء وتهمل وتهمّش متى تشاء، بعض الكتابات النقدية القليلة أحسستها تضيئني من الداخل ،وبعض المدح يجعلني ابتسم للحظة، لكن في النهاية المبدع عليه ان يكون ناقدا قاسيا لنفسه قدر الإمكان.
ماذا أضافت لك الجوائز الأدبية؟
منحتني فرحا آنيا وأثقلتني بمسؤولية، لا أتوقف طويلا أمام الجوائز الأدبية لأنها محطة لفرحة قصيرة وتوقف يليها عمل ، أنساها كأنها مشروع قصة كتبته وانتهى .
ما موقع القصة بين الأجناس الأدبية الأخرى اليوم؟
   القصة فن لا يموت ربما حياتنا قصص شبه مكتملة، شبكة من الحكايات والخيوط التي يمزقها القدر وتجمعها الأيام، المتشابكة المعقدة والبسيطة معا ،القصة فن الحياة لكن أرى انه زمن الرواية والشعر،وزمن القصة القصيرة جدا او الومضة،وانتشار فن أدبي وشيوعه في زمن لا يعني انه أهم من غيره فأهمية العمل الأدبي لا تنبع من  جنسه ولا من جنس او جنسية كاتبه بل هي نابعة من العمل ذاته، او هكذا ينبغي ان يكون!
   عناوين مجموعاتك القصصية عموما تحيل الى عدة دلالات فما هي الرسالة التي تحملها للقارئ؟
      صعب فهم الرسالة من العنوان،وغالبا عنوان المجموعة القصصية هو عنوان لقصة تتضمنها، فدلالته جزئية ومنقوصة، ليس لي رسالة محددة أحملها للقارئ، الرسالة في ثنايا النصوص وهي تختلف من قارئ لآخر لكن ليست محددة يمكن الحديث عنها بصورة مباشرة.
ما هو تقييمك لكتابات المرأة العربية بشكل عام؟
    أميل للظن أنّ السؤال من باب النظر للأدب الذي تكتبه المرأة باعتبار انّ له خصوصية تفرضها طبيعة الظروف التي تعيشها وتعايشها المرأة العربية عموما والمبدعة منها خاصة،كما  والرجل العربي أيضا يعاني ويكابد فكلاهما شريكان في المعاناة وإن اختلفت صور وأشكال وعمق  المعاناة، ، لا اقرأ الأدب وفق كاتبه او كاتبته، ثمة نصوص مضيئة بإبداع نابض جميل وأخرى معتمة وتتفاوت النصوص للكاتب نفسه سواء صادف انه رجل او امرأة، تقييم كتابات المرأة العربية مسألة تحتاج لبحث واطلاع لا أدعيهما، ولكن المرأة تتقدم وتكتب وتستغل مساحات النشر ونوافذ ه عبر  شبكات التواصل الاجتماعي، انظر للأسماء المستعارة  والى ما أسميته بظاهرة "نساء الزهور" كم من المواهب والكتابات الذابلة واليانعة وبقايا البوح المذبوح أوفي الرمق الأخير او بداية الربيع يحاول أن يطرق الباب باب الانتشار والوصول لكن الدرب وعر والطريق طويل وشائك.
كتابات المرأة العربية تحتاج لجرعة من الصدق والجرأة المدروسة ،والخروج من قمقم العلاقة مع الرجل،والقضايا الضيقة الى أخرى أكثر إنسانية و رحابة . 
هل من الضروري أن تدفع المبدعة ثمنا لجرأة قلمها؟
المرأة تدفع الثمن دائما مرتين، لا تدفع ثمنا لجرأة قلمها بل وتدفع لعدم جرأتها، عليها ان تدفع ثمنا أولاً لاقترافها الإبداع في مجتمع يرفض او يحارب أي شكل للتميُّز عند الفرد رجلا او امرأة، عليها علامات استفهام وقيود معلنة ومخفية، خارجية وداخلية، الوصول للجرأة رحلة طويلة والصدق في التناول مسالة لم تمسنا بشفافيتها وسموها الإنساني في نتاجنا الإبداعي إلا في ما ندر.
هل حققت القصة أحلام حنان البيروتي؟
القصة او الكتابة بشكل عام بالنسبة لي هي صديقة غالية قريبة أبثها مشاعري واعبر عن نظرتي ورؤيتي للأمور لكن لا انتظر منها إلا ان تتيح لي فسحة للبوح والتنفس ،أتنفس الحياة من خلالها،وبالتأكيد لم تحقق أحلامي وإلا لأعلنت موتي على ذمة الحياة، وهو أقسى أنواع الموت،لا أعول على الكتابة ولا انتظر منها شيئاً لكني احتاجها وأحسها في عروقي واعطش لها بظمأ لا يرتوي،الأحلام شكل للحرية وتحقّق بعضها يحولها الى قيد،ثمة من لا يحلمون إلا بما يمكن تحققه هؤلاء سجناء!
هل ستخوض حنان البيروتي كتابة التجربة الروائية مستقبلا؟
ربما،احلم بعمل أدبي يعبر عني، يقتطع من داخلي ما يمور من ألم وحلم وبوح وحب وجنون، احلم بنص ينبض داخلي ويتحرك يوجعني وأحبه كأنه طفلي الذي لم يلد بعد، النص الذي احلم به عصي الملامح ربما يكون نصا مسرحيا او روائيا وربما لن يكون.
كلمة أخيرة؟
الحزنُ الذي يحمله هذا الزمان يحتاج الى عمر آخر...
لا تحزن ان لم تكن بقادر على اقتراف حزن جديد!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق