الصفحات

2013/08/21

مؤتمر "المثقفين المصريين": لا شيء..بقلم: أحمد الفخراني

مؤتمر "المثقفين المصريين": لا شيء
  أحمد الفخراني

تدخل إلهام شاهين، بوجه جاف وملابس الحداد، إلى المجلس الأعلى للثقافة، للحديث باسم المثقفين المصريين، من منصة "المؤتمر الصحافي العالمي" – كما سُمّي – لإيضاح حقيقة ما يحدث للمراسلين والسفراء الأجانب في مصر. والمنصة ضمّت، إلى إلهام شاهين، وزير الثقافة صابر عرب، وعمرو الشوبكي، والفنان أحمد شيحة، وثروت الخرباوي.
الملحوظة الأولى: لم يأت سفراء أجانب، بل حضر ممثلون عن السفارات. الثانية: أصيب الحاضرون بالملل. الثالثة: لم يحضر المثقفون الممثلون للثقافة الفاعلة الآن فى مصر، عقب 25 يناير، ولا أحد يعلم عمّن كان يتحدث صابر عرب بثقة حين قال إن هذا المؤتمر هو للتعبير عن رأي "المثقفين والمبدعين المصريين".
بدا الأمر، كغالبية الفعاليات البيروقراطية لوزارة الثقافة المصرية، حدث يوحي بالضخامة، يفتقر إلى تخطيط، من أجل إنتاج لا شيء.
كان صابر عرب أول وزير للثقافة فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، ثم أعادته حكومة 30 يونيو إلى الوزارة. يملك وقائع وشهادة بخصوص فترة ولايته في عهد الإخوان المسلمين، وعدائهم للثقافة. لم يتحدث بغير ما يمكن أن يصدر عن الجهاز الإعلامى لوزارة الداخلية المصرية، أو "الشؤون المعنوية للقوات المسلحة".
بقليل من التسامح، يمكن استثناء أول المتحدثين، د.عمرو الشوبكي، من فقر الخيال، والكلمات الإنشائية، وإدانة "الإخوان" (المستحَقّة بالطبع) كما وردت فى كتاب برامج التوك الشو المصرية، فضلاً عن البكائيات المفتعلة. قد تختلف كمستمع مع كلمته الموجهة. لكنها، على الأقل، موجّهة بالحرفية الوحيدة الذي نمّ عنها يوم أمس الثلاثاء. عبارات واضحة، محددة، تحمل منطقاً ما.. ثم غادر الشوبكي باكراً، قبل أن يبدأ عرس "اللاشىء".
تجاهل الجميع، بالإدانة أو حتى التلميح إلى رفض العنف المفرط في فض اعتصام "رابعة"، أو حتى الحادث الذي لم يمر عليه يومان، أي مقتل 38 سجيناً فى "أبوزعبل".
"الهوس بالأجانب"، ومهمة مخاطبتهم المقدسة، شكّلا كلمة السر فى المؤتمر. فقد حرص متحدثو المنصة على التأكيد بأن التحية والخطاب موجّهان إلى الجمهور المستهدف. بينما أظهر بعضهم تبرّماً من سوء التنظيم، وثمة من تطوّع من المصريين لتعنيف المصورين الصحافيين، حرصاً على التأكد من أن "الأجانب" يستمعون إلى كل كلمة مترجمة.
كان الصحافيون المصريون قد عزلوا فى قاعة أخرى، يعرض فيها المؤتمر على شاشة عرض، فيما خصصت قاعة المنصة للديبلوماسيين والمراسلين الأجانب الذين أجلسوا في الصف الأول. أما في الصف الثانى، فشخصيات من قبيل الشاعر زين العابدين فؤاد، وفتحية العسال، والممثل أحمد عبد العزيز، والمطربة أنوشكا.
كدت أُمنع من الدخول، لولا أني أحمل كاميرا، فسمح لي بدخول القاعة للتصوير، لا للكتابة.
عقب الافتتاح الذي اضطلع به صابر عرب، والذي تأخر نصف ساعة عن موعده، أعلن عرض فيلم تسجيلي يقدّم "الحقيقة". وزارة الثقافة، بكامل عدّتها وأموالها، لم تستطع إنتاج فيلمها التسجيلي الخاص بها، فاكتفت بعرض فيلم "الشؤون المعنوية للقوات المسلحة" الهزيل، والذي يعرض على القنوات الفضائية المصرية عن وقائع عنف لفظى ومسلّح للإسلاميين فى مصر، مضافة إليه عبارة غامضة عن "هولوكست" يتعرض له المصريون، باعتبارها كلمة لها وقع عند الغربيين، وعبارة "ما لا يعرضه إعلامكم". الهزل والهزال هنا، أن "الإخوان المسلمين" يستطيعون بدورهم عرض فيلم ثان، للمجتمع الغربي، تحمل مَشاهده رواية أخرى، قد لا تكون هى أيضاً الحقيقة، لكنها ستحمل منطقاً، منطق المونتاج على الأقل.
لم ينبهر الأجانب. ولم يؤثر فيهم "الفرح البلدي" المقام فى المجلس الأعلى للثقافة. على العكس. فعندما حان دور إلهام شاهين للحديث، عقب كلمة عمرو الشوبكي، تحدثت فيه عن معركتها الخاصة مع أحد الدعاة الإسلاميين، والذى وضع صورتها على جسد ممثلة "بورنو" رومانية. وفاتها أن هذا الداعية، سُجن فى عهد مرسي. وتحدثت أيضاً عن مفاجأتها الخاصة، بأنها تنوى محاكمته بتهمة ازدراء الأديان، من أجل "تعليمه الإسلام"، مضيفة أن معركتها معه، وحديثها بجرأة على الفضائيات، كانت "الشرارة التى ألهمت المصريين في ما بعد". بدت كأنها تتحدث عن مفاجآت يحملها فيلمها الجديد. وما إن انتهت من كلمتها، حتى قام أربعة من ممثلي السفارات للانصراف.. مندهشين. حاولتُ سؤال إحداهن عن رأيها فى تنظيم المؤتمر، فرفضت التعليق. لكن القاعة فزعت من الرحيل المباغت. سألتنى أنوشكا بقلق عن سبب رحيل المندوبة الديبلوماسية، هل أزعجها التنظيم السيء؟ هل تعطّلت سمّاعة الترجمة الفورية؟ أجبت بأني لا أعرف، قبل أن يأتي أحد المنظّمين ليطلب مني المغادرة إلى قاعة الصحافيين، ظناً منه بأني ضايقت الضيفة، فيما أظهر أحمد عبد العزيز عصبية زائدة في ما يخص سوء التنظيم.
كان هناك كثير من الإيمان فى تلك القاعة، بأن مهمة مقدسة تتم فيها، وبأن "الحقيقة" تُقدّم من بين شقوق تلك الفوضى ومن خلال خطب عصماء بلا معلومات.
 ثروت الخرباوي، الإخوانى المنشق، اشتعل بالحماسة أمام الحضور حين تحدث عن "رفض المصريين لتدنيس بلادهم بالمنتجات الأميركية والبريطانية، فهم من يحتاجنا، لا نحن"، فحصل على تصفيق من المصريين فقط، ما اضطر صابر عرب إلى الاعتذار عن العبارات التى قيلت نتيجة براءة الحماسة الزائدة.
ولم يزد فحوى كلام أحمد عبد المعطى حجازي، الذى توقف عن كتابة الشعر منذ السبعينات لكنه ما زال يمسك برقبة الثقافة المصرية حتى الآن، على كونه كلاماً إنشائياً، عن ارتباط المصريين بالجيش المصرى، "فحيث وُجد الجيش فى مصر، ظهر الحديث عن الديموقراطية"، وعن قِدم الدولة المصرية. فيما انتهز الفنان التشكيلى أحمد شيحة، بهيئة العجوز، الفرصة التى لا يفلتها كل متحدث بُكاءً، منذ بكى وائل غنيم فى برنامج منى الشاذلي. فأعرب عن أمله في أن تصل رسالته إلى المثقفين والفنانين حول العالم، وأنه على ثقة بأن وجهة نظر العالم ستتغير خلال أيام... علماً أن وزارة الثقافة نسيت أصلاً أن تدعو مثقفين وفنانين من العالم المُخاطَب.
الخلاصة: لا شيء. فعالية تصلح لأن تنتهى كتقرير فى مكتب موظف مصري بيروقراطى: لقد أنجزنا ما علينا. وليمرّ الخبر فى الصحف والنشرات الإخبارية: المثقفون المصريون عقدوا مؤتمراً عالمياً لعرض ما يوصف بـ"الحقيقة".
أما المثقفون الشباب، الأكثر فاعلية فى مصر، فيبدون الآن كالثوار، الذين، رغم مسؤوليتهم عن تحريك المشهد منذ بداية الاحتجاجات ضد النظام، إلا أنهم مهمشون بالكامل فى لحظات كهذه. يبدون عاجزين، بفعل تسلّط الجماهير وهديرها، وعدم الكفاءة، والوجوه المسؤولة العجوز التي شاركت "الإخوان المسلمين" وقبلت تولي الدولة ووزارة الثقافة، وتتصرف دوماً كمن يملك ختم الرواية الصحيحة الوحيدة وتعاليم الثقافة المسموح بها.
لو كان المثقفون الشباب حاضرين فى مشهد كهذا، لربما استطاعوا تخفيف الخيبة. فهم، على الأقل، لن يكونوا مهوسيين بالإصرار على أنهم يحتكرون حقيقة ما حدث، ولا أن هناك ما لا يجب أن يقال حرصاً على "سمعة مصر" التى أهينت بالكامل فى سيرك الفوضى والعجائز الذي نصب فى قاعة المجلس الأعلى للثقافة.
http://almodon.com/Culture/Articles/%D9%85%D9%88%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AB%D9%82%D9%81%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D9%8A%D9%86--%D9%84%D8%A7-%D8%B4%D9%8A%D8%A1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق