الصفحات

2013/08/29

عبد القادر كعبان يحاور الشاعر والقاص حسن البصام



حوار مع الشاعر و القاص العراقي حسن البصام
من إعداد عبد القادر كعبان من الجزائر


حسن البصام شاعر تعانق قصائده الآخر بحميمية مطلقة و تعبر عنه من خلال ذاته المشبعة به و بأحلامه الجميلة حيث تأخذه أصوات اللغة و إيحاءاتها الى الغوص في أعماق الإبداع، كما ولج ابن العراق عالم القصة بأناقة خاصة يحرص فيها على سردية بقدر عال من التركيز و التكثيف. نشر نصوصه في العديد من الصحف و المجلات العراقية و العربية، إضافة الى عضويته في اتحاد الأدباء و الكتاب العراقيين و اتحاد الأدباء و الكتاب العرب.
بداية عرفنا بشخصية حسن البصام؟
حياتي مكابدات ومجازفات وصبر وتحدي .. تجاربي اكتسبتها من اخطائي  . لان جيلنا هو جيل الحروب .. والحرب لاتخلف الا الموت او العوق .. ونحن جميعا معاقين سواء جسديا ام فكريا..
شخصيتي الادبية تبلورت ملامحها .. حين تتلمذت على يد جدتي . كانت تتقن سرد القصص الخيالية ..وتضطر تحت الحاحنا ان تطلق لمخيلتها العنان لتصطاد لنا قصصا يتلبسنا الانبهار او الخوف او متعة التخيل لنذهب ننام .. وكذلك منذ أول دهشتي امام جمال شروق الشمس على نهر الفرات وانا انظر بمتعة فائقة الى ظل النخيل وحمرة الشفق .. منتظرا ان ارى كيف تتوضح خلال دقائق مصائر الاشياء ..ونضجت حين تجسدت في فكري قناعة ان الفقر هو المعول بل الحزام الناسف الذي يحطم كل شئ..حتى المبادئ في احايين كثيرة .
  ولدت عام 1960 من ام غاية الجمال ( رحمها الله ) عيناها خضراوان.. ووجها المستدير ابيض كنقاء روح قديسة, وصفاء البياض..وكنت مشاكسا في طفولتي .. رميتها وكان عمري بضع سنين ..بسكين صغير فاصابت جبهتها .. وظل ذلك الاثر ملازما لها طيلة حياتها.. وحين كنت في الجبهة اللعينة كانت أمي تبكي كثيرا لغيابي .. وكان يمزح معها اخي قائلا لها : اتبكين على من ضربك على جبينك بالسكين ؟؟ فتجيبه : لو كان فمي الان يصل الى أثر الضربة لقبلتها في كل لحظة ..
  ومن اب متسامح ومرن.. على الرغم من انني اتذكر عدد المرات التي ضربني فيها .. وكلما كبرت تيقنت ان فلسفة حياته مجدية امام حياة قاسية وسلوك الاخرين.مبدأ التسامح والعفو وعدم الاختلاط بالاخرين ومساعدة المحتاجين
  لم يكن احد من افراد اسرتي معني بالقراءة او الكتابة .. ولم يؤسس لي معلم او مدرس قاعدة لاطلاق اول حرف في فضاء الابداع ..كنت اشعر اني بحاجة للكتابة وقد سبقها احساسي بحاجتي الملحة للقراءة .. 
كيف و متى بدأت علاقتك بالكتابة؟
 بدأت علاقتي (العاطفية) معها.. حين دفعتني روايات جرجي زيدان للتحليق والتخيل. وجدت نفسي عاجزا عن التحليق فكتبت عن الفقراء المعوزين وارسلت اول قصة قصيرة كتبتها الى برنامج في اذاعة ( صوت الجماهير) في السبعينيات ولم يتجاوز عمري الخمسة عشر سنة.. وتم قبولها ودعوتي لقراءتها بصوتي في الاذاعة ولا يحدث ذلك الا لقصص لها اهمية عندمقدم البرنامج الاستاذ خضير عبد الامير الذي اصبح فيما بعد رئيس تحرير الطليعة الادبية.

نشرت أول قصيدة كتبتها عام 1981 في جريدة الجمهورية، كيف كان شعورك؟
أول مولود كانت انثى جميلة ..قصيدة من مواليد 1981 .. حين ولدت على سرير الصفحة الثقافية في جريدة الجمهورية ..شعرت ان لي جناحين.. كانت في صدري فرحة عارمة لاادري اين اطلقها ..
بمن تأثر حسن البصام من الكتاب الكبار؟
بدات علاقتي بالكتاب في الصف الرابع الابتدائي.. وبدات بقصص الانبياء ..
فتحت عيني بقطرات من دهشة سرد جرجي زيدان.. والف ليلة وليلة ..كنت احفظ نهارا قصة طويلة لاقصها على اصدقائي ليلا ..قرأت روايات ديستيوفسكي بمتعة وشغف ..قرات الجريمة والعقاب باقل من ثلاثة ايام..وقرات روايات همنغواي .. وماركيز.. كانت السبعينات والثمانينات فترة الترجمة الذهبية في العراق .. وقرأت الشعر المترجم اكثر من الشعر العربي ..لم احب قراءة الشعر العمودي كنت اشعر به كاني مطالب بالحفظ المدرسي .. وكنت اقرا لبدر شاكر السياب فقد كانت قصائده مزيجا من السرد والشعر ..وعبد الوهاب البياتي الذي لمست ثورية كلماته ونضجها .. وبلند الحيدري واحببت جدا سعدي يوسف .. وقصائد ادونيس ..عالم شعري مميز..والماغوط الذي لايشبهه احد .
   دثرت قلبي بروايات دافئة لاتنسى .. حنا مينا .. اسماعيل فهد اسماعيل وجمله القصيرة المشحونة وفكره الثائر ..جبرا ابراهيم جبرا ..عبد الرحمن منيف ..عبد الرحمن مجيد الربيعي .. محسن الخفاجي. انهم الابواب التي طرقتها ودخلت من خلالهم الى ممرات الكتابة ..
احببت جدا بابلو نيرودا ولوركا وناظم حكمت واعجبت بحياة جيبفارا وفيدل كاسترو ..
ما مفهوم القصيدة النثرية في نظرك؟
  ان قصيدة النثر قادرة على توظف الاجناس الادبية الاخرى والفنية لمصلحة النص بامتياز ..كتبت عام 1980 في مجلة فنون مقالا ( قصيدة النثر والمحك الحضاري )  ردا على الشاعر والكاتب  ( احميده الصولي )  .. مؤكدا انها قادرة على التواصل العالمي بما تمتلك من خصوصيات ادبية وامكانية ترجمتها دون المساس ببريقها ..وكان الاستاذ احميدة منتقدا ورافضا لقصيدة النثر وقد استشهدت في المقال بكتابات انسي الحاج والماغوط وشوقي ابي شقرا وخليل حاوي..كان مقالا مؤثرا في مسيرتي الادبية ودافعا قويا لان اخطو نحو الامام .. اعقبتها مقالات اخرى نشرتها في المجلات العراقية حول قصيدة النثر .
صدرت لك مجموعة شعرية تحت عنوان "أساور الذهب الأسود" عن دار رند- دمشق 2010_ توزيع دار الينابيع ، حدثنا عن هذه التجربة؟
انتظرت طويلا لترك بصمة ورقية خاصة بي .. لملمت قصائدي المتفرقة وارسلتها للطباعة فولد قمر اضاء عتمة الاوراق المخبأة في الحقائب والادراج ..ان اغلب قصائد هذه المجموعة هي صرخات احتجاجية ضد الحروب والاضطهاد ومصادرة الحريات .. وقصائد للحب وسمو المشاعر والاصدقاء ..
ما الذي حرضك لكتابة الشعر بعدالقصة ؟
اول ماكتبت القصة القصيرة وكانت بعنوان ( الموقد) التي اشر ت اليها, وهي تتحدث عن حالة الفقر والمرض ومعاناة الفلاحين أظن انها عام 1973 وهي التي ارسلتها الى الاذاعة وكان مقدم البرنامج الاديب الكبير الله يرحمه ( خضير عبد الامير ) اصبح فيما بعد رئيس تحرير مجلة الطليعة الادبية ..لكن قراءاتي المكثفة في حينها للشعر وخاصة المترجم حثتني لكتابة الشعر ..او انه ولد تلقائيا بعد القراءات .
هل تحدثنا عن مضمون مجموعتك القصصية الأولى؟
القصص التي كتبتها في ظل ظروف الحرب والحصار كانت ادانات برمزية عالية .. في احدى القصص توقعت سقوط النظام الدكتاتوري وكانت القصة بعنوان ( سقوط نخلة ) وبعد سنة تقريبا  .. حدث التغيير .. وكدت اسجن في حينها لاني نشرتها في جريدة محررها الثقافي الاديب الرائع نعيم عبد مهلهل الذي جازف بنشرها وقد اعرب عن قلقه في حينها ..حيث امتنع عن نشر قصيدة ( رسالة اخيرة الى ابليس ) .. لانها ان نشرت يذهب جلدنا للدباغ .. وياله من دباغ !! والقصص الاخرى هي كذلك قراءات للواقع العراقي المحير المرتبك الذي توزع بين سلب ارادة المواطن وبين شيوع القلق وانعدام الامان .. بين الاضطهاد وانعدام الحريات وبين شيوع الفساد وانتهازية التدين السياسي..
العراقي ضحية حكوماته المتعاقبة عليه ..او المعاقبة لانسانيته ..كل حكومة لها سوطا بلون مميز .. ولاندري متى يسلم جلد المواطن من الدباغة ..
بين رحاب الشعر و القصة، أين يجد المبدع حسن البصام نفسه اليوم؟
كتابة القصة كمن يحرث ..وكتابة القصيدة كمن يحلق ..الذي يحرث يحتاج الى بذل جهد واستعداد. في القصة انت ترسم مصائر وعلاقات وحيوات .. تخلق كل هذا على الورق  .. والشعر يحتاج الى جناحين وسعة فضاء
أمشي بقدمين حافيتين متلذذا على تراب ارضية القصة القصيرة ..واحلق بجناحين ملونين في سماء الشعر..اجد نفسي في صورة متكاملة أو انفاس بيت شعر عذب تنفسته .. وكذلك في ثيمة مرتدية ثوبا بالوان مبهرة
القصة هي اكتشاف انساق او رؤى او وشائج علاقات لمجتمع او افراد من لحم ودم .. اجس نبضهم وحرارتهم واسمع بكاءهم او ضحكاتهم .. يهمسون لي واهمس لهم اصادقهم او اعاديهم .. انظر لهم استقبلهم او اودعهم
والشعر هي مشاعري التي اراها .. لونها هويتها اجنحتها . وهو رؤيتي للذات والاخرين والكون .. وهو فلسفتي .. الشعر اكثر استجابة لايعازات القلب او العقل ..
هل حظيت أعمالك بما يكفي من اهتمام الناقد؟
لم استطع اصدار كتاب قبل 2003 لذلك جاء اصداري متاخرا عام 2010 وقد كتب عنه بعض النقاد .. وقرات العديد من نصوصه في اماس شعرية متعددة ..لااعتقد ان الاديب يتوقف حين لم يكتب عنه .. ولكن الحمد لله لقد كتب عني بعض النقاد خاصة من الاصدقاء عن محموعتي الشعرية وكتب البعض من النقاد عن قصائد وقصص متفرقة نشرت سابقا في الصحف والمجلات .
كيف يرى حسن البصام المشهد الثقافي و الأدبي في العراق حاليا؟
  ان العلاقة بين المقرات العامة والفرعية تكاد تكون معدومة نهائيا .. الادباء حاليا ينظمون نشاطاتهم بجهود فردية او شخصية .. وقد تحولت اغلب النشاطات في بيوتات بعض الميسورين من المبدعين ومحبي الابداع ..
انها مهزلة ان يكون المبدع العراقي يجلس على الرصيف في مقهى مزري يستنشق اتربة السيارات المارة ويلسعه الذباب .. من اجل ان يتواصل مع اصدقائه .. اليس هذه حربا ؟؟ ألم تعمر المانيا مجتمعها بعد حروبها المدمرة بالادب والثقافة والفن والابداع الذي اسس ملامح المجتمع الجديد المناهض للعنصرية والحروب ؟
لكن لا يعني ان الحركة الثقافية معطلة .. لاانها سائرة ومنتجة ومبدعة ومتجددة والدليل على ذلك حصول الكثير من المبدعين على العديد من الجوائز في المسابقات والمشاركات الاخرى .. لكن الحالة مزرية ..الفكر السياسي صادر الفكر الثقافي.. وان صناديق الاقتراع لم توصل المثقفين الى السلطة .. ولم تقود السلطة الى المثقفين

ما رأيك في القيم و المفاهيم التي تدور في المجتمع العربي بعد موجة الثورات؟
تكاد تكون جميع ظروف التغيير في الوطن العربي متشابهة ..تحكمها القبيلة او الاحزاب .أو دول الجوار وامريكا ..تغلبت المصالح الفئوية والشخصية والحزبية والعشائرية على المشهد السياسي وتخللها وجود الارهاب في اوج نشاطه نتيجة قلة وعي المواطن وتعدد الانياب في جسد الضحية – الوطن ..ولكن ظهر في مصر صوت المثقف ..نامل حذو الشعوب هذه التجربة .
ماذا تعني الحرية لحسن البصام؟
ان اصعد على سطح بيتي وافتح ازرار قميصي واصرخ احبك ياوطني باعلى صوتي .. دون ان يرميني احد بحجارة او اطلاقة او ينهرني قائلا هذا ليس وطنك ..
اشعر ان الوطن منحني اسما صالحا .. وانا منحته ولاء خالصا ..
                  ان اعشق دون تهمة او تكفير.. ان اغني دون ان يخنقني احد..      
ان لا يقتلني احد او يضيق علي الخناق حين ابني بيتا لايشبه بيت احد
ان لااسال احد او يسالني عن ديني او مذهبي
ما هي نوعية التشجيعات التي يقدمها النشر الإلكتروني في رأيك؟
يضيف للمبدع الرصين التواصل مع الادباء والمبدعين اذ ان اغلب الادباء لا يمكنهم نشر ابداعاتهم في الصحف والمجلات الورقية .. ورغبة الكثير منهم النشر في المواقع الالكترونية لوجود التعليقات وابداء الراي حولها وان كانت في بعض الاحيان تتخللها المجاملة والعلاقات الشخصية..لكنها وسيلة نافعة وممتعة لنا جميعا .. وفيها حرية كبيرة .. وسعة انتشار .. وارشيف جيد للكاتب او الناقد او الباحث .
ما الذي يحتاجه المبدع الشاب اليوم لصقل موهبته ورعايتها؟
اعتقد ان الابداع قبل كل شئ موهبة وعطاء متفرد من الله سبحانه وتعالى وهي نعمة وعلى المرء ان يصون هذه النعمة بالصقل والمتابعة والتقديس.
لااحد يمنحك او يعيرك جناحيه ..اختر الفضاء الرحب ومرن جناحيك وابدأ بالتحليق من امكنة امنة ثم حلق انى شئت
ما هي مشاريعك الأدبية مستقبلا؟
اصدار المجموعتين الشعرية والقصصية بالاضافة الى المجموعتين الشعريتين السابقتين .. واواصل الان الكتابة والنشر في الصحافة الورقية والالكترونية الرصينة التي احب النشر فيها .
كلمة أخيرة تود قولها للقارئ؟
  اغلب ماكتبته كنت اخاطب الاخر .. بل ان بعض القصائد
 الذاتية كنت اخاطب بها الاخر الذي يسكنني.. واعتقد ان من يقول انني اكتب لنفسي هو مخطئ لانه لايمكن ان يكون بمعزل عن الاخر انها دورة اتصال متكونة من قطبين منتج ومتلقي .. وكذلك مخطئ من يقول انني اكتب للاخر للسبب نفسه اذ انه يلغي ذاته .













ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق